تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



ثورة الأمواج | الأمير كمال فرج


إذا كان محمد البوعزيزي هو مفجر الثورة التونسية، عندما أشعل بجسده النحيل ثورة شعب لم يملك يوما شيئا سوى جسده، فإن خالد سعيد الشاب المصري الذي قتل على أيدي رجال الشرطة بالإسكندرية هو مفجر الثورة المصرية. حيث تسبب قتله في اندلاع ثورة 25 يناير الشعبية التي عمت ربوع البلاد.

وإذا كانت الثورة التونسية قد لقبت بـ "ثورة اللوتس" فإن الثورة المصرية يمكن أن تسمى "ثورة الأمواج" نسبة إلى الإسكندرية مدينة البحر الهادئ الذي أثبت هذه المرة أنه يمكن أن يثور عندما يطفح الكيل، ويزداد الظلم.

في ميدان سعد زغلول بالإسكندرية انتشرت مجموعة من خيام المعتصمين المطالبين باستكمال مطالب الثورة، الصور الدامية المعلقة على الخيام أدمت قلبي عن بعد وأثارت دموعي عن قرب، اللافتات عناوين حزن، وجنازات صامتة لشباب في ربيع العمر، بعضهم مات، والآخر أصيب إصابات متنوعة تتراوح آثارها بين الإعاقة الجزئية والإعاقة الكاملة.

الدخول إلى حديقة المعتصمين يتطلب المرور بتفتيش من شباب الثوار، وتدقيق قد يتكرر عندما تواجه بشاب آخر يطلب الاطلاع على وثائقك، وقد يستدعي الأمر بأحدهم استشارة آخر، لينتهي الأمر بدخولك إلى الساحة. والهدف من هذا التدقيق منع المندسين أو فلول النظام السابق من الدخول أو البلطجية من الدخول، لاحظت أن مسؤولي أمن المخيم من الثوار يحملون أجهزة لاسلكية سوداء اللون، وعندما سألت عن مصدرها قيل لي إنهم اشتروها للتواصل فيما بينهم لتأمين المكان، وإن كانت هذه الأجهزة بحق قد أثارت شكوكي وهواجسي!.

 الدخول إلى مكان الاعتصام أيضا يتطلب أن تعلن عن انتمائك، وعندما علم المعتصمون أنني صحفي، سألوا بإلحاح عن الصحيفة التي أعمل بها فأخبرتهم أنني كاتب وصحفي حر، حيث لاحظت رفضا تاما للصحف القومية، ساعدني في تأكيد ذلك العبارة الموضوعة في كارنيه نقابة الصحفيين الخاص بي والمدون بها أنني صحفي "حر"، وهي العبارة التي توضع في كارنيه المنتسبين، حيث إنني أعمل خارج البلاد.

تمتلئ الساحة بعدة مجموعات إحداها شباب ائتلاف الثورة بالإسكندرية، ومجموعة أخرى للمستقلين، وثالثة لحزب جديد هو "حزب المصريين الأحرار"، تختلف التوجهات السياسية لهذه المجموعات،  ولكنها تتحد في أهداف عامة وهي استكمال متطلبات الثورة بالقصاص والتطهير والعدالة الاجتماعية.

الحركة في المكان هادئة، فهناك قليل من الزوار الذين يحضرون لتأييد المعتصمين أو لمحاورتهم، أو تلبية لحب الاستطلاع، وهناك عدد من الصحفيات ظهرن يمارسن عملهن في استطلاع الآراء. قابلت في نفس المكان مواطنا جاء ليعرض مظلمته، يحمل كماً من الأوراق التي توثق لبعض القضايا التي تعرض فيها ـ كما يقول ـ للتواطؤ والظلم.

     روح خالد سعيد تسيطر على المكان، فلا يمكن للزائر ألا يتذكر خالد سعيد الشاب الذي أشعل موته أول فتيل في الثورة، وهو الشاب الذي قتلته الشرطة، وادعت أنه توفي بسبب قيامه بحشر لفافة بانجو في حلقه عند القبض عليه، ولكن الشهود أثبتوا عكس ذلك، واتضح أن السبب الحقيقي في قتل الشاب خالد قيامه برفع فيديو على الإنترنت يثبت تورط ضباط في تهريب المخدرات.

توالت أمامي الأحداث، عندما تزايد الضغط الشعبي لمحاكمة قتلة خالد، واضطرار السلطات المصرية إلى التحقيق في الواقعة، وتسرب صور الشهيد خالد وكان وجه الشهيد محطماً، وكيف ادعت الصحف القومية "في مسلسل الكذب السياسي والإعلامي وفي نفس واحد" أن الصورة للجثة بعد تعرضها للتشريح، وهو الأمر الذي أثار سخرية الكثيرين.
ليس ذلك فقط ولكن مجاراة للعبة الديموقراطية، وحتى "تشوش" على القضية دفعت أقارب أميني الشرطة للتظاهر، مدعين براءة القاتلين.

وبعد الثورة شاهدت الفيديو الذي قيل إن خالد قتل بسببه، وهو بالفعل يصور بعض رجال الشرطة، وهم يتقاسمون قطعا تشبه المخدرات .. ولا أدري لماذا لم يتم التحقيق في هذه الواقعة وكشف الحقيقة للرأي العام؟.

في ميدان سعد زغلول بالإسكندرية صور الشهداء والمصابين تملأ المكان، أحد المصابين شاب اسمه أسامة المغازي مزقت قنبلة يده اليمنى، فتحولت إلى مجموعة من الشعيرات الدموية المتهتكة، صورة تعجز الفضائيات عن بثها لدمويتها ومن المؤكد أنها ستقوم بإخفاء مقطع اليد المتهتكة التي مزقتها قنبلة يقال إنها تمسك في اليد وتنفجر فتحولها إلى أشلاء.
الصور التي التقطت توثق إصابة المغازي في الثورة عليها عبارة (وربي لن يجف دمي حتى أنال حقي)، وكما ورد بالبوستر الذي أعده زملاؤه أنه كان أول الضحايا في المظاهرات السلمية التي حاولت قوات الأمن أن تقمعها بقوة، ..

 قال لي أحد أصدقاء المغازي إن إصابته جعلته عاجزا يذهب إلى عمله ليوقع ثم يغادر ليأتي في المساء إلى الميدان.
صور منتشرة لشباب صغيري السن سقطوا في المظاهرات فلم تبث منها إلا صور وأحزان ودموع المحبين، ولكن رغم غيابهم فإن في عيونهم لمعة الانتصار، لأنهم ماتوا لكي نعيش نحن، وأضاؤوا بأرواحهم تاريخ أمة. وهناك أيضا صورة لطفلة خرجت لتشتري أغراضا لأمها فأسقطتها يد الغدر والظلم والطغيان.

أفجعتني الصور، وأدركت لأول مرة المنطق القوي الذي يستند إليه المعتصمون، وهو دم الشهداء الذي يجب ألا يضيع هدرا، وأهمية إقرار العدل بالقصاص من القتلة والقناصين والمجرمين الذين وجهوا بنادقهم وقنابلهم لشباب أعزل أراد الحرية.
بعض المعتصمين كانوا مضربين عن الطعام مستلقين في صمت بلا رعاية .. سألت بعض المعتصمين .. هل جاء لكم أحد من المسؤولين ليعرف مطالبكم، قالوا:   لا ..، الدعم الوحيد المتوفر للمعتصمين كما رأيت هو سيارات الإسعاف الصفراء الصغيرة التي تجوب بنشاط منطقة الكورنيش، والتي تأتي ـ بحق ـ  بسرعة فور استدعائها لتنقل أحد المعتصمين الذين أعياهم الإضراب عن الطعام.

شاهدت بنفسي عربة إسعاف تنقل معتصما .. وبعد مرور حوالي ساعة شاهدت عربة أخرى تنقل مريضا آخر، ولكن هذه المرة لم يكن المريض مضربا عن الطعام، ولكنه كان لصا ـ كما قيل لي ـ تسرب إلى خيام المعتصمين ليمارس نشاطه.

لوحات أخرى تجسد شعارات وطنية ومطالب الثوار، وتؤكد أن الشباب مصرّ على الاعتصام حتى تتحقق مطالبهم. منها لوحة تقول (طلاب كلية هندسة الإسكندرية يطالبون بالقصاص من قتلة الشهداء .. اوعى تقول الثورة خلاص لازم حكم وقصاص .. ثورة كاملة يا إما بلاش ..  نصف ثورة ما تنفعناش)، وأخرى تقول (إعادة هيكلة الداخلية والتعليم والزراعة والصحة = مصر الجديدة) ، وثالثة تقول (في جورجيا قامت ثورة وكان لديهم داخلية فاسدة،  فقاموا بفصل 18000 ضابط فاسد، مش هنخترع العجلة،  مش حركة تنقلات) ، ورابعة تقول (شالوا ألضو حطو شاهين .. دي مش حكومة ثورة .. دي حكومة مجانين)، وخامسة تقول (زي ماهيه زي ماهيه الداخلية البلطجية)، و(8 يوليو .. نتعالج نتعلم نشتغل.. حركة شباب من أجل العدالة والحرية)، (مطالب الشعب .. حرية .. تغيير .. عدالة اجتماعية)، و(وحدة وطنية )، و (أنا مسلم أحب إخواني المسيحيين).

في حي كليوباترا الشهير وعلى الكورنيش لافتة مكتوبة باللغتين الهيلوغروفية والعربية تقول (إنها مصر السلام 25 يناير).

لفتت انتباهي خيمة عليها لوحة تقول (تويتر أب أليكس) وتحتها عبارة "وحياتك لا فضل أغير فيكي لحد ما ترضي عليه"، قادني إليها شاب مهذب يحمل على ذراعه شارة "لجنة الدفاع الشعبية"، استقبلني أعضاؤها من الشباب والبنات، ومعظمهم طلبة بكلية الهندسة، وجمعتنا جلسة نقاش حول المجموعة وأهدافها. يهدف هذا التجمع إلى جمع بعض مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" على أهداف رئيسية أهمها المصداقية في الإعلام، وجاءت فكرة المجموعة وفقا لأحد أعضائها بعد أن لاحظوا أن وسائل الإعلام تنقل أخبارا غير صحيحة عن المعتصمين، وضربوا مثلا بشبكة "رصد" على موقع "فيس بوك" التي نشرت خبرا مفاده فض الاعتصام وهو خبر ـ كما قيل لي ـ غير صحيح.

أحد الشباب دخل الخيمة، وقدم لنا ثماراً من التين الشوكي، فخفف عنا وطأة الحر، وما بين السياسة والتين الشوكي استمر النقاش، الذي كان بحق نقاشا وطنيا أمينا، سعدت بهذا الجيل المصري المثقف الواعي الحريص على ثورته، .. أحد الجالسين بجواري وقد جاء زائرا، أشاد بالمعتصمين، وقال لهم "لقد فعلتم ما لم نفعله نحن".

كان مسجد القائد إبراهيم مركز الاحتجاجات الشعبية في الإسكندرية طوال أيام الثورة، اليوم المسجد هادئ تقام فيه الصلوات بانتظام وهدوء، ولكن اللوحات المعلقة في الشوارع المجاورة له تعكس روح الثورة العامة التي مازالت مشتعلة .. ، في حديقة المسجد نصب تذكاري عليه العبارة التالية "النصب التذكاري لشهداء ثورة 25 يناير"، وبجوار المسجد لوحة قماشية كتب عليها: (شهداء ثورة  يناير 2011، خالص العزاء لأهالي الشهداء أبناء مصر الأوفياء)، وفي حديقة المسجد لوحة تقول: (حملة جمع التوقيعات لإسقاط الأحكام العسكرية عن الشيخ وجدي غنيم بعد صلاة الجمعة .. شباب يحب الله والوطن).

في أحد الشوارع المجاورة وعلى أحد الحيطان عبارة تقول: (كلمة حق نحن أبناء الإسكندرية نقول كلمتنا كلمة حق أن الدكتور يوسف الأبيض خبير بحوث التزوير والتزييف وليس طبيبا شرعيا، ولا داعي للمتاجرة بدماء الشهيد خالد سعيد).
وفي المقابل على أحد الحيطان جملة تقول: (الثورة المصرية مستمرة .. ثورة شباب لا ثورة إخوان ولا أحزاب)، (الشعب يريد دستور جديد ولا مساس بالمادة الثانية)، وفي مكتبة الإسكندرية لوحة تقول: (هنا سيقام النصب التذكاري لشهداء ثورة 25 يناير).

بعد جولة قاربت الساعتين انتهى بي المطاف إلى خيمة أعدها المستقلون جمعت تحتها مجموعة من الشباب، وفي جانب آخر جلست مجموعة من النساء، عندما سألت علمت أنها ندوة سيحاضر فيها محامي أسر الشهداء والمصابين، قبل بدء الندوة حدث سجال بين شخص "سلفي" وآخر غير ذلك"، تناوب كل منهما في نقد الآخر، ومن حديث كل منهما اكتشفت أن الصراع بين تيارين هما التيار الإسلامي المتشدد، والتيار الآخر هو التيار الإسلامي المعتدل.

رغم تأكيد أحد الأطراف على الحرص على عدم مصادرة الرأي الآخر، إلا أن الانطباع الذي تولد لدي هو أنه رغم التفاؤل، فإن الديموقراطية درس صعب يحتاج إلى وقت طويل لفهمه واستيعابه.

استبد بي الجوع ، فذهبت إلى محطة الرمل، حصلت على ساندوتشين من مطعم جاد المطل على الميدان، وجلست على مقهى مجاور. وأثناء تناولي كوب الشاي لاحظ الجرسون أنني صحفي من الكاميرا التي أحملها، فبدأت حوارا معه عن الأحوال، وبسرعة انتقل الحديث إلى الأوضاع السياسية. قال لي الشاب البسيط إنه كان يؤيد عمرو موسى، إلا أنه غير رأيه بعد أن قرأ عنه أشياء غير طيبة في إحدى الصحف.

وبغض النظر عما قيل عن عمرو موسى، وبغض النظر عن صحته من عدمها إلا أنني لاحظت أن الإعلام سيكون له دور كبير في توجيه آراء الناخبين في الانتخابات المقبلة، سواء أكان هذا الإعلام صادقا أم كاذبا. وهو أمر قد يقبل في البداية لأننا في سنة أولى ديموقراطية، ولكنه لن يقبل بعد سنوات من الفهم والتوعية والممارسة السياسية.

     في المساء كانت الثورة ورائي، حيث تجمعنا أنا والأسرة في مسرح العرائس بمسرح السلام على الكورنيش لمشاهدة مسرحية "ثورة العرائس"، والغريب أن اسمها جاء موافقا للثورة، فقلت في نفسي "حتى العرائس تثور في مصر".

ولكن كانت ثورة العرائس كما ورد في المسرحية الجميلة التي كتبها الشاعر سمير عبد الباقي قد فشلت، فإن ثورة المصريين لن تفشل، مادام هؤلاء الثوار الذين يمثلون الرقابة الثورية الشعبية موجودين في الميادين مصرين على تحقيق أهداف ثورتهم النبيلة كاملة.
تاريخ الإضافة: 2014-04-04 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1133
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات