الشارقة : الأمير كمال فرج.
في إطار جهوده لمناقشة كافة الإبداعات الجديدة للروائيين العرب، نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، أمسية أدبية عبر تطبيق ZOOM بعنوان "قراءة في رواية "طعم الذئب" للكاتب الكويتي عبدالله البصيص، شارك فيها الخبير المسرحي في دائرة الثقافة بالشارقة الناقد محمد سيد أحمد، والكاتب محمد بابا، والصحفي مصطفى الحفناوي، وأدارها الأديب الصحفي محمد سالم رئيس اللجنة الثقافية في النادي.
قال محمد سالم "نحن اليوم نناقش رواية جديدة، تعتبر أحدث ما صدر في العالم العربي، وهي رواية "طعم الذئب" للكاتب الكويتي الشاب عبدالله البصيص، وهو من مواليد 1980، وحصلت الرواية على جائزة أفضل كتاب عربي في معرض الشارقة للكتاب 2020، وتناقش الرواية كيف أن المجتمع يصنع الشر في الانسان، ويهيؤه إليه، ويدفعه إليه، دفعا من خلال حكاية الشاب ذيبان والتي سيتناولها الناقد المسرحي محمد سيد أحمد، الذي عرفناه في الساحة المسرحية في الامارات ، وله متابعات وقراءات في الرواية العربية، ويبحث عن الجديد فيها، وهذه الرواية كانت من التقاطاته".
واأضاف "عندما قرأتها وجدتها رواية تستحق أن تقرأ ويوقف عندها، ونحن اليوم وأمام هذا العدد الكبير من الروايات نحتاج إلى نقرأ لمن يحكم تقنية الرواية، ومن النادر أن تجد كاتبا متمرسا، وأن تعثر على رواية تستحق رغم العدد الكبير الذي ينشر، ولكن الغثاء كثير، وما يمكث في الأرض قليل".
قال محمد سيد أحمد أن "في الرواية العربية هناك مركز وأطراف، عرفنا الرواية العربية من المراكز الثقافية في مصر وبيروت ودمشق وبغداد، الآن الحركة الثقافية العربية امتدت وبدأت تظهر في الأطراف، إبداعات ثقافية وروائية جديدة، تستلزم منا أن نلقي عليها الضوء، والخليج بصورة عامه فيه إبداعات في مختلف دروب الكتابة والفنون والثقافة، تستحق أن نتعرف عليها، فهناك الكويت باسهامها بمجلة "العربي" وسلسلة المسرح العالمي، وعالم المعرفة، ومجلة الفكر، ووجود معهد المسرح، والسعودية فيها نشاط شعري متقدم جدا، والبحرين فيها مسرح، وعمان فيها اهتمام بالموسيقى السيمفونية، هناك ابداع جديد، جميل أن تعرف عليه، مزيد من البساتين والزهور تتفتح في بيدر الأدب العربي".
عوالم الصحراء
أوضح سيد أحمد أن "رواية "طعم الذئب" تدور في فترة الأربعينات أو الخمسينات في الكويت، مكانيا في صحراء الكويت، وتتميز الرواية بالعوالم التي تتحدث عنها وهي عوالم الصحراء، كما تتناول الرواية أيضا عالم الكويت أثناء الغزو العراقي".
وأضاف أن "الرواية تدور حول الشاب زيبان الذي نشأ يتيما، ولجأ مع أمه إلى أخواله في القبيلة، وهو انسان بسيط، شخصيته ضعيفة لا يستطيع المواجهة، كان يهرب من المعارك مع الأطفال، ذهب للمعيشة في قبيلة خاله، هو شاعر ومغني فوقع في غرام فتاة من قبيلة أخرى، وهي غالية، وأصبح يتغنى بها، فغضب ابن عم البنت واسمه متعب، فحدث بينه وبين ذبيان صدام، فقتل ذبيان ابن عم الفتاة، وتوفى اثنين من أبناء خال ذبيان في المعركة، وجاءت قبيلة ذبيان وطلبوا المبارزة، ولكن ذبيان خاف وتبول على نفسه، وكان ذلك عار في القبيلة، فهرب إلى الصحراء".
أبان سيد أحمد أن "الجزء الكبير من الرواية يركز على الصحراء ومطاردة الذئب، وهنا الرواية لم تلتزم بالسرد المعتاد . بداية ووسط ونهاية، فالرواية بدأت بدون مقدمات، من أول وصوله للقرية، وفي الفصل الأول بدأ يعمل فلاش باك على السبب الذي دفعه للهرب، ثم بدأت الأحداث تتداخل، بعد أن روى سبب هروبه، بدأت رحلة الذئب".
وأبان سيد أحمد أن "الرواية يمكن أن نقسمها إلى ثلاثة مستويات، أو ثلاث أنواع من الصراع، في المسرح أرسطو يقول أن الصراح المسرحي ثلاث أنواع : صراع مع الطبيعة، صراع مع المجتمع، صراع مع الذات، في هذه الرواية نلقى الأنواع الثلاثة، في البداية كان صراع ذبيان مع المجتمع، الذي يرفض الشخص الجبان، الذي لا يستطيع القتال، ويتبول على نفسه من الخوف، والجزء الثاني صراع مع الذئب، مع الطبيعة، في رحلة الهروب الطويلة، والجزء الثالث كان صراعا مع الذات، حيث بدأ يستكشف نفسه، ويتساءل : هل أنا جبان؟"، مشيرا إلى أن التحول الذي حدث في شخصية ذبيان عندما هرب من المبارزة، ليس لأنه جبان، ولكنه ليس مقتنعا بفكرة القتال.
طعم الذئب
قال سيد أحمد أن " في رحلة داخل الصحراء هجم عليه ذئب، وهنا أصبح شخصا آخر ، لتبدأ حكاية طويلة تتميز بجمال اللغة، صارع ذبيان الذئب ، وأثناء العراك قضم جزء من جسم الذئب ومضغه، من هنا كان عنوان الرواية "طعم الذئب"، ثم تبدأ صورة هلامية يرى فيها الذئب يحمل عودا ويغني، لا نعلم هل هذا واقع أم خيال؟، ثم يبدأ حوار بين الذئب والشاب، فقال الذئب أنه قتل شيخ وفتاه، وروي ذبيان للذئب قصة غرامه مع غالية، وأنه رآها وكتب فيها شعرا، هذا المشهد خلطة واقعية سحرية، ولا تعرف هل هذا حقيقة أم خيال، لنصل في النهاية يجد رجلا ميتا عليه فروة ذئب، فيأخذ سلاحه وفروته، ويمشي ، فيمر على شيخ، ويدرك هذا الشيخ أن السلاح الذي يحمله ذبيان سلاح الشيخ، فقال له ذبيان أنه قتل الرجل واستولى على سلاحه، فيهجم عليه الناس، وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة، ولا نعلم هل وصل ذبيان إلى القرية بأمان، وهل تمت معاقبته".
وأضاف أن "الرواية ليست حكاية ونهاية، الرواية توضح الاشتباك القوي جدا بين الانسان وقوى أخرى، الانسان والمجتمع، المجتمع الذي يرفض الانسان المحب المغني، والصراع بعد ذلك يكون مع حيوان، هنا يتحول البطل إلى شخص آخر، نفس الشخص الذي جبن وهرب من المعركة، أثناء تعامله مع الذئب، تحول لشخص شجاع قادر على المواجهة والقتال، والتشبث بالحياة".
كشف سيد أحمد أن "الأحداث كلها تدور في ثلاثة أيام، هذه الفترة هي رحلته بعد أن خرج من القبيلة التي نبذته، ومشى في مواجهة الصحراء . المستوى الثالث من الصراع كان الصراع مع ذاته ، لتبرز أمامه أسئلة فلسفية وجودية، .. ماذا حقق في الحياة، ماهي البطولة، ماهو الموت؟"، مششيرا إلى أن الرواية اعتمدت على ضمير المخاطب، شخص من الخارج يحكي صوت الراوي من الخارج، في بعض الأوقات يتحدث ذبيان ينفسه، ولكن أغلب الرواية تعتمد على الراوي .
الواقعية السحرية
الرواية متعة . الموضوع ليس جذابا، شخص يمضي في الصحراء ويواجه ذئب ، ولكن من أين جاءت هذه المتعة؟، المتعو جاءت في الرواية من اللغة، الكاتب عبدالله القصيص في الأساس شاعر نبطي، عنده قدرة على كتابة لغة مدهشة ومفردات جديدة ومعرفة بعوالم الصحراء ، فمثلا يذكر أنواع نباتات الشيح والخزامى والعرفج، يصف البيئة الصحراوية الجو عندما تكون الرمال باردة، والأرنب الذي يصطاده، هناك التحام كامل مع الطبيعة .نوع الأكل القهوة تقاليد الشراب ، مفردات مثل المعاميد، وهو صندوق القهوة ، ومجاهيل : الأبل سوداء اللون، والوضح : الإبل بيضاء اللون ".
وأضاف أن "اللغة عند الكاتب درامية، لغة فعل ، تلقى كمية من الأفعال ، الأفعال في الرواية تعطي النص حيوية، وقوة ودرامية، كأنها لغة الدراما وهي لغة الفعل، هذا الامتياز الأول، الامتياز الثاني في الوصف، فلدى الكاتب لغة شفيفة، لديه تشبيهات وأوصاف بديعة، من أمثلة اللغة : "القزي الذي علق بروحه بالداخل"، و"يجلس يدلكه بالطين يركز على حركة يديه، يتشمم رائحة جسده، يقرر أن يستريح، يغمس ثوبه بالماء، ينحني على البركة"، لاحظ الأفعال .
وقال أن "الرواية بشكل عام اعتمدت على شخصية واحدة هي "ذبيان"، الشخصية المواذية شخصية الذئب، بني الكاتب العمل على حوار بين انسان وذئب. صراع، هروب، اشتباك، اعتداء، ثم تأتي لحظات حلم، ثم تأتي لحظة الواقعية السحرية، فيقف الذئب على قدميه، ويجرى معاهدة صلح مع ذبيان لمدة الليل فقط، ويبدأ كل من الذئب وذبيان حوارا فيروي الشاب قصة حبيبته حول عالية وكيف أحبها، وفي المقابل يروي الذئب قصة توحشه وانه قتل شيخا. ثم تحدث معركة بينهما ويقتل ذبيان الذئب.
الحلم والواقع
قال محمد سالم : "لفت انتباهي الحديث الطويل الذي حدث بين الحلم والواقع مع الذئب فهمت في آخر الرواية أنه يمهد تحول ذبيان إلى ذئب ، عندما أكل لحمل الذئب وسرت فيه دماء الذئب، وعندما أخذ خنجر القتيل الذي وجده في طريقه وفروته ومضى وكان بالمصادفة اسمه "ذيب" وذهب للقرية ودخل غرفته هاجمه الناس ، فكان آخر مشهد في الرواية أخرج خنجره، وعوى كالذئب ، كأنه في النهاية تقمص الشر".
علق محمد سيد أحمد، وقال "في الفصل الثاني حدث تحول في شخصية ذبيان ، يقول : أنا لست أنا، أنا لست الذي كنت"، التحول حدث لأنه أصبح شجاعا، فهل كان جبانا لحظة خروجه من القبيلة أم أنه يرفض القتال والصراع، ولكن عندما قابل الذئب ، ظهرت الشجاعة في شخصيته.
ذكر محمد سالم : "في موريتانيا رواية شهيرة بعنوان "مدينة الرياح"، وعبدالرحمن منيف وإبراهيم الكوني ، حتى في السعودية كتاب قدموا رواية الصحراء ، وأساسها هذه المواجهة بين الانسان والطبيعة، لأن حياة الإنسان مرهونة بالطبيعة الصحراوية، في الصحراء الطبيعة تلعب دور مهم، كما أن في المدينة البناء يلعب دورا مهما، إذا عدنا للشعر الجاهلي هو رواية صحراية، كل هذه الأماكن، كل هذه السردية، مع المكان والناقة والوحش، والرحلة الطويلة جدا، هذه رواية صحراوية".
الرواية الصحراوية
قال الكاتب محمد بابا : رواية الصحراء بدأ الاهتمام بها مؤخرا مع الكتابات الروائية المتواترة ولدى إبراهيم الكوني خصوصا، الذي غاص في عوالم الصحراء الليبية، وتخوم السودان وبلدان الصحراء الكبرى بكل عوالمها، واستحضر الموروث العربي الواسع في هذا المجال، يقول المتنبي : "ذَراني وَالفَلاةُ بِلا دَليلٍ .. َووَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ / فَإِنّي أَستَريحُ بِذي وَهَذا .. وَأَتعَبُ بِالإِناخَةِ وَالمُقامِ"
وأضاف أن "الرواية الصحراوية رواية عدم استقرار ونهاية مفتوحة، عوالم متعددة، ومع ذلك تتكشف فيها كل عوالم البادية بكل تناقضاتها سواء كانت الخير أم الشر، حتى في الأدب العالمي هناك اتجاهات سردية شبيهة بهذه العوالم. خاصة في الأدب الإسكندنافي، والروسي بعض الروايات المتخصصة في القطب الشمالي ويكون الصراع مع الدببة والذئاب البرية ، مثل هذه المحددات الجغرافية تفوض العنصر المناويء للبطل في السرد".
تحفظ الكاتب الصحفي مصطفى الحفناوي على تعبير "الرواية الصحراوية، وتساءل : هل يصح أن نقول الرواية الصحراوية، أم نقول تجليات الصحراء في الرواية العربية ، لماذا هذا التحديد، وكأن الرواية الصحراوية غرض خاص ، ولماذا نعدد المصطلحات والمفاهيم، هذه تجليات في الرواية ، لم أقرأ في الأدب الأجنبي مثلا "الرواية التكساسية" مثلا" .
وعلق محمد سالم: وقال أن "محمد سيد احمد استخدم المصطلح في البداية، وهو مستخدم في النقد العربي، مثلا سعيد يقطين، ومنى إبراهيم، وميرال الطحاوي كثيرون كتبوا عن الرواية الصحراوية، هذا ليس جنس أدبي مختلف، ولا يختلف عن الرواية بتقنيات جديدة، ولكن التحديد يجعل للرواية شخصيتها مثل رواية "البر الغربي" ليوسف القعيد ، رواية لها شخصية الريف ، كذلك روايات نجيب محفوظ لها طابع الحارة المدينية".