المتسرنمون رواية فلسفية في زمن التكنولوجيا الذكية
عبدالفتاح صبري : رواية نخبوية مفاهيمية والمؤلف يحلق في سماوات غير معتادة
عزت عمر : نمط سردي يجمع مابين الحقيقة العلمية والخيال المجنح
إسلام أبوشكير : الرواية تفتقد إلى الحدث المركزي والمتعة فيها ليست روائية
عمر عبدالعزيز : النص السردي وإن بدا حكائيا جدا لابد أن يكون مفعما بالخيال
خليفة الشيمي : نجح الفنان في ترويض الذائقة البصرية بعيدا عن تعقيدات التجريد والتشكيل
محمد ولد سالم : الرواية هي الدكتور عمر في تفكيره وتدفقه الفكري والسردي
الأمير كمال فرج.
في إطار نشاطه الثقافي، وتحت عنوان "مجازات" نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة أمسية فنية حوارية حول رواية "المتسرنمون" للروائي والفنان التشكيلي الدكتور عمر عبدالعزيز، بمشاركة الكاتب والقاص عبدالفتاح صبري، والناقد عزت عمر، والروائي والناقد إسلام أبوشكير.
الأمسية صاحبها معرض مواز لبعض اللوحات التشكيلية التي استوحاها المؤلف من أجواء الرواية، وهو تقليد حرص عليه المؤلف الذي يبدع في الفنين .. الرواية والتشكيل.
قال إسلام أبوشكير في تقديم الأمسية : "كما جمعنا الدكتور عمر عبدالعزيز بين فنين عظيمين هما التشكيل والرواية، يجمعنا الليله نحن المتابعون المتشوقون لتلك اللقاءات، مرحبا بكم مع آخر أعمال للدكتور عمر في الرواية، هذه هي الرواية الرابعة للدكتور، ولكن إذا أردنا أن نتحدث عن مجموع ماكتبه واشتغل عليه ، نتحدث عن عشرات الكتب في الفكر والتاريخ والاجتماع والأدب والنقد والفنون جميعا، ولكن حسنا فعل الدكتور عمر عندما قدم جزءا من هذه الطاقة إلى الرواية، لا لأننا جميعا من المغرمين بهذا الفن فقط، ولكن لأن ماقدمه حتى الآن يكشف عن إمكانات وطاقة تستحق أن تكون في المقدمة، ويسلط عليها الضوء" .
وأضاف أن "المؤلف يقدم اليوم روايته "المتسرنمون" التي ستفتح أبوابا كثيرة أمامنا لنتحدث ونتوقف ونتأمل، وهي من الأعمال التي لا تقرأ مرة واحدة، ولكن تحتاج إلى قراءة ثانية للوقوف على بعض النقاط التي تظل عالقة، وتظل بحاجة إلى أن يعاد النظر فيها" .
عين راصدة
قال أبوشكير في قراءته النقدية "عندما بدأت في الرواية ووصلت إلى الصفحة الثلاثين، كنت في حالة من الدهشة، والاستمتاع أمام هذا التدفق ، وأمام هذه الشخصيات التي بدأت تتكون وتنمو شيئا فشيئا، وأمام هذه البيئة الخصبة التي كانت تلتقط من قبل عين راصدة، تتوقف عند أسرار قد لا تلتقطها العين العادية، لكن بعد ذلك تعقدت الأمور أمامي".
وأضاف أن "الرواية تتحدث عن شخصية مركزية، وهي "النوراني" الذي يعيش مجموعة ارتحالات على مستوى المكان والمعرفة والإحساس، وهي شخصية تتغير وتتطور وتنمو وتتأثر بما يحيط بها، وما تتعرض له من أحداث، ومواقف وشخصيات أخرى . ولد النوراني في الصومال، ثم انتقلت به الدنيا إلى عدة أماكن منها لندن والإمارات ، ويعيش عدة تجارب . هذه التجارب في شكلها العام تجارب روحانية، فينتقل من حالة العبث إلى حالة الإيمان، والانتقال من حالة اللامعنى إلى المعنى. توازي شخصية النوراني مجموعة من الشخصيات الأخرى، جميع الشخصيات التي تقاطعت مع شخصية النوراني هي شخصية النوراني نفسها، هذا من حيث الفكرة العامة".
وأوضح أبوشكير أن "مشكلتي مع الرواية، أو ربما مشكلة الرواية معي، أنها تفتقد إلى الحدث المركزي، نعم هناك شخصية تعيش كأي شخص آخر، يتقدم بها الزمن، وتتغير بها الأمكنة، ولكن ماذا عن الأحداث الكبرى المؤثرة، وأقصد الحدث المركزي الذي يرتبط بهذه الشخصية، باستثناء الأقدار التي جمعت النوراني بمجموعة من الناس، فإذا كان لايوجد لدي حدث مركزي، ويوجد عندي فقط شخصية أو مجموعة شخصيات تشبه بعضها البعض، كل هذه الصفحات على ماذا احتوت؟".
وأبان أن "المشكلة الثانية كانت الإسراف في التعاطي مع حالات نوراني الجوَّانية بالطريقة المباشرة . معارفه، قراءته، علاقته بالفلاسفة التي قرأهم والصفحات المطولة التي تحدث فيها عن فلاسفة مثل نيتشه وغيره، والعديد من الأسماء، إضافة إلى أعلام التصوف والتاريخ عند العرب وغير العرب".
وقال أبوشكير "أعتقد أن أهم ما افتقدته في هذه الرواية المتعة التي نتلمسها عادة أو نتوقعها في عمل روائي، المتعة التي نتحصل عليها في الرواية، في الكتاب، في الفلسفة، في معرض، في موسيقى، في لعبة موبايل، وكل مجال له متعة، عندما أتحدث عن المتعة فإني أفتقدها في الرواية، ولكن وجدت آشكالا أخرى من المتعة، أمام هذا الكم الجميل من المعارف والانطباعات، والتأملات، ولكن السؤال .. هل هذه المتعة متعة روائية . جوابي .. لا ، فهذه المتعة ليس المتعة التي اعتدت فيها في العمل الروائي".
قضية المفاهيمية
قال عبدالفتاح صبري : إن "هذا العمل جعلني أتراجع كثيرا عن بعض المفاهيم السابقة، وأنا على تماس مع تجربة الدكتور عمر الابداعية منذ "النسيان" و"حمودي" و"مريوم"، و"الشيخ فرح ود تكتوك" و"سلطان الغيب" وأعمال أخرى..، من هذا المكان كنت قد طرحت في الماضي رأيا في روايات الدكتور عمر عبدالعزيز، وهو أن الرواية مجرد صور وتجميعات وانتقالات سريعة بين الزمان والمكان والشخصيات، ولكن هذه الرواية فتحت لي رأيا آخر".
وأضاف "منذ عقد أو يزيد وفي مصر أصدرت إحداهن رواية، عندما تفتح العمل تجد صفحات بيضاء، وأثارت الواقعة جدلا حينئذ في الوسط المصري، وقيل .. ما هذا الهراء ..؟، كيف ولماذا؟، ثم قصة أخرى موازية بنفس المعنى، في مطلع الألفية جمعتنا الظروف مع الفنان الكويتي سامي محمد حداد وهو نحات كبير، وله عمل في الأمم المتحدة، روى لنا قصة، فقد كان في زيارة إلى أمريكا، وقرأ عن عرض لفنان أمريكي في ولاية أخرى، فذهب إلى الولاية البعيدة، وتوجه إلى المكان، فلم يجد داخل القاعة أحدا، فسأل العامل ، فأشار إلى سلة تحت النافذة، عندما تفقدها وجد فيها ورق نفايات، وكان ذلك هو المعرض، وهذا يفتح المجال لمناقشة موضوع المفاهيمية، والهدف من الفن، ولكن السؤال : أين الفن هنا؟، ذهبت إلى بينالي الشارقة في أحد السنوات فوجدت عرضا عبارة عن غرفة مظلمة، عندما تدخل تجد فيديو يعرض خطبة للرئيس المصري السابق أنور السادات ، أين الفن في ذلك؟. عندما أحضر إلى عرض بمقاييسي الفنية، يجب أن أستمتع. نفس الشيء في الرواية، الآن بدأت موجة تتحدث عن رواية ما بعد الحداثة، وهذا يثير أيضا السؤال : أليست الرواية متعة أيضا؟، أقرأها من أجل أن استمتع، أم أقرأها لأعاني وألملم شتات الحدوتة، العمل الروائي يرتكز في النهاية على قصة، شيء متواتر أستطيع أن أتابعه وأستمتع بجمالياته في اللغة والحبكة وغيرها" .
وأوضح صبري أن "آخر عمل للدكتور عمر عبدالعزيز، المتسرنمون "السائرون نياما"، وفيما معناه .. "الناس نيام إذا ماماتوا انتبهوا"، وفيما معناه "وكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد"، المتعة في الأدب والفن شيء أساسي، ليس مطلوبا مني أن أشاهد لوحة ولا أفهمها، وهناك قصة أخرى أتذكرها، في إحدى الصحف أحضر محررا قردا وهيأ له الوضع ليرسم لوحة، ثم عرض اللوحة على نخبة من المثقفين، فتحدثوا عن جماليات اللوحة، وعندما انكشف الأمر حدثت ضجة".
وقال أن "بالعودة إلى موضوع المتعة والفن والابداع، الدكتور عمر عبدالعزيز أدخلنا في هذه المساحة الضيقة، ربما ثقافته الواسعة في الفن والاقتصاد والتشكيل والفكر وأشياء أخرى يمتلكها عن موهبة تجعله يحلق في سماوات أخرى غير معتادة ، فأصبح فنه نخبويا، والفن النخبوي يثير قضايا كثيرة".
وتساءل قائلا "هل النقد تعرض لهذه المسائل؟، منذ عقد تقريبا بدأنا نسمع عن رواية مابعد الحداثة، أنظر إلى الشعر الذي بدأت بكيف، وانتهى إلى كل قصيدة نثر تنتمي إلى صاحبها، لا توجد ضوابط تحكم قصيدة النثر، رغم محاولة وضع ضوابط لقصيدة النثر. إذا كتب ثلاث شعراء قصائد نثر، لن تجد ضوابط تحكم الثلاثة، كل قصيدة بذاتها ومكنوناتها، وجمالياتها بلغتها الخاصة، نفس الشيء عند الدكتور عمر عبدالعزيز .. ، ولكن النقد كيف يلاحق هذه الظاهرة ؟، هل استطاع النقد أن يحلل هذه النظريات، هل نحن على البعد الآخر من المحيط، نظريات النقد تتبدل وتتغير، سمعنا عن مصطلحات نقدية عدة مثل التفكيكية والبنيوية وغيرها ، ولكن لا إجابة على هذه القضية" .
وأوضح صبري أن "الدكتور عمر ينثر الزمن وينثر المكان، وينثر الشخصيات وفي نفس الوقت أحيانا بلا سببية، وبلا أداة ربط، "نوراني" في هذه الرواية يتكلم وفجأة يبدأ في شيء آخر، قد يكون بالنسبة لي بلا رابط".
الغياب عن الوعي
قال صبري أن "الدكتور عمر عافاه الله دخل المستشفى بعد إصابته بفيروس كورونا، وغاب عن الوعي عدة أيام، والغياب عن الوعي يفتح للانسان آفاقا أخرى غير مرئية، ويفتح له طاقات إيجابية ماتعة. الدكتور عمر عبدالعزيز عاش هذه التجربة، وترجمها لنا في هذا العمل، إذا غبت عن الوعي ماذا سأستدعي، سأستدعي أشياء بسيطة مثل حياتي العادية الأسرة والأقرباء ، ولكن لأن الدكتور عمر قاريء وكاتب ومفكر على تماس مع قضايا كبيرة متصلة بالوجود والحياة والفكر والفلسفة دخل هذا النطاق الجميل، واستدعى شخصيات إما حقيقية أم شخصيات من التاريخ، مثل التصوفة، واستدعى شخصيات تماست معه في مدن مختلفة مثل مقديشيو وبوخارست ولندن وعدن، وهكذا استدعى الدكتور عمر منظومة المكان التي عايشها، ليعيد بناء فكرته التي يود طرحها في هذا العمل".
وأضاف "خلال الغياب عن الوعي قدم الدكتور قصة مفاهيمية ، فجاءت القصة فكرة تحلق في الكون، لم يخبرني أن شخصا أحب امرأة كما نرى في الروايات، فكانت الرواية عملا فكريا بالدرجة الأولى، لكنه ارتكن على شخصيات حقيقية، وشخصيات قرأ لها وقرأ عنها، وأماكن زارها وأخرى لم يزرها، وجاب بنا العالم كله، ليحكي لنا عن موضوع مهم وخطير، وهو الحياة وتأمل أسباب الوجود إلى آخر هذه الرسائل الكبيرة".
يقول صبري "أنا أدعي أني قاريء، ولكني عانيت للوصول إلى الحكاية، وهذا شيء مرهق، فما بالك بالقاريء العادي، فالرواية نخبوية لن يفهمها إلا المهتمين بالفكر والثقافة، وأمور خاصة بالحياة والتكوينات. لكن براعة الدكتور عمر تجلت في أن لديه لغة خاصة جدا. مثلا المتسرنمون كلمة موجودة في المعجم، ولكن لا تستخدم، والدكتور قدمها في إطار جديد".
وأكد أن "للدكتور عمر لغة خاصة، ولديه قدره على بعثرة الزمن والمكان والانتقال الحاد مابين الأماكن والتاريخ، فنجده يتحدث في الحاضر واللوحة التالية تتكلم في عمق التاريخ ، يتناول شخصية حقيقية مثل الشبرجي ، ثم شخصية خيالية . لديه القدرة على هذا الربط الذي يحتاج مني إلى تأمل وفحص وإعادة نظر، ولكن هل يستطيع النقد أن يخبرني هل هذه رواية أم لا؟، قواعد النقد كما أعتقد لا تصلح لمثل هذه المسائل، ولكن الرواية تفتح لنا قضية النقد مع الإبداع الجديد، والإبداع الجديد يجب أن يكون على طاقة العامة على قدر الإمكان، وليس على طاقة الخاصة، الدكتور عمر كتب هذه الرواية للخاصة، وضع فيها كل تصوراته عن السرد في الحياة، وأشياء كثيرة" .
وأبان أن "الدكتور عمر لديه مادة ابداعية تحتاج إلى تأمل، وإعادة نظر، تحتاج مني أن أقول أني أمام عمل روائي، رغم أني كنت أنكر ذلك من قبل، قياسا على الثقافة العامة، كل شيء يتطور، ولكن بوسعنا أن نختلف، المقاييس تختلف، أحدهم يقول أني لم أفهم شيئا، هذه مشكلتك . كمن يرى لوحة ويقول لا أفهم موضوعها ، ويرد الفنان أنها مفاهيمية" .
وقال أن "عدوى الفن انتقلت إلى الأدب، وربما تكون هذه السمة عند الدكتور لكونه ممارس للفن والأدب والرسم والنقد التشكيلي والجمالي، فنقل هذه التجربة إلى أدبه، هو ينتقل بين الزمان والمكان والتاريخ ، وعلينا أن نلتقط القصة، في الروايات السابقة للدكتور عمر كان الخط واحدا، ولكن في "المتسرنمون" كان الخط متباعدا، في الروايات السابقة ربط بين الأحداث ، ولكن في هذه الرواية كان التباعد أكبر مما مضى".
رواية فلسفية
قال عزت عمر إن " "المتسرنمون" رواية فلسفية كتبت بلغة أكاديمية اصطلاحية صارمة في حين، ولغة سردية سيرية بسيطة في حين آخر، يجمعهما سارد عليم أمسك بكافة الخيوط، دون أن يفلت خيطا واحدا، لشخصية تسعى للتعبير عن نفسها، أو حوار كاشف يضيء بعض الجوانب الإضافية، ومن هنا فإننا ومع مواصلة لقراءة سنكتشف أن تقنيات أخرى غائبة، لغياب فاعلية الشخصية، كالاسترجاع والمونولوج وغيرهما، ومع ذلك كنت مستمتعا بهذا النمط من السرد، المتكيء على تجاور الحكايات، ضمن بنية تنهض على عشرات التناصات والمتفاعلات النصية، لشخصيات تاريخية ودينية وأسطورية جلبها السارد من مصدرين أساسين : ذاكرة بصرية متمثلة في الوصف، والإمكانات الباذخة التي اعتدنا عليها في أسلوبه السردي في رواياته السابقة، وذاكرة قرائية يقظة تؤكد ثقافة الروائي العامة، وتبحره في شؤون الفلسفة والفكر، وبذلك يمكننا استنتاج ملخص هذا النص الطويل الذي يتكاتف حول فكرة الخير والشر، وصراعهما الأبدي، ومن هنا فإن الخيرين هم المتسرنمون العظام، على اعتبار أن التسرنم مفهوما مجازيا . لعل المفهوم الأقرب له هو الملهمون، أو على حد تعبير الروائي "حالة معبرة عن القدرات الكامنة في اللاوعي أو اللاشعور وحاملها السحري المخيخ".
وأضاف "فيما يبدو أن مثل هذا التوضيح ضروري للقاريء والمؤلف الضمني للنص كي يهندس مساراته والوصول إلى غاياته، وكأن الكاتب يسعى لجعل قارئه مشاركا في إعادة كتابة النص. والبنيويون يقولون عادة القراءة الثانية فاتحة النص، وما بين طرفي هذه العلاقة المعقدة شيئا ما وأعنى النص والمتلقي المتفاعل والمثقف يعاد انتاج النص، وهو ما نسعى إليه في هذه القراءة".
أوضح عزت عمر أن "هذا النمط السردي الذي يجمع مابين الحقيقة العلمية والخيال المجنح، وما بين العقل البرهاني والعقل العرفاني على حد تعبير محمد عابد الجابري ورؤية عبدالله العروي، ولعلها الأقرب لرؤية الروائي حول التراث العربي والاسلامي، والتي تتلخص في أن هذا التراث سواء كان شفهيا أو كتابيا، فلسفيا أو دينيا، يجب التوقف عنده والبحث في أسسه، مع الانتباه إلى المسكوت عنه. لكن الدكتور عمر ينطلق إلى رحاب إنسانية أوسع ساعيا إلى تعزيز وجهة نظره في الوحدة الإنسانية، وهو ما أتبناه شخصيا من أن البشرية تكتب نصها الإنساني منذ بدايات الوعي بالوجود، وبذلك فإن الأزمة ما انفكت كائنة مابين ثقافتي السيطرة والقوة والعنف والقيم الانسانية العظيمة، التي ما انفك هؤلاء المتسرنمون عن صياغتها حتى يومنا هذا، وإن اختلفت وجهات النظر والتفكير مابين جلال الدين الرومي وكارل ماركس، والغزالي والتبريزي، وسيوران ونيتشه، فلكل متسرنم نهجه الذي غالبا ما يتأسس على اتخاذ موقف من هذا المأذق الوجودي وسؤاله الأساسي عن سره أو جملة أسراره".
وأبان أن "كل من الشخصيات اليمنية في النص مثل نوراني وابراهيم والشربجي وذوي القمصان البيضاء وسواهم سوف سيكتشفون هذه الحقيقة، بمجرد دخولهم الدائرة الرمزية والصوفية الواسعة الحاوية لكل ماسبق من أعلاه. بمعنى آخر ، ليس ثمة طريق واحد، للوصول إلى الحقيقة، وإنما يمكن الوصول إليها عبر العديد من الطرق، سواء كانت وعرة أو سهلة".
وقال عزت عمر "على اعتبار أن الرواية جنس أدبي غير منتهي في تكونه صنفت هذا العمل في إطار رواية ما بعد الحداثة، وفق جملة المعايير التي وضعتها في كتاب سابق لي هو "رواية ما بعد الحداثة" بمعنى أن هذا النمط من الكتابة السردية عبارة عن وعي جديد يتناسب وثقافة العصر الفكرية والعلمية والابداعية بطبيعة الحال، بمعنى آخر، أنه ليس وعيا سحريا أو خرافيا ارتبط بوعي سابق يفسر ويعزو الأحداث إلى قوى غيبية وكائنات غامضة يراها كلية القدرة مثل ذوي القمصان الثلاثة، وإبراهيم المنداوي، وفق الخيال الشعبي المؤسطر لذوي القدرة والفكر المختلف عن مألوف الجماعة. بما يعني أن الثقافة العالمية في ذلك الزمان، كانت محدودة ومحصورة في النخب العلمية والأدبية، والمعنى أن رواية المتسرنمون كتبت في زمان الثورة المعرفية والرقمية التكنولوجيا الذكية ، بما يعني انزياحها من النخبة الصارمة إلى وعي عام جديد وكلي، بمعنى آخر لم يعد شيء غامض في زمن الشفافية المطلقة".
رواية مثيرة للأسئلة
قال الروائي ناصر عراق : "عرفت الدكتور عمر عبدالعزيز منذ عشرين عاما، هذا المثقف الموسوعي الفذ، واقتربت منه وجلست معه كثيرا وتحادثنا في الأمور كافة، من الأدب إلى الفن التشكيلي إلى التلفزيون وقد كان رئيسا للتلفزيون في عدن، الصوفية والماركسية كل شيء، وأشهد أن هذا الرجل استثنائي في معارفه ومعاركه وقدرته على التحليل، وهذا هو الأهم ، فضلا عن كونه فنانا تشكيليا، صاحب قاموس لوني مفرح، عندما نشاهد لوحاته يعترينا السرور، وهذا يؤكد أن هذا الرجل ثقافته مبينة على المحبة ووحدة العالم".
وأضاف أن "الرواية تنطلق من زاوية غير مألوفة، فكرة أن تكون الرواية مفيدة وممتعة فكرة وجيهة، ولكن مفيدة بأي درجة، وممتعة بأي مقياس، لكل منا طريقته وخبرته وثقافته وعلاقته باللغة وفن الرواية".
وقال عراق "أنا من المحظوظين الذين عرفوا الدكتور عمر عبدالعزيز عن قرب، وفوجئت عندما علمت أنه تعرض لهجوم كاسح من فيروس كورونا، ولكنه انتصر عليه، ورغم اصابته بغيبوبة إرادته للحياة وعشقه للانسان جعلته ينتصر على هذا الفيروس، وأخرج لنا هذه الرواية، وأظن أنها رواية مثيرة للأسئلة، وممتعة للوجدان، جديدة على الذائقة العربية".
رؤى متعددة
قال الدكتور عمر عبدالعزيز : إن "المداخلات كانت مفيدة إلى حد كبير، وهي في نهاية المطاف تتصل بكيفية رؤيتنا للنصوص سواء كانت نصوصا كتابية أو بصرية، وبطبيعة الحال لابد أن نتفاعل مع هذه المسائل، وأن يكون هناك رؤى متعددة، وتصنيف وتوصيف الأعمال الأدبية معروف تاريخيا، وفيه نوع من المقاربة لتحديد ماهية هذا العمل، من حيث انتمائه لعصر ما أو تيار ما، أو اتجاه ما أي نوع من الأنواع الأدبية المختلفة، لذلك يقال أن هذه قصة وهذه قصة قصيرة جدا وهذه رواية وهكذا .." .
وأضاف "أتذكر أني في رواية "الحمودي" أول رواية كتبتها لم أصنفها، لم أكتب عليها أي شيء، ولكن النقاد الذين تناولوا العمل تحدثوا عنها بوصفها رواية، لذلك القاريء ليس هو من يحدد ماهية العمل الأدبي، أو ماهية العمل الفني، الأعمال التشكيلية المصاحبة التي رأيناها اليوم هي عبارة عن جملة بصرية واحدة. لها صلة بالرواية . جملة بصرية واحدة تتكرر في كل هذه الأعمال، ولكن ليس هناك عمل يشبه الآخر، وتبعا لذلك فكأننا نرى التنوع في الواحدية، ونرى الواحدية في التنوع. نفس الكلام في الرواية، الرواية فيها مجموعة من الشخصيات، هناك شخصية مركزية هي شخصية نوراني، والشخصيات الأخرى موازية لبعضها البعض، تتنوع بطبيعة الحال، ولكن سياقها واحد، كأنها شخص واحد، والحقيقة هذا النوع من مضمرات الوجود الانساني، ومضمرات الحياة هو سؤال وجودي وفلسفي وميتافيزيقي وأيضا سؤال واقعي بطبيعة الحال، الرواية تنطلق من هذه الحقيقة الثنائية الوجودية، طبعا هناك صعوبة بالغة في أن تكيف النص السردي من قبل هذا أو ذاك مع المفاهيم الكلية".
أوضح الدكتور عمر أن "النص السردي وإن بدا حكائيا جدا ، ولديه بنية واقعية جدا، إلا أنه يتحمل الخيال، بل لابد أن يكون مفعما بالخيال، وهنا وجه الترنح بين المستويين. مستوى الفكرة، وبين كيفية التعبير عن الفكرة . لا أزعم أني أستطيع محاصرة هذه الأفكار الكلية في نص سردي بطريقة رشيقة بالمطلق، ولكنها محاولات، ولهذا السبب عندما أقف على سبيل المثال أمام السبع روايات التي أصدرتها حتى الآن سأجد أني ذاتيا أشعر أن "مريوم" على سبيل المثال أقرب إلى أن تكون مسردنة، بالمعنى الحكائي للكلمة، وأرى أن "سلطان الغيب" أقرب إلى الرواية البوليفينية التي تبحث عن الكليات والماهيات".
وقال أن "هذه التجربة الأخيرة لها علاقة بالسرنمة، لأني أعتقد أننا جميعا نحن أيقاظ ونحن رقود، الموضوع أكلينيكي، فالمسرنم هو الذي يصحو ويمشي، ولكننا في الحقيقة كلنا ونحن في حالة يقظة يظل الخيال يعمل والتذكر موجود، إذن نحن في حالة سرنمة في أفق ما، ونحن عندما نكون في حالة نوم، نكون أيضا في حالة صحو، لأننا نرى في نومنا مالانراه في صحونا، وفي سورة "الكهف" في القرآن الكريم ما يعبر عن ذلك. (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) ، أهل الكهف تراهم تعتقد أنهم مستيقظين ولكنهم رقود، المسألة ليست حكاية للصحو والمنام، هي حكاية لها علاقة بماهية الانحباس في هذا الوجود، نحن جميعا محبوسون وفي حالة انقلاب نفسي، في حالة مكابدة من الطفولة المبكرة إلى آخر الزمان. هذا الانحباس الذي ينفس عنه هو الخيال والحب والتوق، والقبول، لكن الانسان في حالة تنكر ومكابدة دائمة، ولذلك هو محصور، هذه المسألة وفي إطار تداعياتي مع الفكر وقراءاتي للفلاسفة الرومان، وجدت نموذجا عجيبا لجدل الثنائيات في الحياة . الأول بيتري تسوتسيا وكان ميتا فيزيقي أرثوذوسكي والثاني إميل تشيوبان وهو مادي عدمي، هذه كانت مشكلة الفكر الانساني من جهة والفكر الأوروبي من جهة أخرى، إذا أردت أن تقرأ الحقائق على أسس قرآنية عقلية رياضية جبرية لن تجد جوابا، وإذا أردت أن تقدم جوابا ميتازيفيقيا فقط لن تجد جوابا، أحاول أن أضمن هذه الأفكار بشكل تلقائي في بعض النصوص التي أسردنها وأسميها سردية" .
البعد الإكلينيكي
يقول الدكتور عمر أن "طاقة اللغة مسألة في غاية الأهمية، لأن اللغة رافعة كبرى، فهي التي تستطيع أن تقدم النص البارز، الرفيع، وهي طاقة لا متناهية، وأنا على المستوى الشخصي أحب الاشتقاقات أكثر من المترادفات، والاشتقاقات تجعلك على تناص مع لغات أجنبية أخرى، تعطيك فضاءات موجودة في اللغة العربية ولكن لا تستخدم، أحيانا يقول البعض لماذا تستخدم المتسرنمون، بدعوى أن لا أحد سيفهمها، والكلمة أصلا كانت "سار نائما" فاختصروها إلى "سرنمة" أي الذين يسيرون وهم نيام، والاشتقاقات منها متعددة .. متسرنمون وغير ذلك، ولكن مايهمني في المعادلة البعد الإكلينيكي المرضي الذي يتحدثون عنه ، وما يهمني أكثر أننا في حالة ثنائية، حالة سرنمة وجودية، بالمعنى الحقيقي للكلمة".
وأضاف أن "هناك أشياء تتعلق بالغامض والواضح، وهذا صحيح، لهذا سميت المعرض المصاحب "مجازات" لأن العالم كله مجاز، صحيح هناك قوانين علمية ورياضية وكونية حول كل صغيرة وكبيرة، لكن المجاز أساس الأسس في هذا العالم. بالنسة لي على الأقل أنا مهجوس بمكاشفة ومساءلة جملة من الأشياء التي أعتقد أننا يمكن أن نجد الخلاص الأدبي والأخلاقي بالمعنى الأدبي والنفسي، لأن الحياة مليئة بالتنكرات والتحديات والمتاعب، ونحن بحاجة إلى الخلاص، وفي تقديري الشخصي أن هذا الخلاص موجود في الثقافة الانسانية وفي الآداب العربية والاسلامية، وموجود في التصوف وما يجاوره من رؤى كلامية وتاريخية وتدوينية في تاريخنا الحديث. لذلك يمكن أن نجد حلولا ومخارج للأسئلة التي تواجه الانسان منذ أن كان إلى أبد الآبدين".
السارد العليم
قال الدكتور عبدالعزيز أن "الكاتب موجود دائما في أعماله سواء كانت الرواية سيرة ذاتية أو سيرة غيرية، ففي رواياتي السبع السارد العليم موجود في كل الأحوال، حتى لو احتفظ الكاتب بمسافة إجرائية بينه وبين الحدث، وبينه وبين النص، السارد موجود، لأن السارد العليم هو المراقب ، هو عين الصقر، هو الكاتب الذي يقود".
وأضاف أن "رواية مابعد الحداثة لها سماتها، ولكن لايهم التصنيف، لا نريد أن نعيد انتاج نجيب محفوظ، ولن نعيد سرديات الصحراء مثل إبراهيم الكوني، يجب أن يكون لكل كاتب طريقه، لا يمكن أن نكون تولستوي أو هيمنجواي أو إميل زولا ، المطلوب أن نكون شخصيات أخرى إن أمكن، اعتمادا على لغتنا وثقافتنا وموروثنا الانساني. من هذا المنطلق أحاول على المستوى الشخصي أن ألزم نفسي بطريقة كتابية مونتاجية، فيها نوع من التقطير ونوع من الارتباك في الحبكة، لأني أعتقد أن الانسان المعاصر لديه مونتاج ذهني يساعده على أن يقرأ مثل هذه المتفرقات، والتداعيات والمجزوءات لتتحد في أفق ما".
مداخلات وآراء
قال الناقد محمد نجيب قدورة : "الأخطاء التاريخية في النقد تحدث، عندما أقارن بين المتنبي والمعري أكون مخطئا، فالمتنبي بفكره وأحاسيسه ومشاعره كان واضحا في كل ما يكتب، بينما المعري لم يكن كذلك، فهو الذي رأى الأشياء بقلبه وليس بعينه لأنه كان كفيفا، لذلك لا أستطيع أن أحكم عليه" .
"في النقد لايجوز المقارنة بين كاتب وآخر، وإلا استمرت الدنيا على نفس النسق، لو كان الكتاب كلهم نجيب محفوظ ما استفدنا شيئا ، المقارنات أحيانا تكون مجحفة في حق المبدع ذاته، فلكل انسان شخصيته في تجربته، وكما قال أحد الفلاسفة " أنا لست أنت ولا أنت أنا"، فلكل منا مشاربه ومنابعه، حتى لو كنا توأمين وأردنا أن نعبر عن الأشياء لن نعبر عن الأمر بنفس الطريقة".
"النقطة الأخرى، تختص بالرواية الفلسفية، فالفلسفة تتجاوز النص، أنت عليك أن تربط بين هذا اللون وهذا اللون ، وتخرج برؤيتك الخاصة".
وقال الروائي والصحفي محمد ولد سالم : "رواية "المتسرنمون" تأتي في سياق روائي بدأه الدكتور عمر عبدالعزيز عبر مجموعة من الروايات، وهو يحاول في كتاباته الروائية أن يجد رابطا بين التصور الفلسفي للوجود وهو التصور المحض المبني على المفاهيم الفلسفية وبين السرد الروائي، هذه البنية تجد لها تبريرا في البنية الفكرية للدكتور عمر، فهو مفكر، إذا جلست معه استمتعت بفكره وحديثه وآرائه النيرة".
"هذا الفكر الذي ينحى إلى الفلسفة أراد الدكتور عمر أن يترجمه روائيا، ما يمكن أن نتوقف عنده نحن كقراء وروائيين أن ذائقتنا الروائية تشكلت عبر الحكاية، هذه الحكاية التي ينتظر أن تبدأ في الرواية وتتطور وتدخل في سياقها كل الخطابات، سواء الخطابات الفلسفية والاجتماعية والعلمية . كل الخطابات يمكن أن تدخل في الرواية، ولكن تقليديا يجب أن تدخل في سياق حدث، وهذا ما كان يتحدث عنه عبدالفتاح صبري".
"هذه الرواية بكل المعايير هي الدكتور عمر في تفكيره وتدفقه الفكري والسردي، في كلمته السلسة الجميلة، مصطلحاته التي يخترع لها تفسيره الابداعي الخاص، فهو لا يكرر تفسيرات ويبتكر تفكيره الخاص".
"عندما قرأت الرواية توقفت عند غيبوبة النوراني عندما كان مسجى في سرير المستشفى، هذه الرواية مفتاح لحكاية كان يمكن أن تتمدد وتقول وتستطيل لتدخل فيها كل الأشياء، ولكن رؤية الدكتور عمر أنه كان يريد أن يوازي بين مجموعة من الشخصيات، ذات التفكير الواحد، هذا التفكير المتسرنم، وقدم هذا التواشج بين الرؤية الروحانية، ومحاولة الخروج من الواقع للعيش في حياة روحانية، ولكننا كنا نحب أن تستطيل حكاية المستشفى، لأنها هي التي دفعت النوراني إلى الخروج من حياته الواقعية إلى الحلم".
وقال الناقد عصام أبوالقاسم : "من المهم أن الناس تكتب، في ضوء الرواية ومن خلال المشروع السردي للدكتور عمر عبدالعزيز أرى أن الكتابة مهمة للغاية، علينا أن نسجل حكاياتنا ولا نغفلها، وهذا ليس له علاقة بالخبر، ليس شرطا أن أكون روائيا لأكتب، المهم أن يكون لدي حكاية، بعد ذلك ، موضوع أنا جيد أو غير جيد ، يتحدد مع الوقت، لذلك كون الدكتور عمر يقدم رواية المتسرنمون وقبلها رواية "الشيخ فرح ود تكتوك" رغم ما يواجهه من تحديات تقنية ، ومنها الكتابة من مجال إلى آخر، وبالرغم من تحديات أيضا في التعامل مع الذاكرة الشخصية والقرائية ، كل هذا جهد مهم" .
"بعض الأفكار حاولت أن تؤطر العمل في قالب لديها أفكار مسبقة عنه، عندما تطرح أسئلة حول عمل قدم لك على أنه رواية، هل علينا أن نتوجه لهذا العمل وفق التصنيف الذي اختاره المؤلف عى غلافه؟، هل سأقرأ العمل بوصفه رواية، أم أقرأه ثم أحدد قيمته من عناصره الداخلية؟، هذا السؤال يطرحه العمل، وظهر في المداخلات، لدينا حوالي أربع وجهات نظر في العمل، وهذا جزء مما تثيره الكتابة بشكل عام، عندما يطرح مؤلف ما يحدث هذه الاستجابات المتنوعة".
"لست في معرض تصحيح أو تصويب، ولكن أرى أن من المهم أن يحذو الناس حذو الدكتور عمر ، الذي أراد أن يروي حكاية، يمكن للحكاية أن لا تتجلى في رواية واحدة، يمكن أن تتجلى في مجموعة من الأعمال السابقة واللاحقة".
"رواية "المتسرنمون" فيه حكاية بل عدة حكايات ، وكل حكاية أوصلت لي استجابة محددة، لا أريد أن أورط نفسي في مهمة تصنيف العمل، فأنا لا أفضل قراءة عمل وفق فكرة مسبقة، لأن ذلك يخصم كثيرا من طريقة تعاملي مع العمل الفني".
تجليات فنية
حول معرض "مجازات" المصاحب للأمسية، قال الفنان التشكيلي خليفة الشيمي إن "الفنان الدكتور عمر عبدالعزيز، تشرفت بأن أكون معه في لحظات تجلياته ودمج أحاسيسه وانفعالاته وفق حدود المساحة واللون والضوء والبنية، هنا يتكون منجزه البصري الفني التشكيلي الذي يحدده أبعاده وزواياه كالمنحوتة أو اللوحة بنفس الانتماء والاندماج، الذي يتراكم فيه تحديداته بين الخامة والفكرة والرؤية والمحاضرات والجدليات الفلسفية والوجودية، وبالتالي فإن التعبير المجرد المبني على نص سردي صاغه الدكتور باقتدار وانسيابية ، استطاع من خلاله أن يقدم أعمالا بسيطة مدهشة التأثيرات . من هنا تتجلى داخله لحظات إبداعية مكتملة ومتناسقة تتكيء على التركيز الإنساني الجمالي المتدفق بكثافة، وتداخل الواقع والإبداع والخيال بكل مثيراته".
وأضاف "أرى في هذا التسرنم نسق تم تنظيمه في تجريداته بشكل سهل بسيط يوحي بالغنى والتنوع وبمعان تتصل بفضاءات ترسي لنا مداخل قراءة مشيدة على إحالاته البصرية، وما ستلتقطه لنا آليات الكشف عن المآثر والوقائع".
وأوضح الشيمي أن "الدكتور عمر الفنان تركنا نبحر في قوالب صغيرة كما رأيناها في لوحاته، لا تتسع إلا لشخص، أو اثنان على الأكثر، حتى لا نتزاحم في خيالات مجازية ونطلق العنان لحرية الولوج متسرنمين في حضرة الجمال والجلال".
وقال إن "الفنان قدم لنا من خلال هذا المعرض العديد من الرؤى التي تجرد الصورة وتفككها بصريا، حتى تخلق وصلا بين ما نراه في الحقيقة وما نبصره في الخيال، وقد فتح منافذ ألوانية وأفكارية أمام العقل وفق الأداءات التعبيرية المرصودة والموحية بالفكرة والمشهد، فعمل على ترويض الذائقة البصرية، ليثير خيالاتها بطريقة سهلة بعيدا عن تعقيدات التجريد والتشكيل".
مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
نعم
69%
لا
20%
لا أعرف
12%
|
المزيد |