أي إعلام يعبر عن الواقع، ولكن الإعلام المصري لا، فهو لا يعكس، لا شكل هذا الواقع وشخوصه من ناحية، ولا قضاياه من ناحية أخرى.
إذا أردت الصراحة هو يعبر عن شريحة صغيرة من الناس وهم الأثرياء والفنانون والمطربون والسياسيون ورجال وسيدات المجتمع، بينما الشريحة الأكبر والتي يمثلها الفقراء والطبقة المتوسطة لا ، هناك إصرار على أن يقدم هذا الإعلام شكلا معينا جميلا نظيفا ومرتبا ومهندما، وفضاء مليئا بالبالونات، بينما الواقع يسيطر عليه الغبار.
حتى عندما عبر الإعلام عن الطبقة الفقيرة في الدراما، أظهر الفلاحين والصعايدة ككائنات غريبة مسلية، منزوعة الواقع، باختصار استغل هذه الفئة، كالبواب الأسمر الذي يضيف إلى شكل المجتمع البرجوازي في سرايا الإقطاعي الكبير.
وللأسف هذه السلبية موجودة في الفضائيات العربية التي تعكس صورا غير موجودة في المجتمعات العربية، من هنا كان الانفصال بين المواطن العربي وإعلامه، وهذا ما يدفعنا للبحث عن المعلومة في إعلام الغرب وقنواته الفضائية.
الغريب أن صناع هذا الإعلام من مذيعين ومخرجين وإعلاميين ينتمون إلى الشريحة الأكبر المنسية، فهم أبناء وأحفاد العمال والفلاحين، معظمهم يعمل في ماسبيرو والفضائيات العربية الخاصة، وفي نهاية الأسبوع يسافر كل منهم إلى "البلد" .. قريته التي نشأ بها وترعرع .
لو عبر التلفزيون المصري مثلا عن الواقع، لظهرت كل مذيعاته محجبات، لأن معظم المصريات كذلك، وكانت معظم برامجه موجهة للفلاحين والعمال والموظفين، وأيضا لكان معظم ضيوفه من هذه الفئة، لأن النسبة الأكبر من الشعب منها، لو صدقت الصورة لكانت كل برامج التوك شو التي تركز على الفنانات ولاعبي الكرة ساحة للتعبير عن قضايا الشارع بزحامه وصخبه ومشكلاته.
ليس لدى موقف ضد الطبقة المخملية، ولكن ما أرفضه هو تقديمها على أنها الممثلة للشعب المصري الكبير. ما أرفضه وجود طبقة مستعارة يراد تصديرها للداخل والخارج، بينما الشعب الحقيقي يركض وراء وسائل المواصلات، وينكوي بغلاء الأسعار، والأزمات الطاحنة، ما أستهجنه أن ترتدي الفنانة فستانا مثيرا أثناء تسجيل الحلقة، ولا تجرؤ أن تخرج إلى الشارع بنفس الفستان.
إعلام اليوم يركز على المشاهير، والنجوم، والمعروفين من الفنانين ورجال السياسة والرياضة والمجتمع، ويصدر للمشاهد "الشهرة" كعامل وحيد للتقييم والإعجاب، وتصدير هذه الفكرة الفاسدة يجعل المشاهد في حالة انبهار تام بالمشهور بغض النظر عن قيمته الحقيقية.
التلفزيون الأمريكي يعبر هناك عن الشعب، والطبقة التي يقدمها هي نفس الطبقة الموجودة في الواقع هناك، وكذلك التلفزيون الألماني ، والدنماركي ، وغيرهم ، أما التلفزيون المصري .. لا .
لا أدرى ما جذور هذا التوجه، هل الفهم المركزي للإعلام كوسيلة للتوجيه والإرشاد السبب، هل الفهم الخاطيء للإعلام واعتباره واجهة للدولة، لذلك يجب أن تكون الواجهة لا شائبة فيها.
عبر إعلام الستينات بشكل ما عن الواقع، وكلنا يتذكر البرامج الموجهة للفلاح، كالمجلة الزراعية، وبرامج محو الأمية، وأغنية سيد اسماعيل "حبيت بلدي .. وعشان بلدي .. أنا عاوزك تكبر ياولدي" كما شهد ماسبيرو في السبعينيات حركة مهنية عالية، تمثلت في ظهور العديد من البرامج التي تعبر عن الناس، وتتصدى لقضاياهم، وتواجه لأول مرة المسؤولين الفاشلين، مثل "سلوكيات" و"على الطريق" للمذيعة الرائدة ملك إسماعيل، ولكن هذه الحركة سرعان ما خفتت، وأصبح التلفزيون عام 2000 فرعا للهيئة العامة للاستعلامات يقدم وجهة نظر الحكومة فقط، وأحد أذرعة وزارة الخارجية، يقدم وجهة النظر الرسمية فقط.
الإعلام المصري للأسف صوت مستعار، صدى لآخرين، مسحوق لتجميل الدولة، وتقديمها بصورة رائعة للمجتمع الدولي، .. وهذه الأسباب أفقدته أهم خاصية وهي التأثير .
تاريخ الإضافة: 2017-08-30تعليق: 0عدد المشاهدات :1479