أنتمي لعائلة "الجرباني" فاسمي بالكامل هو "الأمير كمال محمد محمد فرج الجرباني"، ولكني للأسف لا أعرف الكثير عن "الجرابنة".
لذلك بدأت منذ 20 عاما في تقصي حكاية الجرابنة، في أحد الأيام وجدت إعلانا بصحيفة "عكاظ" لأحد الأشخاص لقبه "الجرباني" يعلن عن شيء ما، فاحتفظت بقصاصة الصحيفة للتقصي عن صاحب الإعلان فيما بعد، ولكن القصاصة فقدت، وإن كانت قد أفادتني بمعلومة صغيرة جدا، وهي أن الجرابنة موجودون في السعودية.
في اليمن كان مراسل صحيفة "الشرق الأوسط" اسمه حسين الجرباني، فخاطبت رئيس تحرير مجلة "بلقيس" الصحفي اليمني أمين الوصابي رحمه الله عن طريق ابنه محمد مستفسرا عن "الجرابنة في اليمن" فكتب لي رسالة لازلت أحتفظ بها حتى الآن "الجرابنة يسكنون في وادي خصيب في اليمن ".
وفي كتاب لأحد قضاة منطقة القصيم بالسعودية قرأت عن "آل جربا" ولا أدري هل هم "الجرابنة" أم تشابه أسماء، المهم وجدت معلومة تقول أن "آل جربا فخذ من فخوذ قبيلة شمر العربية، وأن قبيلة شمر ينتمي لها حاتم الطائي الشخصية التاريخية الشهيرة المعروفة بالكرم".
في مصر "الجرابنة" يعيشون في بعض المدن، منها محافظة الغربية وتحديدا كفور بلشاي، وخرج منها الفرع الذي أنتمي إليه، والأسكندرية، و"أبيس" وهي مدينة على مشارف الأسكندرية، وبعض الجرابنة هاجروا إلى أوروبا كمحمد الجرباني "الدنمارك"، و"أسامة الجرباني "إيطاليا"، وعن طريق الزيجات وصل العرق الجرباني إلى أوروبا والدول الإسكندنافية ، فأصبح لدينا جرابنة نرويجيين وأوربيين.
منذ سنوات قام ابن عم لنا اسمه "حمدان" ـ رحمه الله ـ بمبادرة للتواصل مع أفراد العائلة الذين يسكنون مناطق بعيدة، وقد أثمر هذا التواصل عن توطيد العلاقة بين "جرابنة كفر الزيات"، و"جرابنة أبيس"، وأذكر أنني زرت مع "حمدان" بعض الأقارب هناك لأول مرة، وفوجئت ـ كما يحدث في الأفلام القديمة ـ بوجود أبناء عمومة هناك، وهكذا أصبح بيننا وبينهم زيارات، وزيجات، حتى أن الأمر وصل إلى خروج وفود تحكيم من هنا لتحل خلافات اجتماعية هناك.
ومع انتشار "فيسبوك . فوجئت أن "الجرابنة" في كل مكان، في مصر، والسعودية، واليمن، وإن كانوا يتواجدون بكثرة في اليمن، وتشير المعلومات الأولية أنها عائلة من الطبقة المتوسطة التي بنت نفسها وعلمت ابنائها بالكفاح والعصامية، وبدون شعور وجدتني أضم لصداقتي كل من يحمل لقلب "جرباني"، وأصبحت تردني طلبات صداقة من جرابنة منتشرين في كل مكان.
القبلية بمفهومها التقليدي ظاهرة غير موجودة في مصر، بل قل نادرة، حتى مفهوم العائلات المعروف قليل ، ولذلك بالطبع مزايا وعيوب ، المزايا هي إبراز قيمة الفرد التي تتحدد بناء على علمه وثقافته وكده وتعبه، وهو معيار موضوعي للتقييم، ولكن من المساويء تقطع أواصر القرابة وصلة الرحم، بين الأسر والعائلات، فقد يكون في المنزل الذي جوارك ابن عم لك، أو ابن عم لوالدك ولا تعرفه.
ومن الأسباب التي أدت إلى ذلك ثورة 23 يولية 1952 ، والتي قام بها ـ نظريا ـ الفلاحون ضد الإقطاعيين، والتي ناهضت مفهوم العائلات والباشوات والإقطاعيين، وكذلك الإنفتاح الذي حول المجتمع الريفي الذي يعرف فيه الواحد أهالي القرية واحدا واحدا إلى مجتمع أقرب إلى المدينة الذي يتكون من عمارات أسمنتية مرتفعة لا يعرف فيها الساكن جاره، وأيضا التزام الأحوال المدنية بالاسم الرباعي، وهو ما جعل الكثيرين ـ ومنهم أنا ـ يهتمون بالإسم الرباعي وإهمال ما عداه، والذي يتضمن عادة لقب العائلة، وتدهور الحال حتى أصبح البعض يتعمد إخفاء اسم عائلته.
الإنسان يسعى لإنشاء جمعيات أدبية وثقافية، وسياسية، ورياضية، ويبذل الجهد لتوثيق ظواهر أدبية واجتماعية وسياسية، وإعداد الموسوعات، وينسى أن يوثق تاريخ عائلته هو.
توثيق الإنسان لتاريخ عائلته ليس هدفه الفخر أو التيه أو العصبية التي شوهت معنى القبيلة، ولكنه وسيلة للتعارف، والتزاور، والتكافل الاجتماعي، وصلة الرحم بين الإنسان وأقربائه، وأيضا التنمية، لأن تنمية العائلة خطوة أولى لتنمية المجتمع.
وأضرب المثل هنا بصديقي الشاعر محمود الجزيري الذي يحتفظ في منزله بما يسمى "النسب" وهو لفة كبيرة من الجلد مدون عليها تاريخ عائلته من الآن وحتى عهد النبوة، والكاتب الزميل عصام أبو شادي الذي يخصص وقتا لرصد أخبار عائلته في جميع المحافظات ، ونشر إنجازات أفرادها في المجالات المختلفة، حتى أنهم يعقدون لقاء سنويا للعائلة الكبيرة مترامية الأطراف.
من هنا كان دافع البحث عن "الجرابنة"، ورغم أن المعلومات التي جمعتها لازالت شحيحة، إلا انني أطمح في أن يأتي يوم لأعد فيه نواه لشجرة العائلة، التي يمكن للأجيال الجديدة تنقيحها والزيادة عليها، وكتابة "تاريخ الجرابنة" .
وسواء صدقت بالفعل معلومة انتماء أجدادي إلى حاتم الطائي أشهر من عرف بالكرم، أو الحطيئة زعيم البخلاء العرب، سأفخر دائما بانتمائي لهذه العائلة التي تؤكد كل المؤشرات أنها عرفت بالكفاح والعصامية.