من خلال عملي الصحفي تابعت العديد من الأوبئة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس كورونا الأول) الذي ظهر في السعودية عام 2012، وأوبئة كثيرة ظهرت في العالم مثل إيبولا ، وسارس، وبكتيريا إي كولاي، وأنفلونزا الخنازير والطيور، وحمى الضنك، لذلك كان من الطبيعي أن أتابع الفيروس التاجي أو كورونا المستجد المعروف بـ COVID-19 الذي ظهر في الصين عام 2020 .
من كثرة التقارير التي نشرتها عن هذه الكبشة من الأوبئة، سواء عن وكالات الأنباء العالمية ، أو ترجمتها عن الصحف العالمية ، أو المواقف الصحفية التي مررت بها ذات صلة بالموضوع، أشعر أنني أصبحت موسوعة في الفيروسات ، إذا تكلمت في هذا الموضوع ، أحتاج إلى كتب ومجلدات.
الإنطباع الأول الذي تولد لدي هو الإرتباك الشديد الذي تعامل به العالم مع الفيروس ، سواء من جانب الهيئات والمنظمات الصحية ، أو على مستوى الساسة أو الدول .
فرغم وجود دراسات وتوقعات من عام 2015 ، بل وأفلام سينمائية تتوقع ظهور وباء خطير يحصد الأرواح، ورغم أن هذا التنبؤ صدر عن شخصيات معتبرة مثل بيل جيتس، إلا أن العالم فشل في التعامل مع الأزمة .
فأين إذن المنظمات الصحية التي من صميم عملها توقع الجائحات الصحية والاستعداد لها ؟، إين إدارات الكوارث والأزمات الموجودة في كل بلد، بل كل وزارة وهيئة رسمية ؟، أين العلماء والباحثين القادرين على التعامل مع الوباء، أين الإعلام الصحي القادر على مواكبة مثل هذا الحدث الكبير بتخصص واحترافية؟.
الإرتباك عنوان المرحلة .. ظهر ذلك عند الحديث عن طرق انتقال الفيروس ، حيث قالوا في البداية أنه لا ينتقل من إنسان لآخر ، ثم ثبت العكس، وقالوا أن لا ينتقل عبر الهواء ، ثم ثبت العكس، وقالوا أن الفيروس يدخل العينين، والخصيتين والسائل المنوي، ولن تتمالك نفسك من الضحك عندما تقرأ دراسة تقول أن فيروس كورونا ينتقل عبر الريح "الغازات" !، وظهر أيضا التخبط في الإجراءات الوقائية. حتى أن الحيرة وصلت لكيفية دفن الضحايا ، فكان الحل المقابر الجماعية .
الإرتباك ظهر مثلا في التهوين في البداية من قيمة قناع الوجه، ثم العودة لتأكيد أهميته في الوقاية من العدوى، والزعم بأن الفيروس لا يصيب إلا كبار السن، ثم ثبت بعد ذلك أنه يصيب الشباب والأطفال.
ظهر أيضا في استهانة عدد من الرؤساء بالفيروس مثل الرئيس الأمريكي والرئيس البرازيلي ، ورئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو، وكانت النتيجة المزيد من الجثث.
الإرتباك ظهر أيضا ـ ولازال ـ عند الحديث عن العلاج، فظهرت العديد من الإدعاءات مثل العلاج بدواء الملاريا هايدروكسي كلوروكين، ثم عقار ريمديسيفير، والأجسام المضادة، والحجامة، ولابد للبسطاء أن يضعوا الـ touch الخاص بهم، فواجهوا الفيروس بـ "التكبير"، ودخل الجيش الأمريكي على الخط ليستعرض عضلاته، ويزعم أنه توصل لاختبار يتنبأ بالفيروس قبل العدوى.
وظهرت في هذا الجانب مداخلات مضحكة مثل اقتراح الرئيس الأمريكي علاج كورنا بحقن المطهرات داخل الجسم، كما ظهرت إفتكاسات مضحكة مثل والبرسيم وفرك الوجهه بسائل معطر، وشرب بول الإبل، وإدخال زيت البنفسج في فتحة الشرج.
الخلاصة إنعكس هذا الإرتباك على الأزمة فارتفعت الإصابات إلى أكثر من 3.3 ملايين ، والوفيات إلى أكثر من 239 ألف في غضون شهرين .
نحتاج إلى رؤية جديدة لإدارة الكوارث، تتعامل مع العالم كوحدة واحدة ، رؤية تسلح بالخبرات والميزانيات وأجهزة الرصد المستقلة، والقرارات الملزمة، .. نحتاج إلى إدارة موحدة للمرض، لأن الفيروس لا يصيب بلدا ويترك الآخر .. الفيروس عندما يظهر يتسلل كالنار في الهشيم .