المستهلك عندما يشتري سلعة، يكون من حقه إعادتها إذا اكتشف أن بها عيب مصنعي، فماذا تفعل الشعوب عندما تنتخب رئيسا ، ثم يتضح لها أنه غير صالح للحكم، بعض الشركات مثل شركات إنتاج السيارات تمنح مشتريها ضمانا يصل إلى 7 سنوات، فكيف نحرم الشعوب من إعادة "رئيس" غير مطابق للمواصفات؟.
في الدول الديموقراطية هناك علاقة تعاقدية بين الرئيس والشعب، في حالة فوز الرئيس عليه الالتزام بالعقد، ويعزز ذلك الاتفاق السياسي القسم الذي يتلفظ به الرئيس أثناء مراسم التنصيب، وهو إلتزام آخر يضعه الرئيس على نفسه، وغالبا ما يتضمن هذا القسم الوعد بالالتزام بالقانون والدستور.
ولكن ماذا يحدث لو تعدى الرئيس على الدستور أو القانون؟. صندوق الانتخاب ليس زواجا كاثوليكيا لا يمكن فسخه، ولكنه عقد اتفاق، على كل طرف الالتزام به، فإذا اخترق الرئيس لأحد بنوده يصبح للشعب الحق في خلعه.
البعض يرى أن عزل مرسي اعتداء على "الشرعية"، وانه كان علينا تركه يستكمل مدته القانونية، وإذا أردنا تغييره، فليتم ذلك بنفس الطريقة التي جاء بها وهي الانتخابات، وهو رأي ساذج يفتقد الرؤية والجدية والحجة، كما أنه يفتقد للمنطق.
"الشرعية" ليست تصريحا مفتوحا بالقتل، والفشل، والاعتداء على الحقوق والحريات، وهي تكون فاعلة ومستمرة مادام الرئيس ملتزما بشروطها، وتنتهي بمجرد مخالفة لهذه الشروط، وفي الحالة المصرية فإن شرعية الرئيس انتهت بمجرد اعتدائه على القانون، بإصداره إعلانا دستوريا، يمنح به لنفسه سلطات فرعونية، ليس ذلك فقط، ولكن حصن فيها قراراته من الطعن أمام أي جهة قضائية.
هنا كان على الشعب أن يقول له " STOP ، لقد خالفت القانون الذي أقسمت على الالتزام به، وعليك الرحيل الآن".
لقد انتهك مرسي القانون، بدلا من أن يحافظ عليه، واستهزأ بالقضاء بدلا من أن يعظم دورهم في إقرار العدالة، وهدد القضاة بقانون السلطة القضائية، وحاصر أنصاره المحاكم، مما أدى إلى تعطيل العدالة بها لشهور، واعتدى على حرية الرأي بتهمة "إهانة الرئيس"، وفرط في الأمن القومي بعدم غلق أنفاق غزة، واستمر في إصدار القوانين غير الدستورية، حتى أصبح يستحق لقب "رئيس ضد القانون.
البعض كان يريد منا أن ننصاع للشرعية مهما كانت النتائج و"رِجْلنا فوق رقبتنا" حتى لو فعل مرسي الكوارث. وهذا بالطبع مستحيل .
حلل الله الطلاق عندما تستحيل العشرة بين الزوجين، فكيف لا يحلل للشعوب أن تخلع طغاتها، الشركات تفسخ عقودها في حالة عدم التزام الطرف الآخر بالتزاماته، بل تضع شروطا جزائية مشددة تحفظ حقوق المتضرر، فكيف نحرم الشعوب من هذا الحق؟.
لقد عالجت النظم الديموقراطية هذا الإشكالية، وذلك بالاحتكام للقانون، حيث يمكن للقضاء محاكمة الرئيس، واستجوابه، وعزله إذا استلزم الأمر، وفي الحالة المصرية كان يمكن للقضاء أن يجنبنا الكثير من الكوارث التي حدثت، ويخضع الرئيس للمحاكمة، وفي الدستور يوجد بند يوضح الكيفية التي نتعامل بها مع الرئيس في حالة مرضه، أو عجزه عن تأدية مهامه، ولكن الشيطان الذي أعد هذا الدستور حصن نفسه جيدا، وقصر إمكانية محاكمة الرئيس على تهمة الخيانة العظمى، وجعل هذه العملية صعبة ومعقدة.
ولا أدري ماذا نفعل في هذه الحالة؟ .. ماذا نفعل إذا تجاوز الرئيس واعتدى على الدستور والقانون .؟ ، هل نجعل للرئيس ـ كما يحدث في تعيين أي وظيفة ـ فترة تجربة لمدة ثلاثة شهور ، يصبح من حق الشعوب خلالها "فصله" بدون حقوق إذا اتضح أنه لا يصلح للعمل؟ . هل نلجأ للتصرف اللا أخلاقي الذي تلجأ إليه بعض شركات القطاع الخاص، والتي تجبر الموظف على التوقيع على إستقالته غير مؤرخة قبل التعيين، لضمان فصل الموظف عند الرغبة في أي وقت دون أي مسؤولية؟.
أن التمرد على الرئيس، والدعوة لانتخابات مبكرة ليست بدعة مصرية، فقد قامت بها دول عدة من بينها بولندا، وإيطاليا، وبلجيكا، والبرتغال، واليونان، وإسبانيا، وهي تتم عندما يكتشف الشعب أنه أخذ "مقلبا" في الرئيس، وأن عليه أن يمنح نفسه فرصة أخرى للاختيار.
لقد استقال الرئيس الألماني كريستيان فولف العام الماضي بعدما نشرت وسائل الإعلام خبرا عن قرض عقاري حصل عليه دون إبلاغ الدولة كما تقضى الأعراف . أما محمد مرسي فقد استمر طوال العام يمارس الكذب بدءا بمشروع "النهضة" ، ومرورا بزيادة محصول القمح، وانتهاء بصفقة طائرات شفيق، دون أن يهتز له جفن، حتى عندما خرج 33 مليون شخص في 30 يونيو في الميادين يطالبونه بالرحيل رفض، بحجة "الشرعية"، وفضل أن يدفع شعبه لحرب أهلية على أن يترك "الكرسي".
لقد وضع المصريون بثورتهم في 30 يونيو قاعدة جديدة للديموقراطية، وهي أن "شرعية الصندوق" ـ رغم عوامل الشك التي أحاطت بها في الحالة المصرية ـ لا تعلو على شرعية الشعب، وأن الشعب الذي منح صوته، يمكنه في أي وقت أن يسحبه إذا اكتشف أن من صوت له لم يكن أمينا عليه.
ديموقراطية اليوم ذكية لا يمكن خداعها، أو القفز عليها بالتزوير، والزيت، والسكر والأموال الخارجية، .. مسلحة بأنياب قادرة على خلع الطغاة والمفسدين في الأرض، .. مرنة يمكن أن تصحح نفسها بالتجربة. ديموقراطية لها "فترة ضمان" يمكن خلالها إعادة الرئيس إذا اكتشف الشعب أنه فاقد الصلاحية.