تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



تفاؤل المصريين | الأمير كمال فرج


تغيرت مصر بعد الثورة، لم يقتصر الأمر على تغيير النظام الذي ظل قابعا في الحكم 30 عاما، ولكن التغيير كان على مستويات عدة، لعل أهمها التغيير الشخصي، بإحداث تغييرات نفسية واجتماعية في المصريين أنفسهم.

لو تصدت دراسة لبحث التغييرات الاجتماعية والنفسية التي لحقت بالمصريين بعد الثورة اكتشفت العديد من النتائج المثيرة. منها ما هو متعلق بازدياد التفاؤل بالمستقبل، ومنها ما هو متعلق بالثقة والاعتزاز بالنفس، ومنها ما هو متعلق بالعلاقة مع أجهزة الأمن، والوعي السياسي.

ومن التغييرات الواضحة الجلية تزايد الانتماء لدى المصريين، فقد أدى نجاح الثورة إلى تنامي الحس الوطني لدى فئات المجتمع المختلفة، واتضح ذلك من انتشار الأعلام المصرية، والإقبال على اقتنائها، ورسم العلم في الشوارع والميادين، وتزيين المحلات التجارية به، وبألوانه، وانتشار العبارات الوطنية التي تشير إلى الاعتزاز بالوطن وبالثورة.

وتجلى أيضا ذلك خلال الثورة عندما رسم الشباب والفتيات والأطفال ألوان العلم على وجوههم وسواعدهم وتزينوا بكل ما يتعلق بالوطن من ألوان وأعلام وتذكارات، إضافة إلى العبارات الحماسية الوطنية التي رفعوها أثناء الثورة وبعدها والتي تحتاج إلى مجلد كامل لرصدها وتوضيح اتجاهاتها ومكامن الوطنية والنقد والفكاهة فيها.

 في مدينة كفر الزيات التابعة لمحافظة الغربية، يلاحظ المرء في أحد الشوارع الرئيسية عشرات الأعلام بألوانها المميزة الأحمر والأبيض والأسود، فالعلم مرسوم على الحيطان، ومرسوم أيضا على أبواب الأكشاك ، وهو أيضا مرسوم على مقاعد الحدائق الوسطى في الشوارع، والأشجار، كما يوجد العلم مرسوما على ماكينة الكاشير في أحد المطاعم، وأمام مكتبة فلسطين تم تزيين صندوق بريد قديم بألوان العلم وكلمة "مصر"، كذلك عمود كهرباء مجاور ..

في شارع "مدرسة السعادة" رسم مواطنون العلم على واجهات البيوت، وفي ميدان الحرية المقابل لمدرسة كفر الزيات الثانوية أنشأت كافيتريا المصريين ساعة ميدان مزينة بألوان العلم الأحمر والأبيض والأسود، مع عبارات مثل "افتخر أنت مصري"، و "أنا مصري حر".

على حائط أحد الشوارع الجانبية كتب أحدهم باللغة الإنجليزية بخط مميز وبألوان العلم عبارة  Freedom For Egy، وترجمتها "الحرية لمصر"، الباب الرئيسي لمدرسة التجارة الثانوية للبنات ملون بألوان العلم وعبارة "الله أكبر وتحيا مصر، بلادي بلادي لك حبي وفؤادي"، في الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير في القاهرة زينت محلات العصير واجهاتها بعدد من الأعلام، عربة عصائر متجولة أمام نقابة المحامين زينها صاحبها بأعلام مصرية صغيرة.

كانت التحية للشهداء قاسما مشتركا في كافة الشوارع والميادين ، ففي ميدان رئيسي بمدينة كفر الزيات علقت لوحة قماشية عليها عبارة "الفاتحة  لشهداء ثورة 25 يناير"..
وفي طريق (مطروح ـ الإسكندرية) علقت لوجة عليها الآتي (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، شهداء وأبطال الإسكندرية، شهداء جمعة الغضب : مع صور 18 شهيدا).

بعض التعبيرات الوطنية التي وضعها بعض المواطنين في واجهات البيوت أو المحلات حاولت التأكيد على العلاقة الوطيدة بين الشعب والقوات المسلحة   والشرطة .

     على طريق (مطروح ـ الإسكندرية) علقت كافيتريا "العوامي" لوحة كبيرة بلون ألوان العلم والنسر عليها عبارة "الجيش الشعب الشرطة يد واحدة،  دائما مصر حرة، عاشت مصر حرة .. عائلة العوامي". عبارة أخرى علقتها الكافيتريا من خلال بوستر بلون العلم عليها عبارة "عاشت مصر حرة .. يد واحدة نبني مصر".

 حتى الجزارون سارعوا إلى المشاركة في هذه الملحمة الوطنية والتعبير عن انتمائهم لمصر، مثال هذا الجزار الذي يقع كشكه في منطقة الهانوفيل على طريق (مطروح ـ الإسكندرية) الذي علق بجوار كشكه لوحة من القماش عليها عبارة (أولاد الثورة .. بتلو 35 جنيه، ضاني 30 جنيه ، شمبري 40 جنيه ، صدق 35 جنيه، الجيش والشعب يد واحدة)
وقدمت لوحات أخرى رسائل سياسية، منها ما تعلق بموضوعات أمة مثل لوحة تقول ( عم نبني مصر .. بأيدينا نصنع المستقبل).

ومنها ما تعلق بموضوع الوحدة الوطنية مثل هذه اللوحة التي علقت في الإسكندرية في حي الهانوفيل وتقول ( معا نبني مصرنا الحبيبة .. دائما على قلب رجل واحد ، في بلد واحد مسلم أو مسيحي، كلنا مصريون ، لا للفتنة الطائفية، نعم للوحدة الوطنية).

 التذكارات الوطنية أكثر رواجاً في مصر هذه الأيام، وتشمل هذه التذكارات الأعلام والقلائد المزينة بألوان العلم والتي شيرتات المزينة بعبارات وطنية وحماسية تؤكد الفخر والاعتزاز بالمصرية، وتمجد الثورة، وقبعات بلون العلم، والإقبال على هذه المنتجات يؤكد أيضاً ازدياد انتماء المصريين بعد الثورة.

ولكن مع كثرة الإكسسوارات والمنتجات التي استثمرت الثورة المصرية بدءا من القلائد والتعليقات وانتهاء بالتي شيرتات، بعض المنتجات الوطنية وصلت إلى حد السخافة، حيث تفتق ذهن إحدى الشركات التي تعلن عن منتجاتها عن طريق الفضائيات وتعتمد على التوزيع المنزلي عن بيع لحاف وشراشف بألوان العلم المصري، وهو أمر قد يدعو للضحك أكثر من الإحساس بالانتماء والوطنية.

تفاؤل المصريين بالمستقبل بعد الثورة عكسته دراسة أعدها مركز المعلومات الذي صدر هذا  الشهر، حول مؤشر ثقة المستهلك المصري في الأداء الاقتصادي، حيث أكدت الدراسة ارتفاع معدلات تفاؤل المصريين بتحسن معيشتهم، وتوافر فرص العمل، وتراجع مستوى الأسعار وجودة السياسات الاقتصادية.

وأكد التقرير ارتفاع المؤشر العام لثقة المستهلك المصري في الأداء الاقتصادي خلال شهر فبراير الماضي مقارنة بمستواه في شهر ديسمبر 2010 مسجلاً 99.7 نقطة، مرتفعاً بنحو 21.4%، وهو ما يعكس اتجاه شعور المستهلكين نحو التفاؤل تجاه الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

وشهد مؤشر الثقة في السياسات الاقتصادية السائدة ارتفاعاً بنسبة بلغت 9.2%  خلال شهر فبراير ليسجل 192.6 نقطة، مقارنة بنحو 109.5 نقاط في ديسمبر.

 وأوضح التقرير، أن مؤشر تحسن الحالة المعيشية والاقتصادية للأسرة والمجتمع ككل أعلى قيمة مقارنة بباقي المؤشرات الفرعية مسجلاً 192.6 نقطة، مرتفعا بنسبة 75 % مقارنة بمستواه في ديسمبر الماضي.

 في العصور السابقة خاصة عصري الرئيس الراحل محمد أنور السادات والرئيس السابق حسني مبارك، لم يكن المصريون يهتمون بعلم بلادهم، لم يتعد علاقة الطلاب بعلم بلادهم تحية العلم التي تتم في الطوابير الصباحية في المدارس، قد يهتم باقتنائه البعض، ولكن في العموم لم يكن التوجه باقتناء العلم الوطني موجودا في ثقافة المصريين.

في العصور السابقة كانت الأعلام المصرية يتم إحضارها وتعليقها في الشوارع  قسرا قبيل زيارة مسؤول كبير، فكان المسؤولون بمركز المدينة يزينون المكان والشوارع المؤدية إليه بالأعلام، والزهور والشتلات الزراعية، فيجد المواطن فجأة الأعلام على أعمدة الإنارة، ولكن بعد انتهاء الزيارة تنزع هذه الأعلام، وتزال الشتلات والزهور، ويعود الأمر كما كان عليه قبل الزيارة.

 أما اليوم فالمواطن يقتني العلم، ويرسم ألوانه في الشوارع والميادين بصورة طوعية، وذلك بعد إحساسه بالفخر والاعتزاز والثقة التي كانت نتائج طبيعية  للثورة، بل هي أهم نتائج ثورة 25 يناير.

و"الانتماء" كلمة تتردد كثيرا، وتأخذ دائما المنحى العاطفي الوجداني، فهي في كثير من الأحيان كلمة شاعرية لا علاقة لها بالواقع، رغم أن الانتماء محرك أساسي لعلاقاتنا الاجتماعية، فيأتي معناه في كثير من الأحيان مرادفا للحب والتعصب والتأييد. وهي أيضا توحي بنسبة شيء إلى آخر، كنسبة المضاف والمضاف إليه في اللغة، كنسبة مواطن إلى وطن، أو شاب على ناد كروي، أو شعب لفكرة سياسية. الانتماء نوع من الإيمان والاعتقاد والتأييد والولاء النفسي والاجتماعي.

وأرقى أنوع الانتماء هو الانتماء للأوطان، لأنه أشبه بالحب دون مقابل، خاصة عند الشخصية العربية التي تحفل بالمشاعر والوجدانيات. حتى ولو كانت هذه المشاعر موجهة إلى جماد كمكان أو تذكار، فالعربي يمكن أن يبكي إذا مر ببيت الحبيبة أو شاهد تذكارا لها.

يقول الشاعر العربي: "أمر على الديار ديار ليلى .. أقبل ذا الجدار وذا الجدارا / وما حب الديار شغفن قلبي .. ولكن حب من سكن الديارا".

"الانتماء" عند العربي له مكانة كبيرة، وهو ما لا تجده بهذا الشكل لدى الأمم الأخرى، فالعربي ينتمي إلى قبيلته وعائلته وتاريخه وثقافته، بل إلى تقاليده وأدواته القديمة، والانتماء في حد ذاته فعل محمود، ولكنه ينتقل إلى الجانب السيئ عندما ينحرف عن الموضوعية، ويقع في فخ التعصب.

 الانتماء فعل إيجابي، لأنه يعني الوفاء والحب والتمسك بالروابط النفسية والاجتماعية، ولكنه يفقد أهميته ويصبح مخدرا اجتماعيا ما لم يترجم إلى واقع وعمل، الكثير من الناس ينتمون ـ على سبيل المثال ـ إلى أوطانهم ويتشدقون بحبهم وانتمائهم إليها، ولكنهم لم يفعلوا شيئا من أجل أن ترتقي هذه الأوطان، على العكس يمكن أن نجد أشخاصا يسيئون إلى أوطانهم رغم تشدقهم بانتمائهم إليها.

 الانتماء يعني الحب، والحبيب يرغب في أن تكون محبوبته أجمل وأفضل. لذلك فالانتماء ليس مجرد شعارات حماسية، ولكنه عمل وجهد دؤوب لتجميل الحبيبة أيا كانت هذه الحبيبة ، وطنا أو عملا أو فريقا رياضيا.

  لذلك نأمل ألا يكتفي المصريون بالانتماء، ويستغلوا تزايد الانتماء بعد الثورة، ليبدؤوا في بناء وطنهم، وتجميله.



تاريخ الإضافة: 2014-04-04 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1145
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات