أعشق الترجمة، هي عندي مزاج وهواية، وخلافا لكل المترجمين الذين تعلموا اللغة أولا ثم مارسوا الترجمة، مارست الترجمة أولا، ثم تعلمت اللغة، كيف ..؟، هذا سر المهنة.
الترجمة عندي ليست تحويل المعنى من لغة إلى أخرى، ولكن تحويل حضارة إلى أخرى ، الترجمة عملية نقل ضخمة لتجربة إنسان ومجتمع إلى إنسان ومجتمع آخر ، والتجربة الإنسانية أغلى من الأموال والعقارات والذهب والفضة.
الترجمة باب للنور، والوعي، والحضارة، والتسامح، والرقي، والمعرفة، والمتعة، والتثقيف، والتنوير، والتثوير، والحرية، وترجمة نص ـ في الحقيقة ـ كشف إنساني لا يقل عن اكتشاف قارة، أو كوكب صالح للحياة، أو نظرية ستفيد البشرية .
أترجم التقارير الصحفية ، من صحف أجنبية، وأنشرها في موقعي الخاص، تحت اسم "ترجمة أ ك ف" ليجد قارئي وجبته المفضلة كل صباح، وفي كل مرة أشعر أني مستكشف ، وباحث آثار، .. أرفع المصباح وأدخل مغارة علي بابا المليئة بالكنوز والدنانير، والمرجان، والياقوت، أتعلم وأقدم للقاريء العربي معلومات جديدة، واكتشافات مذهلة.
وأهم عنصر في الترجمة هو الاختيار، فلا جدوى من ترجمة موضوع ضعيف فقير من حيث التجربة، الاختيار الخطوة الأهم لتقديم ترجمة ناجحة، العرب يترجمون من 1000 عام ، ولكن لم يفلح أحد، لأن المشكلة في الاختيار.
أضع النص أمامي ، وأترجم كلمة كلمة ، وإذا استعصى علي لفظ أبحث، وأسأل زوجتي وأولادي، وأستعين بمانشرته المواقع العالمية عن الحدث من أخبار ومقاطع فيديو لأوثق المعلومة،، وساعدتني خبرتي الطويلة في الصياغة الصحفية في ذلك ، فأنا أترجم الموضوع وأصوغه في وقت واحد، والصياغة فن لا يملكه معظم المترجمين، وهو ما يساعد في تقديم النص بوضوح وجاذبية .
الحقيقة الأولى التي إكتشفتها من الترجمة صادمة ومرعبة، وهي أن العالم العربي ـ بلا مؤاخذة ـ متخلف ـ، نعم متخلف، وإذا كانت هذه المعلومة قديمة لدى البعض استنادا إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية، يمكننا القول هذه المرة أن التخلف العربي مرعب وخطير .
التخلف العربي ليس فقط في المجال الاقتصادي كما نظن، ولكن في مجالات كثيرة ، في الثقافة، والتقنية، والابتكارات، والصحة، والطب، والعلوم، والصحافة، والفكر الإنساني، والحرية.
ترجمة تقرير صحفي واحد تبين الفارق الكبير بين العقل العربي والغربي، بيننا وبين الغرب ملايين من السنين الضوئية على مستوى التفكير، والاهتمامات، والخلق، والابداع، والحرية .
قد يغضب البعض، ولكنها الحقيقة ، ليست الحكاية انبهار وصدمة حضارية ، ولكن بالفعل الفرق شاسع بين الفكر العربي المحدود والقاصر، الخالي من النبض والإبداع، والتفكير الغربي الخلاق، .. التفكير في العالم العربي فعل ممنوع، أما في الغرب فالتفكير فعل جمعي، والبحث والخلق والتطوير سمات أساسية في الصحافة والكتابة والنقد والعلوم والتقنية والعمل العام.
معظم التقارير الصحفية التي ترجمتها عن الإنجليزية تنطق بقدرة الانسان هناك على البحث والتفكير والتجربة والمقارنة والإحصاء، واستخلاص النتائج ، وهي سمات ليست مقتصرة على النخبة من العلماء والأدباء والمفكرين ، ولكنها سمات عامة يشترك فيها الجميع.
مقارنة بسيطة وسريعة للصحافة العربية والأجنبية ، ستكتشف الفرق، فالصحفي عندنا مراسل يجمع المعلومات ، أما الصحفي هناك فهو باحث ومفكر ومبدع ومكتشف.
إذا أردت التأكد طالع التقارير الصحفية التي أترجمها والتي أنشرها تباعا في موقعي الشخصي www.alamirkamalfarag.com ، عندها ستكتشف الفرق، وستفاجأ ـ كما فوجئت ـ بأن التخلف العربي خطير ومرعب.
تاريخ الإضافة: 2017-06-20تعليق: 0عدد المشاهدات :1630