رفيق الرضي*
في كتاب نزهة الظرفاء وتحفة الخلفاء، لمؤلف الكتاب الملك الأفضل العباس بن علي الرسولي الغساني، سادس ملوك الدولة الرسولية في اليمن للفترة 1363 – 1376 ميلادية، يتضمن الكتاب الحديث عن الآداب والوصايا السلطانية، أو مرايا الأمراء كما أشار إلى ذلك محقق الكتاب الباحث عبد الله بن يحيى السريحي.
والكتاب صادر عن دار عناوين للنشر، الدار اليمنية التي أهتمت بإخراج التراث الأدبي في اليمن، في لفتة على جانب كبير من الأهمية كون الكتاب يؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ اليمن ومؤلفه أحد ملوك الدولة الرسولية التي حكمت اليمن لأكثر من قرنين من الزمان خلال الفترة بين 1229 – 1454 ميلادية، وامتدت حدود الدولة في فترة ازدهارها من ظفار إلى مكة المكرمة، وكانت تابعة للدولة العباسية حتى بعد سقوط بغداد على يد المغول، في مسعى لكسب شرعية في الحكم.
العصر الرسولي
يعتبر البعض العصر الرسولي أحد أزهى الفترات في تاريخ جنوب الجزيرة العربية، حيث أهتم الرسوليين بمحاربة الجهل وإرساء العلم ببناء المدارس وحظ الناس على التعلم ومكافأة العلماء، كما أقروا الحرية المذهبية والدينية، وتشير المصادر إلى أن الرحالة ماركو بولو أشاد بالدولة الرسولية خلال هذه الفترة ونشاطها العلمي والتجاري والعمراني وكثرة القلاع والحصون بالبلاد، فكان عهد الدولة الرسولية من أفضل العصور التي مرت على جنوب الجزيرة قبل وبعد الإسلام، ومن آثار دولة بني رسول الباقية اليوم قلعة القاهرة في مدينة تعز عاصمة الدولة الرسولية وجامع ومدرسة المظفر ولعدد من ملوكهم مؤلفات في الطب والصناعة واللغة.
خزائن كتب
ودليل على اهتمام الدولة بالعلم والتأليف، يشير المحقق إلى إحدى خزائن الكتب للملك المؤيد داود بن يوسف بن عمر بن رسول (جد المؤلف)، التي كانت تحتوي على مئة ألف كتاب، كما أشار المؤلف إلى أن أهمية الكتاب تكمن في أن مؤلفه أحد الملوك والسلاطين، كون المتعارف عليه أن يتم تأليف مثل هذه الكتب من قبل العلماء أما بطلب من الحاكم أو بمبادرة ذاتية بغية إصلاح حال الأمة، من خلال سن تشريعات ونظم ترتب للسلوك في بلاط الحاكم.
وفي هذه البيئة العلمية الخالصة، نشأ الملك الأفضل العباس بن علي الرسولي الذي تفرد بغزارة مؤلفاته التي أشار إليها محقق الكتاب، ناهيك عن حسن إدارته للدولة وشؤونها لما تميزت به شخصيته من الذكاء والحزم والحنكة السياسية، ونجاحه في إرساء دعائم الأمن والاستقرار، رغم كثرة المناوئين من عشيرته وأبناء عمومته، ونجح في عقد علاقات مع المماليك في مصر والأشراف في الحجاز وملوك الهند وشرق أفريقيا، وقل ما نجد ذلك من حسن تنظيم الوقت وتخصيص جزء منها للعلم.
وبرغم أن المحقق يخلص إلى أن بعض مؤلفات الملك الأفضل قد ساهم في وضعها بعض أهل العلم، وأن تم ذلك فبإشراف وتوجيه منه، مع الزيادة عليها، إلا أن بعضها من تأليفه خالصاً، مع إدراك صعوبة تمييز هذا وذاك، لكن الأهم من ذلك تشجيع المؤلف للعلم والعلماء ورعايته طلبة العلم وبناء المدارس ومنها المدرسة الأفضلية في تعز، والمدرسة الأفضلية في مكة، والأوقاف الجليلة التي أوقفها لهاتين المدرستين وغيرهما.
محاور مهمة
يتضمن الكتاب عدد من المحاور يتركز المحور الأول حول أدب النفس ويتضمن مجموعة من النصائح الأخلاقية والقواعد السلوكية الواجب على الحاك اتباعها، وكيفية تعامله مع رعيته. ويناقش المحور الثاني بمعالجة سياسة المُلك، والسياسة التي ينبغي على الملك اتباعها في إدارته شؤون الدولة، وكيفية اختيار حاشيته ومستشاريه وغيرها من الجوانب ذات الأهمية للحاكم، بينما يتضمن المحور الثالث آداب البلاط ووضع مدونة سلوك الحاشية والرعية في تعاملهم مع الحاكم.
وكون المؤلف ملكاً، فقد أكد على أهمية السلطة والسلطان ووجوب طاعته وتعظيمه، وذكر آداب ينبغي على من يجالس الملوك الالتزام بها، وبين أن من أهم واجبات السلطان العدل وحسن السيرة وأن يكون القدوة الحسنة للرعية، وأن يتصف بالحلم ويترفع عن الصغائر، وفي نفس الوقت تطرق إلى أهمية اختيار عماله ورجال دولته من ذوي العلم والكفاءة والأمانة، وضرورة مراقبة عماله ومنعهم من الظلم والتعسف، وحذر من علماء ومستشاري السوء، ووجوب تحري رد فعل الناس الحقيقي على سياسته وألا يكتفي بما ينقله إليه هؤلاء. وأشار إلى أهمية إلمام الحاكم بسير وأخبار من سبقه من الملوك حتى يتجنب الوقوع في الأخطاء التي وقعوا فيها، وأن يكون عالماً واسع الاطلاع والمعرفة، مع بيان العلوم والمعارف التي ينبغي أن يلم بها الملك.
الجدير بالذكر أن للباحث والمحقق عبد الله السريحي عدد من التحقيقات منها مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، وكتاب من مصر إلى صنعاء، رحلة في بلاد العربية السعيدة تأليف نزيه مؤيد العظم، والكتاب الأشهر معجم البلدان لياقوت بن عبد الله الحموي، إضافة إلى الكتاب موضوع المقال.
ــــــــــــــــــــــــ
* شاعر وكاتب يمني