"عيله تايهة تايهة ياولاد الحلال.. ببلوزة نايلون على جيبة ترجال".. الحلوة خوخة جت بعد دوخة، واللي يلاقيها يخطرنا في الحال".
هذه أغنية للمطرب الشعبي أحمد عدوية الذي يعتبر عمدة الأغنية الشعبية في مصر، ويمكن القول أن أغانيه آخر عهد للأغنية الشعبية المنظمة التي لها قواعد وأصول، بعد ذلك دخلنا عصر الأغنية الشعبية العشوائية، وهي أغنية الشوارع والزحام والميكروباصات والأفراح الشعبية، والتي تعتمد على الزعيق والتلوث السمعي والإيقاعات الراقصة.
تميزت أغنية عدوية بتميز الصورة الشعرية، وهي جوهر الشعر سواء كان فصحى أو عامية، وأخذت هذه الصورة مفرداتها من الشارع والحارة والطبقة الشعبية التي تركض وراء لقمة العيش، والمحصورة في الزحام، والمحشورة بين ضيق الواقع وأفق الأمنيات .
يقول عدوية : "زحمة يادنيا زحمة، زحمة ولاعدش رحمة، مولد وصاحبه غايب ، آجي من هنا زحمة، أروح هنا زحمة، هنا أو هنا زحمة ، زحمة يادنيا زحمة ".
وخلال أغاني كثيرة تعبر عن الشوق والانكسار أمام سطوة ودلال المحبوبة، يثور ويتمرد معترضا على التجاهل، متفاخرا بسماته الشخصية، وهو التفاخر الذي يصل في بعض الأحيان إلى الطرافة، عندما يقول :
"كله على كله لما تشوفه قوله، هوه فاكرنا إيه ، مش ماليين عنيه، روح قوله حصل إيه، كله على كله، بره ، قوله بره مين، دحنا معلمين، لو الباب يخبط .. نعرف بره مين ".
ويركز عدوية على التميمة التي تحرك مشاعر الناس ، وهي مشاعر الطبقة المسحوقة فيعبر بحس جمعي عن مشاعر اللوعة والفقد لغياب الأحبة، أو ضيق الحال أمام الأحلام الكبيرة، وهو معنى طرحه المطربون عشرات المرات، ولكن عدوية يقدمه هنا من خلال الموال "راحوا الحبايب بقالهم عام والتاني، .. واخدين على البعد ولا راجعين تاني؟ .. راحوا الحبايب ، ليه ياحبايب حلى زادي ومررتوه"..
وإذا كان البكاء على الأطلال المدخل التقليدي للشاعر الجاهلي ، فالموال المدخل التقليدي للشاعر الشعبي، لذلك يدخل بعد ذلك عدوية في الغرض الأساسي من الموال وهو "الغزل" قائلا "يابنت السلطان، حلمك على الغلبان ، الميه في إديكي .. وعدوية عطشان، على كوبري عباس، ماشية وماشية الناس، ماشية تبص عليكي، يا فروتة وأناناس".
وهذه التيمة التي تعبر عن إنكسار العاشق وضعفه أمام متطلبات الحياة أو العشق هي نفسها التي أبرزت أغنية علي حميدة "لولاكي "، وجعلتها على كل لسان في إحدى الفترات، وهي أيضا من أبرزت أغنية محمد هنيدي ومحمد فؤاد "كمننا"، وكذلك أغنية "مافيش صاحب بيتصاحب" التي قدمها عدد من الشباب.
ويستمر الفنان في التعبير عن الضعف الإنساني وفقر الحال في أغنية يمكن أن تكون عاطفية وسياسية أيضا، ينطبق عليه المثل "العين بصيرة والإيد قصيرة"، ويقول "البدر ساكن فوق، وانا اللي ساكن تحت ، بصيت لفوق بشوق، مال قلبي وانجرحت ، يا أهل الله ياللي فوق ، ما تطلوا على تحت، ولا خلاص اللي فوق، مش داري باللي تحت، .. حبة فوق، .. حبة تحت".
ويبرز عدوية جماليات البيئة الشعبية المصرية التي كانت تميز حارة الستينات، عندما يقول : "شباكها بالستاير، ومزيناه عنابية، بيفكرني بحكاية، حكاية قلب حب، والشوق حاكم عليه، بنظرة عيني يحب ولاحد يحس بيه".
ويعبر الفنان الشعبي عن حيرة العاشق أمام مراوغات الحبيبة في أغنية "السلاملك" التي يقول فيها : " رحنا السلاملك قالوا .. قالوا في الحرملك ، لا في السلاملك رحتي، ولا في الحرملكياختي .. تحتاري حيرتي انشاالله ، وتدوخي دوختي".
ويصل المطرب إلى أعلى درجات التجلي الشعبي، ويقدم الأغنية التي أثارت جدلا في الأوساط الثقافية، وهي "السح الدح أمبو" والتي هاجمها مثقفون وأشاد بها أيضا مثقفون، ويقول فيها : "عم يا صاحب الجمال ، ارحمني دنا ليلي طال، شوفلي جمال على قد الحال، يعوض صبري اللي طال. عم ياصاحب الجمال الجمال، السح الدح إمبو .. إدي الواد لأبوه ، ياعيني الواد بيعيط ، شيل الواد من الأرض، الواد عطشان اسقوه، الواد لسه في اللفة ، وعامله زيطة وزفة".
مفردات الأغنية عند عدوية توثق ليس فقط للوضع الاجتماعي الذي كان على "قد الحال"، ولكنه يتسم بالجمال والطيبة والجدعنة، ولكن للأمكنة، مثل "على كوبري عباس ماشيه وماشيه الناس"، و"أأمرى وأنا أجيلك ماشي لمصر الجديدة"، و"السلاملك"و"الحرملك"، والأزياء ، مثل "بلوزة نايلون"، وجيبة ترجال"، شباكها بالستاير" التي تشير إلى نوعية الأقمشة التي كانت رائجة في هذا العصر، كما تشير "مزيناه عنباية" ، و"فروتة" و"أناناس" إلى النباتات والفواكه المفضلة في الثقافة الشعبية، والأسماء التي ظهرت في "سلامتها أم حسن"، والعادات الشعبية مثلالتوجس من الحسد، وحرق الشبه والفسوخة، والبخور، والزار، وتدليل الطفل،والمناداة على الطفل التائه، وشبه البنت لأمها، في : "حرقت شبه وفسوخة"، و"عملولها الزار لطشها"، و"من العين ومن الحسد"، و"السح الدح أمبو"، "عيله تايههياولاد الحلال"، و"اكفي القدرة على أمها تطلع البنت لأمها"، والحس العروبي الجميل في "محسوبك عدوية بيحب إسكندرية ومصر دي بلديوالدول العربية".
سيظل أحمد عدوية علامة في تاريخ الغناء الشعبي، ومهما كانت مبررات الهجوم عليه، لا يمكن أن ننكر أن أغنيته عبرت بصدق عن الروح الشعبية المصرية الضاحكة الباكية بشكل لما يحدث من قبل.
تاريخ الإضافة: 2017-08-24تعليق: 0عدد المشاهدات :1916