تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



صراع القروش | الأمير كمال فرج


في كثير من الأحيان عندما يذهب المرء ليشتري سلعة معينة، يسأل البائع عن ثمنها، فيخبره البائع بالسعر، فيدفع بطريقة آلية له ما يريد، ويأخذ البضاعة ويذهب بسرعة، وبعد قليل يفكر، ويشعر أنه تعرض لخديعة ، وفي أحيان أخرى متقدمة يشعر أنه تعرض للنصب ، وفي أحيان أكثر تقدما يشعر أنه صفع على قفاه ..

هذا الموقف يحدث كثيرا، والسبب عدم وجود آلية معينة ومحددة تحدد الأسعار، فالسعر في كثير من الأحيان، بل في الغالب يحدده البائع بنفسه تبعا لشطارته وفهلوته، والخاسر بالطبع هو المشتري المسكين الذي يجهل سعر السلعة، في ظل غياب هيئات رقابية عدة من اختصاصها التيقن من صحة الأسعار وعدالتها، وعدم استغلال المستهلك.

 نقطة أخرى وهي الأهم، وهي أن التجار لا يعرفون كيف يحددون هامش الربح، فالكل يضع سعره كما يريد بالبركة كما يقولون، ودون أي اعتبار، ومنهم أميون لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، وفي أوقات معينة يرفع التجار السعر أيضا دون أي اعتبار، ويشمل ذلك الجميع بدءا من بائع الدجاج المشوى وانتهاء بالعقار.

 هذا بخلاف الممارسات التجارية السيئة، ومنها حفظ السلعة لفترة بما يسمى بلغة التجار "تعطيش السوق" ثم إظهارها بسعر أعلى لتحقيق عوائد أكبر، أو مايسمى "تسقيع السلعة" ويكثر ذلك في الأراضى، عندما يشترى الشخص قطعة أرض مثلا ، ويحفظها دون بيع لسنوات حتى يرتفع أسعار الأراضي، ثم يبيعها فيحقق ثروة، ولا أدري هل هي حالات يختص بها السوق المصري؟، أم أنها حالات عامة تشمل الدول العربية.

الذي أعلمه وألمسه بنفسي أن السوق المصري له قوانينه الخاصة، ففي الوقت الذي تنخفض فيه أسعار العقارات في كل بقاع الدنيا، يرتفع السعر في مصر، ولا أدري لماذا؟ ، ليس ذلك فقط، ولكنك في مصر وحدها يمكنك أن تشتري شقة في عمارة بـ 300 ألف جنيه مصري، ويأتي غيرك في نفس التوقيت ليشتري شقة أخرى مماثلة في نفس العمارة بـ 500 ألف جنيه مصري، ولا أدري السبب، الأمر يتوقف على الشطارة والفهلوة، دون وجود أدني معايير تحدد الأسعار.

 والنتيجة المؤسفة لذلك هي الضغوط الهائلة التي تمارس على المستهلك الصغير، وارتفاع نسبة التضخم ، وانخفاض قيمة العملة، ولعل هذا السبب الرئيسي في أن الرواتب في مصر تتآكل تحت ضغط غلاء الأسعار، فماذا يفعل الراتب الثابت مهما كان حجمه أمام الارتفاع الجنوني الجزافي في الأسعار. حتى لو تحرك الراتب وتحسن، لا يمكنه مجاراة سرعة حركة الأسعار، الأمر يشبه سباقا بين سلحفاة والكنغر.

 الطريف أن التاجر الجشع الذي يزيد الأسعار سيكون هو الآخر ضحية، على غرار مقولة "طباخ السم يتذوقه" ، وباعتبار أن التاجر نفسه مستهلك في الأساس، سيزيد الآخرون من أسعار منتجاتهم، فيتسع حريق الأسعار الذي أوقده ليحرق ثوبه هو الآخر، ليتحول المجتمع في النهاية إلى بحر متلاطم الأمواج .. السمك الكبير فيه يأكل الصغير، وهذا السمك الكبير يأتيه سمك أكبر منه ليأكله هو نفسه، وحتى يكون الوصف أكثر دقه يمكن أن نسمي ما يحدث بـ "صراع القروش"، ولكن بالطبع لا يقارن حجم الضرر على تاجر جشع بكرش كبيرة ملأى بأموال الناس، مع مستهلك محدود الدخل الكل يقضم من لحمه وعظامه.

 الأمن الغذائي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، بل هو أشد أهمية، لأن الاعتداء العسكري غالبا ما يكون من خارج الوطن من أعداء لهم أهداف مختلفة، أما اختراق الأمن الغذائي فيتم من الداخل بواسطة طابور خامس طويل ممتد من التجار الجشعين، وهم أشد خطرا على الغزو الخارجي.

والجاني في كل ذلك ليس التاجر الجشع الذي يريد أن يثرى على حساب الشعب، ولكنها الدولة التي من صميم واجباتها التأكد من عدالة الأسعار، ومحاربة التجار الجشعين، وإيقاف المتجاوزين منهم.

 الأمر لا يتطلب فقط النشاط الكلاسيكي الروتيني الذي يطالب به الجميع، وهو الرقابة على الأسعار، ولكن الأمر يتطلب وضع معايير محددة للربح ، وتحديد الأسعار ، والمراقبة المستمرة على الأسواق، وتغيير نظام العقوبات وتشديد عقوبة الغش في الأسعار، والضرب ـ كما تقول التعبير المأثور ـ بيد من حديد على كل تاجر جشع من مصاصي الدماء.
 بالطبع أنا هنا لا أتحدث عن الجشع، لأنه سيكون موجودا في كل مكان، نظرا لطبيعة النفس البشرية التي تتكون من خير وشر، كما أن ذلك مواجهته مقيدة بإرادة ومسؤولية الدولة. ولكن الذي أود أن أتحدث عنه هنا هو تحديد الربح ، كيفيته وقواعده وآدابه ، وأنا ازعم أن الكثيرين لا يعرفون شيئا عن ذلك، إذا لم تصدق اسأل صاحب أي بقالة أو شركة، كيف تحدد ربحك،؟، ستكتشف أن الأمر يتم بعشوائية إما نتيجة للجهل، أو نتيجة للاستغلال والجشع.

لم يحدد الإسلام نسبا معينة للربح، نظرا لاختلاف السلع، واختلاف الأمر من بلد لآخر، ولكنه وضع توجيهات عدة حول البيع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" رواه البخاري، كما قال في حديث آخر " التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصدِّيقين والشهداء " رواه الترمذى وحسنه.
 وعدم وجود نص أو دليل يحدد نسبة الربح لا يمنع علمائنا من الاجتهاد، والبحث ـ في كل عصر، وكل بلد عن الصيغة الفقهية لوضع معدل للربح يتفق مع الشريعة الإسلامية، ومع الوضع العام لأهل البلد، والظروف الاقتصادية المعاصرة كنسبة التضخم، وسعر السلعة وتكلفة إنتاجها أو استيرادها. وعلى الدولة أو الحكومة أو ولي الأمر تنفيذ ما وصل اليه العلماء والعمل على الالتزام به.

 الإسلام لم يحدد في فقه التعاملات نسبة الربح، فقد وضع القواعد والثوابت ، ولكنه ترك لنا مساحة كبيرة للاجتهاد والاتفاق على القواعد اللازمة لتسيير المجتمع بعدل وشفافية وبما لا يختلف مع صحيح الدين. فالاسلام لم يحدد الموقف من تحديد جنس الجنين والاستنساخ والسفر للفضاء وأطفال الأنابيب.. ولكن الحكومات هي التي حددت ذلك في ضوء ما أملته الشريعة من قواعد عامة، والقاعدة الفقهية تقول أن الأصل في الأشياء الإباحة مالم يرد نص بالتحريم.

 يستند رافضو تحديد الربح لحديث شريف عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال الناس يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا يا رسول الله ، فقال : إن الله هو المسعر القابض الرازق الباسط وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال . رواه الترمذي وابن ماجة.

ولكن بعض الفقهاء رأوا أن الربح الجائز ينبغي أن لايتجاوز ثلث ثمن السلعة المباعة، وإلا أصبح فاحشاً منهياً عنه، وبالنظر إلى أن الدولة بما تملك من سلطة ومسؤولية تقوم في العادة بوضع القواعد المجتمعية والأنظمة الخاصة بكافة شؤون الدولة كأنظمة القضاء والدفاع والتجارة والصناعة والاستيراد والتصدير، والسجلات المدنية، وغيرها من الأمور، فليس بالضرورة وجود نص يبيح للدولة أن تقر نظاما معينا، من هنا فإن على العلماء البحث عن صيغة مناسبة يتم بموجبها تحديد معايير الربح لكل سلعة، وعدم ترك ذلك للضمائر التي لا يمكن التحكم بها.

 تحديد نسبة الربح من العوامل الضرورية لاستقرار الأسعار، وتوفير الأمن الغذائي وحماية السلم الاجتماعي.



تاريخ الإضافة: 2014-04-16 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1138
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات