تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



أدعياء الشعر | الأمير كمال فرج


الاِدِّعَاء في المعجم المعاصر هو زَعْم، واختلاق، أو انتحال‏ أمر ما يخص شخصًا بعينه، ونسبته إلى آخر، وبهذا المعنى فإن حياتنا الاجتماعية تنطوي على الكثير من المدّعين الذين يزعمون علوما لا يعرفونها وقدرات هم أبعد الناس عنها.

والادعاء ظاهرة عامة، لا ترتبط بمجتمع دون غيره، ففي كل مجتمع يوجد "أبو العرّيف" الذي يعرف كل شيء، وهي شخصية أفرزتها الثقافة الشعبية لرجل يدلو بدلوه في كل شيء فيتحدث في النجارة والإدارة والرضاعة والصحافة والسياسة واللقافة.

والاِدِّعَاء  نقيصة ومثلبة، وهو أحد الجوانب السيئة في الشخصية التي تتكون من خير وشر، علم وجهل، حقيقة وزيف، وهو أحد أدران النفس الإنسانية التي لا يعلم كنهها إلا الله.

والاِدِّعَاء قد يظهر في أي مهنة بغض النظر عن القيمة، فكما يظهر في مهن الياقات البيضاء يظهر أيضا في الرقص، وكما يظهر أيضا في المهن اللإدارية، يمكن أن يظهر في الفنون الإبداعية مثل القصة والشعر والصحافة والكتابة وغيرها، وفي العصور القديمة كان  يوجد الشاعر المطبوع والشاعر المصنوع، ووفقا للأصمعي في كتاب "فحولة الشعراء" يوجد الشاعر الفحل وهو الشاعر الكبير الذي يتفنن في شعره، ويجوّد فيه، وفي المقابل يوجد الشويعر وهو شاعر ضعيف لا يتمتَّع بمكانة سامية في الشِّعر.

والشعر مثله مثل أي فن له قواعد ومقومات استقر عليها منذ قرون، ومن الأهمية بمكان التزام الشاعر بقواعده، كثير من الناس يتصدرون المجالس تحت اسم شعراء، وهم في الحقيقة لا يجيدون القراءة والكتابة، كثير من الناس يكتبون عبارات وجدانية بسيطة كتلك التي تكتب في الرسائل الغرامية، ويدعون ـ بثقة عجيبة ـ أنها شعر.

والإدعاء في الشعر قديم، يشير الحطيئة (600 هـ:  678 هـ) إلى خطورة أن يكتب الشعر من لا يعلم قواعده وأسراره، يقول:

"فَالشِعرُ صَعبٌ وَطَويلٌ سُلَّمُه
إِذا اِرتَقى فيهِ الَّذي لا يَعلَمُه
زَلَّت بِهِ إِلى الحَضيضِ قَدَمُه
وَالشِعرُ لا يَسطَيعُهُ مَن يَظلِمُه
يُريدُ أَن يُعرِبَهُ فَيُعجِمُه
وَلَم يَزَل مِن هَيثُ يَأتي يَحرُسُه
مَن يَسِمِ الأَعداءَ يَبقَ ميسَمُه".

لاشك أن من الواجب مساعدة الراغبين في الكتابة بالتشجيع والتوجيه، إلا أن بعض المدّعين يفتقد الموهبة من ناحية، ويفتقد أي أمل في التعلم من ناحية أخرى، وهنا مكمن المشكلة.

يقول الشاعر مطلق عبدالخالق واصفا هذه الفئة من مدعيين الشعر:

"يا مدعي الشعر زوراً
وانت شر سفيهِ
الشعرُ فيك مصاب
بصحبه وذويه
لو عادك الشعر يوماً
بقلبه أو بفيه
لكنت أنفض منه
يدي وأبكي بنيه"

ولكن المشكلة لا تنتهي عند ذلك، فالأدعياء لا يكتفون، يقتحمون الساحات، ويفرضون أنفسهم في الندوات والأمسيات، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، وساعد على ذلك التراخي في بعض وسائل النشر والإعلام، وعدم قدرتها على التفرقة بين المبدع الحقيقي والمزيف.

وقد عبر الشاعر حسن كنعان عن هذه الفئة من المدعين الذين يروجون لأشعارهم الهزيلة الركيكة الخالية من الموهبة، عندما قال :

"يا ويح من  بعثروا في الساحِ أحرفهم
ويزعمون  هزيلَ  القولِ أشعارا
وحولهم  ( شلّةٌ) خفّت   لنصرتهم
يصفّقون  وكأسُ  العُجْبِ  قد دارا
وكلِّ  نصٍّ   عقيمٍ  يحفِلون  به
ويُعْمِلون لهُ  دُفّاً  ومزمارا
وأيُّ  شعرٍ  بلا  وزنٍ وقافيةٍ
بهِ  العليمُ  بقولِ الشّعرِ قد حارا
كأنَما  بعضُ  ألفاظٍ  مُنمّقةٍ
يظنُّها القائلُ المغرورُ  أسرارا
هيَا  بنا  فلْنٰقم للشعرِ    رايتَهُ
ولا  نزيدُ دُعاةَ الشّعر أعذارا
الشّعر في العُربِ ميراثٌ يُهدّدُهُ
من  ليس من  أهلهِ  عِلماً ومقدارا".

وتتفاقم المشكلة عندما يجد هؤلاء بعض الجهلاء الذين يحتفون بهم ويقابلون هزيانهم الشعري بعبارات الاستحسان، فيستوي المبدع بالمبتدع، الأصل والصورة، العالم والجاهل، وهذا ما عبر عنه الشاعر النبطي سعيد بن شلبود الشكري عندما قال:

"كم من شويعر صار فيها قامه
وكم قامةٍ يا للأسف مغموره
ويا ساحة الشعار جيتك غازي
شاعر من العويا وله جمهوره
مليت أشوفبك الوجوه أنفسها
صرتي لقله دوننا محصوره
شاعر يبخشش هافيين القيمه
يعني الجماعه كلها مأجوره
وشاعر شعره الوصخ مثل اهدافه
أقصى طموحه... يطلع بهامووره
خمسة قصايد بس معنى واحد
ويعيدها كلما يحين ظهوره
تركيب لا يسمن ولا هو يغني
مثل البيوت الخاويه المهجوره
لا بد من إصلاح في هيكلتك
يا الساحه ومنتي أبد معذوره"

والشاعر قد يملك مقومات الشعر، ولكنه لا يدري مجاهله ومكامن الإبداع فيه، فيقع في اللغو، وهو ما عبر عنه  "أبو إسحق الصابي" (925م:  994م) الذي ركز على أهمية المعنى والإيجاز في الشعر، وحذر من الإطالة التي تدفع الشاعر إلى اللغو؛ عندما قال:

"رب شعر أطاله طول معناه
وإن قل لفظه حين يروى
وطويل فيه الكلام كثير
فإذا ما استعدته كان لغوا".

والإدعاء يقل في عصور الازدهار الأدبي حيث يوجد النقد مقابل الابداع، ويكثر في عصور الجهل والمحاباة والمحسوبية، ولهذا بالطبع تأثيره السييء على الجميع.

والإدعاء قد يكون دافعه البحث عن الشهرة والوجاهة، أو الوظيفة، أو المال، وفي حالات كثيرة يكون المدّعي نفسه يؤمن إيمانا كاملا بموهبته، ولا يمكن لأي رأي أن يزحزحه عن هذا اليقين.

ولاشك أن المدّعي هو الخاسر في النهاية، لأنه يحرث في البحر، ويركض خلف السراب، ولو انتقل إلى مجال آخر لنجح، وأدرك أن "كل ميسر لما خلق له". والمدعي في الأساس ضحية، ولو وجد النقد الأمين الذي وجهه الفراهيدي إلى الأصمعي عندما اكتشف أنه بليد في العروض، لبحث داخل نفسه، وربما تميز في مجال آخر يتقنه.

يروى أن رجلا ـ قيل أنه الأصمعي ـ  كان يتردد على الخليل بن أحمد الفراهيدي ليأخذ عنه علم العروض، فأقام الرجل مدة يسمع ولا يعلق في ذهنه شيء لضعف استيعابه، فملّه الخليل وأراد أن يصرفه من غير أن ينال من كرامته، فطلب إليه أن يقطع بيت عمرو بن معديكرب:

"إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع"

فأخذ الرجل في تقطيعه بقدر طاقته ومعرفته ثم انصرف ولم يعد قط، فعجب الخليل من فطنته في إدراك قصده مع ما هو عليه من ضعف في تحصيل العروض.

الإدِّعاء مشكلة شائكة، ذات جذور ثقافية ومجتمعية ونفسية، وهي آفة تنشر الجهل، فيضرب العفن الثمار اليانعة، وهو ما يستلزم منا موقفا جماعيا، وهو ما عبر عنه حسن كنعان عندما قال:

"فأدركوا الشعرَ  يا أهلَ القريض ولا
تُغضوا العيونَ وتولوا الشّعرَ ثرثارا
الشَعرُ  موهبةٌ  والعلمُ  يصقُلها
إذا   تسامت جرتْ في الروضِ أنهارا
إنْ  لم تهُبّوا تلاشى  مجدُ إرثكمُ
ولن   ترَوْا بعدها  للشعرِ آثارا"

تاريخ الإضافة: 2023-07-04 تعليق: 0 عدد المشاهدات :865
5      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات