تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



أكتوبر وما حولها | أحمد عدنان


الحديث عن ذكرى العبور المصري في حرب أكتوبر له شجون، فتلك اللحظة الفارقة قبل 42 عاما شكلت مفترق طرق، من حال احتلال إلى عصر تحرير واستقلال، ومن حلم استرداد الأرض إلى هاجس بنائها وتنمية شعبها.

البداية تقرأ الاحتفاء بأحد رجالات الحرب، القائد العسكري سعدالدين الشاذلي، وهذا الاحتفال المبالغ يستند إلى معايير ليس أقواها الموضوعية، فالرجل له دوره المشهود لا شك في ذلك، وله محنته التي عاناها بعدها نظير عدم رضاه على سير الأحداث خلال الحرب وما تلاها مما أدّى إلى تهميش ناله لا شك في ذلك أيضا.

لكن التلميع الزائد لشخصه ليس مخلصا، فلو تحرى المنصفون أسباب الصدق لاحتفوا أيضا بالمشير أحمد إسماعيل، فالرجل تولى رئاسة الأركان عام 1969، ثم تولى رئاسة المخابرات (71/ 72) ليعود إلى الجيش مجددا وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة عقب فترة مأساوية للفريق محمد صادق. ليتحمل إسماعيل المسؤولية التنفيذية المباشرة والكاملة عن الأداء العسكري خلال حرب أكتوبر.

ولو أراد المنصفون العدل أيضا، فمن الواجب التطرق إلى المشير محمد عبدالغني الجمسي، صاحب الدور الواضح في هذا الانتصار، فالرجل كان مسؤولا عن تدريب القوات المسلحة ثم المخابرات الحربية وليس آخرا رئاسة العمليات، وبالطبع ليس من المروءة أن يغفل المنصفون عن الدور المشهود لقائد سلاح الطيران محمد حسني مبارك وضربته الجوية المتقنة التي أذهلت العالم، وفوق ذلك بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات الذي قاد معركة سياسية نادرة (جمعت بين الدبلوماسية والقتال) انتهت بتحرير كل شبر من أرض سيناء بعد أن استكملها الرئيس مبارك باللجوء إلى التحكيم حول قضية طابا.

لماذا تخصيص القائد الشاذلي دون غيره باحتفاء مبالغ، إنها السياسة يا عزيزي، فالشاذلي يختلف عن الجمسي وإسماعيل بأنه مسيّس، وهذا واضح في مسيرته بعد الحرب حين اتخذ قرار المعارضة في الجزائر وأسّس إذاعة رديئة وتجمّعا ركيكا للهجوم على السادات ونهجه.

ومع تولي الرئيس مبارك مقاليد الحكم خلفا للسادات، كان هناك احتفاء مزعج بما يتجاوز المنّ عن دوره في الحرب والضربة الجوية. لذا كان واجبا على خصوم مبارك أن يبحثوا عن بطل أوحد آخر، وكان الشاذلي المعارض للسادات والكاره لمبارك هو المناسب لهذا الدور، فالمشير أحمد إسماعيل فضلا عن أنه انتقل إلى جوار ربه بعد الحرب بقليل، إلا أنه ينتمي لنفس الخط السياسي الدائر في فلك السادات ومبارك، والجمسي رغم جفاء مبارك ناحيته إلا أنه تقني إلى أبعد الحدود، وقد وصفه السادات ذات مرة “ينفع يكون وزير حربية طول عمره بس مش أكتر”.

أما الرئيس السادات، فخصومه لا يريدون تجيير الانتصار العسكري لصالحه بسبب تمايزه النهائي والمطلق عن جمال عبدالناصر بعد الحرب. وكان لا بد من شخصية عسكرية معارضة وفاعلة لها مسحة ناصرية، وهذه المواصفات تنطبق على الشاذلي بدقة. وهنا وجب التأكيد على نقطتين، أن إدانة الاحتفاء المبالغ بدور القائد الشاذلي تساوي تماما إدانة إنكار دوره وجهده، وأن التاريخ لن ينسى تأييد الشاذلي لاغتيال السادات في حديث إعلامي مصوّر وموثّق. وهنا يورد الكاتب الساخر محمود السعدني في مذكراته قصة لامعة لها أكثر من دلالة، فبعد اغتيال السادات وجّه الشاذلي عبر إذاعته الجزائرية نداء إلى “أبنائه” القوات المسلحة للسيطرة على أجهزة الدولة تمهيدا لعودته، لكنه أدرك -على ما يبدو- أنه في واد ومصر وشعبها وجيشها في واد آخر تماما، وربما كان الاعتراف المتأخر بهذا الإدراك هو سبب عودته الشاحبة إلى مصر لاحقا.

الشاذليون الجدد، وهم جماعة الإخوان، لديهم أيضا اعتباراتهم، في تضخيم مساحة الشاذلي بعد موته، فمع خصومتهم مع الرئيس السيسي، واعتبار ثورة 30 يونيو انقلابا أعاد فلول مبارك إلى الحكم، كان لا بد من الاحتفاء بالشاذلي كنقيض لمبارك والسادات ثم السيسي أيضا وفق تصورهم على الأقل. والحقيقة أنني أرى الفريق سعدالدين الشاذلي ضحية في كل مراحله بعد الحرب، فهو أولا ضحية عدم استيعاب المزاج العام النازح إلى السلم، وهذا المزاج ليس بمعزل عن القوات المسلحة التي كانت على علم دقيق وفوري بكل خطوات السادات السياسية بعد الحرب، كما أن هذا المزاج هو من نفى الشاذلي غاضبا ومن أعاده منكسرا إلى سجن خصمه مبارك (1992/1993 )، والشاذلي قطعا ضحية ظلم مبارك وإنكاره لدوره.

وليس هناك حديث عن أكتوبر من دون التطرّق إلى عريسها، محمد أنور السادات، فهذا الرجل تسلم بلدا محتلة وسلمها حرة، كما استطاع كسر ثقافة الحرب بتحدي السلام. ولقد أثبتت الأحداث أنهم في مصر يعترضون على كل شيء إلا اتفاقية كامب ديفيد، فهذه ثورة يناير ثم ثورة يونيو وما قبلهما وما بعدهما وما بينهما لم تمس الاتفاقية شعبيا أو رسميا، وليس منطقيا أن نزعم قدرة الاعتراض على مبارك والمجلس العسكري والإخوان مع العجز عن رفض السلام.

إن اتفاقية السلام التي أنجزها أنور السادات نسبت لها كل رذيلة من خصومه، ومن ذلك تراجع الدور الإقليمي لمصر وهذا غير صحيح، لأن المسرح الدولي هو الذي تغير بانهيار الاتحاد السوفيتي ثم انسحاب الاهتمام الدولي من قناة السويس إلى الخليج وقريبا إلى بحر اليابان، ومعايير الدور اختلفت وهي غير متحققة مصريا بنفس الدرجة الكائنة في أزمنة سابقة.

الحديث عن أن معاهدة السلام تجعل سيناء منطقة منزوعة السيادة والسلاح وبلا حضور عسكري جهل فادح، تتيح الاتفاقية في المنطقتين (أ) و(ب) وجود 25 ألف جندي (21 ألفا من الجيش و4 آلاف من حرس الحدود) بكامل أسلحتهم ومعداتهم، إضافة إلى 230 دبابة و262 مدفع ميدان ومدفعا مضادا للطيران و480 مدرعة قتالية. أما المنطقة (ج) – وهي الأضيق- فتغطيها الشرطة بكل معداتها وأسلحتها. تأمّل هذه الأرقام إذا علمت أنه منذ حرب 1948 إلى حرب 1967 لم يزد عدد الجنود المصريين -على أساس الوجود الدائم- في سيناء وغزة عن 1500 جندي!

ما لا يعلمه أولئك البعض أن المنطقة (ج) في مصر يضاهيها في الأراضي المحتلة المنطقة (د) وشروطها على الإسرائيليين: خلوها من المدفعية والصواريخ (باستثناء الصواريخ الفردية) وأن لا يزيد عدد الجنود الإسرائيليين عن 4 كتائب مشاة (4000 جندي).

من النادر جدا، أن تجد عسكريا ينتقد معاهدة السلام وتحديدا في ترتيباتها العسكرية والأمنية، فالمفاوض المصري أمّن لبلاده في سيناء كل إمكانات الإنذار والردع وصد الهجوم المفاجئ. وإذا كانت مصر منزوعة السيادة في سيناء -وهذا غير صحيح- بسبب ترتيبات المعاهدة فإسرائيل -هي الأخرى – منزوعة السيادة في المنطقة (د). ومن النادر أيضا، أن تجد عسكريا مشككا في نصر أكتوبر، فالثغرة التي ضخّم أثرها ميتة في موازين العسكر وفق أكثر من شهادة.

الحديث عن أن معاهدة السلام أخرجت مصر من الصراع العربي-الإسرائيلي غير دقيق. حين تولى مبارك زمام الحكم، رفض طلبا إسرائيليا-أميركيا بتغيير العقيدة القتالية للجيش المصري «إسرائيل هي العدو» وما زال هذا ساريا إلى اليوم. الصحيح هو اختلاف دور مصر، لم تستطع أيّ إدارة أميركية استبعاد مصر مبارك عن سير المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية بما في ذلك آخر محاولات جورج دبليو بوش وأولى محاولات باراك أوباما.

كان السادات عسكريا متحررا من الفكر العسكري وهو ما أتاح له التفكير بأفق أوسع وإبداع أكبر، وقد شاركه نفس الثقافة مستشار الأمن القومي حافظ إسماعيل، وهو شخصية نادرة لم تأخذ حقها أبدا.

ويمكننا القول إن مصر حافظت على استقرارها وانطلاقها طوال التزام مبارك الروحي بنهج السادات، ثم حصلت الانتكاسة بعد أن فقد مبارك السيطرة على نفسه وعلى أسرته وعلى الدولة منذ إقالة حكومة الجنزوري الأولى عام 1999.

العودة للتفاصيل الحرفية الساداتية مستحيلة ومستهجنة، فنحن في عصر جديد وتحديات مختلفة، كما أن السادات لم يكن نبيا منزّلا وخطيئته الكبرى تجسدت في تقوية الإسلاموية، قيمة السادات اعترافه بأنه بشر يخطئ ويصيب، وكذلك ينظر له محبّوه. ومن منطق هذه العادية حفر مكانته التاريخية الفذة، وليس كغيره الذين أرادوا فرض الزعامة الخالدة بالقوة، فالإنجاز هو المهم لا الشعارات الرنانة والفارغة. ويكفي السادات عظمة أنه ليس هناك ساداتية تطالب بحبس جمهورها في الماضي، ورحم الله أنيس منصور يوم قال “الفرق بين عبدالناصر والسادات هو أن عبدالناصر كان يرى نفسه كبيرا على مصر في حين أن السادات كان يرى مصرا كبيرة عليه”، وأعتقد أن السادات لو رأى حكم رؤساء مصر بعده لخف تواضعه كثيرا.

كلنا نقول إن حرب أكتوبر دليل على عظمة العمل العربي المشترك، لكن الطريف المبكي أن العرب كلما كثر أعداؤهم ازداد تفرقهم، بالأمس كانت هناك إسرائيل، واليوم هناك إسرائيل وإيران والإرهاب، والعرب هم العرب، يجيدون الاختلاف ويتقنون الهزائم ويصعدون إلى الهاوية ويلاحقون السراب، ولو لم يدرك السادات ذلك لما عادت سيناء، وستبقى ذكرى أكتوبر عرسه الخاص والأبدي، وسيبقى العرب جاحدين لفضل بطلهم الحقيقي ومتكبرين عن التعلم من حربه وسلامه.
تاريخ الإضافة: 2015-10-11 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1488
1      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات