الشارقة: معارض.
الكلمة المفتاحية في معرض "درفة الحكاية" للفنانة الإماراتية سلمى حمد المري في النادي الثقافي العربي في الشارقة، هي: نحن هنا على هذه الأرض منذ عصور وعصور.. نحن هنا.. تاريخ ممتد وحضارة عميقة الجذور وحياة نابضة بالعمل والحركة.. شواهد ماثلة من عمارة ومشغولات ونقوش وأزياء وزينة وطبيعة.. ونساء مكافحات صبورات ورجال بعزائم لا تكل.. نحن هنا على أرض الإمارات تاريخ يعود إلى عهود بعيدة في الزمن، ولم نأت بالصدفة دولة حديثة متطورة.. كان ذلك ثمار عصور وعصور من الكفاح خاضها أجدادنا مسلحين بالصبر والرضى بالقليل مع المحبة والإيثار حتى سلموا لنا الراية ناصعة شامخة، لنخوض نحن حياة جديدة مختلفة كليا، لكن علينا أن لا نقطع الصلة أبدا بأولئك الأجداد، فتراهم هولب حقيقتنا، وجوهر هويتنا..
ذلك هو المعني العميق الكامن وراء المعرض الشخصي الاستعادي لمجمل أعمال هذه الفنانة الرائدة، وهو ما عبرت عنه هي نفسها في الجلسة التي أعقبت افتتاح معرضها "درفة الحكاية" في النادي الثقافي العربي في الشارقة، بحضور علي المغني نائب رئيس مجلس إدارة النادي ود.عبد العزيز المسلم مدير معهد الشارقة للتراث وناصر الدرمكي عضو مجلس إدارة النادي.
حضر افتتاح المعرض عدد غفير من الفنانين الإماراتيين والعرب المقمين احتشدوا للاحتفاء بفنانة تشكيلية من رواد الحركة الفنية في الإمارات، ومن اللواتي اكتسبن أسلوبا فنيا خاصا يحاول أن يجد مساحة تماسّ بين السريالية والواقعية، عبر شخصيات مشوهة وأسطورية تدخل في علاقة حوار مباشر عبر علاقة التجاور مع شواهد ورموز تراثية إماراتية في محاول لصناعة حكاية ما، لا تصنعها سلمى المري، ولا تمليها على المتلقي لكنها تلقي إليه بعناصرها المحتشدة بأساليب متعددة داخل اللوحة وتترك له حرية اختيار الطريقة التي سيحكي بها تلك الحكاية، وهي تعرف أنه مهما كانت وجهته في الاختيار فإن منطلقه ومرجعه سيكون دائما تلك الشواهد والزموز التراثية.. التي هي مصراع "درفة" مفتوح على الهوية الإماراتية المتجذرة في التاريخ والحاضر.
في تقديمه للجلسة التي تلت افتتاح المعرض قال الفنان خليفة الشيمي منسق المعارض الفنية في النادي إن سلمى المري فنانة إماراتية ولدت في رأس الخيهم، وهي إحدى رواد فن التشكيل في الإمارات، وحاصلة على بكالوريوس فنون جميلة من القاهرة عام 1985، عملت مدرسة فنون وموجهة تربوية، وهي عضوة في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية ومؤسسة غاليري سينار في دبي،
أقامت العديد من المعارض الشخصية لمجموعاتها الفنية "مركز اهتمام" و"أنماط البشر" و"ترددات" و"أهازيج وجدانية"، و"تحت الحصار"، و"سونار"، و"حضور"، و"حكايا الأرض"، و"تخاطر"، كما شاركت في العديد من المعارض والملتقيات الجماعية المحلية، والدولية في أمريكا وفرنسا واليونان واليابان ومصر وتونس المغرب وإيران واليمن والكويت وقطر، ويجمع عملها ما بين الرسم والتصوير والنحت البارز، وذلك من خلال استخدامها ألوان الأكريلك بتقنية خاصة، وتستمد موضوعاتها من المخزون الوجداني والروحي والأسطورة والموروث.
كتب الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي ورقة تقديمية لمعرض درفة الحكاية الفنانة سلما المري جاء فيها: "يمكن وصف المقترحات الفنية التي تقدمها الفنانة سلوى المري باعتبارها جملة بصرية واحدة تستأنس بتعددية الأنساق الناجمة من المراحل التاريخية والانتربولوجية للمجتمع الإماراتي، فمنذ الوهلة الأولى للمشاهدة يقف المترفج أمام سيادة الألوان الرملية المتصلة بالبني والرمادي والأصفر المتهادي على استحياء، في تأكيد متواصل على استمراريتها في زمن الإبداع للفنانة سلمى.. هنا تصبح الأسطورة الرافعة الأكثر أهمية في بحثها البصري الثقافي، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار شمولية (أسطرة) التاريخ ، وحضورات اللقى الأثرية والقصص الاسطورية في ذلك الحضور.
تبدو المنظومة الفنية المعروضة كما لوأنها جملة بصرية واحدة، وجدير بالذكر هنا أن محاولات الاستدعاء الممعن للاسطورة تنطوي على إقرار بفقه التحولات والتوليدات الدلالية والتناميات الذوقية القادمة من أصل وتضاعيف التجربة، يبقى القول أن تجربة الفنانة في أعمالها كبيرة الحجم انطوت على استرجاعات ذكية لفكرة (الخواتم)".
الجلسة شهدت أيضا مداخلة للدكتور نهی فرّان، قالت فيها "في معرضها الشخصي «الحكاية»، تؤسس الفنانة سلمي المري خطابات، بعضها إيديولوجي والآخر معرفي وتناقش معاني ومرامي وأسرار الروح، التي هي من وجهة نظرها، أساس لكينونة الإنسان، وتكشف المري لنا أيضاً من خلال بعض الرموز في لوحاتها عن الآلية التخاطرية التي تتجاوز حدود الزمان والمكان لتستكشف الروحانية الممتدة عبر التاريخ.
وتأخذنا في رحلة إلى عالم الأساطير، وتفسح المجال لتواصل المعقول باللامعقول، فيغدوالخيال واقعاً سعيا إلى تحقيق الوجود المعنوي، فلكل شيء معناه الخاص، والفن بالنسبة إليها هوجوهر النفس ولغة الذات للإفصاح عن مكنونات الإنسان وهواجسه وإرهاصاته."
وأضافت فرّان أن المري "تستلهم أعمالها من الموروث الثقافي الإماراتي والتراث بشموليته وتنوعه، ومن تاريخ الإمارات عبر مراحله المختلفة، ومن الآثار والأسطورة، وفق أسلوب فني خاص ومبتكر، وإيقاع يجمع بين الصوفية والوجدانية، وتأثرت بالعديد من المدارس الفنية، وهي لا تتوقف عن البحث الجمالي، والتجريب، ما أضفى على أعمالها أسلوباً خاصاً ابتكرته بوساطة اللون فقط، فهي تعمل على سكبه في قوالب معينة، ثم تستخدمه بعد جفافه بصفته عنصراً أساسياً في تكوين اللوحة".