تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



ثالث ثلاثة .. تراتبية سردية تزاوج بين الواقعية والرمزية


 

 

 

 

د. إكرام عيد.

في رواية "ثالث ثلاثة"، يُجيد الدكتور أشرف مسمار زعزعة ثوابت القارئ منذ السطر الأول عبر مشهد افتتاحي صادم يجمع بين الرمزية المكثفة والبُعد البوليسي المحكم.. جثة معلقة بقضيب معدني ووشم غريب يُحمل القارئ على البحث في عمق النص عن دلالات تتجاوز الظاهر.


الوشم "يام.. لديك الماء لكن ليس لديك الروح"

ليس مجرد تفصيلة عابرة، بل هو مفتاح الدخول إلى قلب الرواية، حيث تتقاطع قضايا الهوية الوجودية مع عذابات الجسد والروح، في سردية تتحدّى القارئ فكريًا ونفسيًا.

تُبنى الرواية على تراتبية سردية متشابكة تعتمد "الفلاش باك" وتزاوج بين الواقعية الرمزية والتشويق البوليسي، لتطرح تساؤلات كبرى عن الذات، الهجرة، والتحولات الاضطرارية للإنسان في مواجهة مجتمعات متناقضة.

فمن خلال شخصيات مُعقدة كـ"يم" و"نونو" و"جيمس"، ينقلنا الكاتب إلى عوالم مُثقلة بالتصدعات النفسية والاجتماعية، حيث يُصبح الجسد ساحة معركة والهوية لغزًا دائم التشكل.

هذه الدراسة النقدية تسعى لتفكيك خيوط السرد المعقدة والرموز المتداخلة التي ينسجها الكاتب بعناية.

سنستكشف معًا كيف نجح الدكتور مسمار في تحويل موضوعات حساسة كالهجرة، التحرش، المثلية، والتحول الجنسي إلى قضايا أدبية تعكس بجرأة مآزق الإنسان المعاصر وصراعه مع نفسه والآخر.

تبدأ الرواية بمشهد صادم ومُتقن يحمل دلالات رمزية كثيفةجثة مثقوبة بقضيب معدني كخازوق، في إشارة درامية لعذابات الجسد والروح.

 يلفت الوشم الغريب الأنظار ليكون رمزًا ميتافيزيقيًا تتجلى فيه أزمة هوية وجودية.

 "يام.. لديك الماء

لكن ليس لديك الروح"

اختفاء المرافقة الألمانية يُضفي على المشهد أجواء بوليسية مُحكمة، تجعل من الافتتاحية جسرًا مُحكمًا بين الرمزية والواقع الغامض.

يمتزج الماء كرمز للحياة مع فكرة افتقاد الروح كدلالة على الانفصال النفسي والمعنوي، مما يُمهِّد للقارئ بحثًا طويلًا في أعماق الشخصيات.

الوشم يصبح علامة مستمرة على تمزق الهويات واغتراب الشخصيات في عالم مضطرب.


" رسالة يم " عتب وشرارة الانتقام

تتخذ الرواية مسارًا نفسيًا أعمق حيث نطَّلع على رسالة عتاب من "يم" إلى "يام".

 تُعبّر الرسالة عن خيبة عاطفية وتحول هذا الألم إلى رغبة دفينة في الانتقام، مُؤسسة لعالم الشخصية الداخلي المتأزم.

الرسالة ليست مجرد عتاب؛ بل هي صرخة مكتومة تعكس الغليان الداخلي لـ"يم"، حيث يتجلى الغضب كرد فعل مُركَّب على الإحساس بالخذلان. الكلمات هنا تتشابه مع لغة الشعر القاسي التي تُفضح هشاشة إنسانية معذبة.


"نونو" والبلوغ القاسي عبثية الجسد

تتذكَّر "نونو" الطفلة مراحل بلوغها الصادمة في غياب الأم ودور الأب السلبي. يتصاعد التوتر النفسي مع مشهد التحرش من امرأة، وهو حدث يكسر الصورة التقليدية للمعتدي ويضع الجسد الأنثوي في موضع الصراع والخوف.

الجسد هنا يتحوَّل إلى "ساحة معركة"، ليس فقط بين الطفولة والنضج، بل بين البراءة المشوَّهة والمعايير الاجتماعية القامعة. يعكس هذا الفصل من الرواية كيف يبدأ تَشكُّل هوية "يم"  المتأزمة مبكرًا، وسط بيئة مختلة ترفض تقبُّل الاختلاف.


رحلة يم من دمشق إلى ألمانيا"    عبء اللجوء

"فلاش باك"، نستعيد رحلة يم المُرهِقة من الغوطة إلى ألمانيا حيث الحرب تهدم الأوطان وتُعيد بناء أرواحٍ مُثقلة بالضياع. ترتبط تجربة يم بالزواج والخسارة واللجوء، في بيئة جديدة تكشف هشاشة الإنسان الممزق.

تُمثّل هذه الرحلة انعكاسًا للصراعات الاجتماعية والسياسية التي تعيشها الشخصيات، حيث يتحوَّل اللجوء إلى انتقال من حرب خارجية إلى حرب داخلية

صراع الهوية والانتماء. تظهر شخصيات مثل سامي وسلمى وفردفالد كأدوات لبناء العمق النفسي ليم.


جيمس/يام - الطهي والعزلة

نلتقي جيمس، أو "يام"، كبير الطهاة في فندق "الكس" ببرلين. الطهي هنا ليس مجرد مهنة، بل رمزٌ لاستعادة السيطرة على الحياة وسط فوضى الذات. ينتهي الفصل بتلميح عن علاقة غامضة مع "نونو".

يمثل الطهي فعلًا رمزيًا يُعبّر عن إعادة تشكيل الذات من جديد. في المقابل، تُحيط العداوات الشخصية بجيمس كدلالة على اغترابه عن نفسه والآخرين.


" نونو والتحرش"  حضور الأب وصدمات الماضي

يعود التركيز على "نونو" وهي تستعيد أوجاع الماضي المُتجسد في التحرش والغياب الأبوي. يظهر الأب كظل ثقيل يُعزز فكرة الانفصال العاطفي والاجتماعي مما يُرسّخ الصراعات المستقبلية.

يعكس هذا الفصل كيف تصبح الطفولة جرحًا أبديًا يُغذّي قرارات المستقبل، فالتحرش ليس فقط فعلًا جسديًا، بل هو أيضًا بداية تفكيك هوية ترفض ذاتها.


مسيرة المثليين " حب يم وإيلينا

تتطور علاقة "يم" مع إيلينا ضمن أجواء مسيرة المثليين وهو مشهد يكشف صراعات الحب والتقبل في عالم يرفض الآخر المختلف.

تمثّل علاقة يم وإيلينا تحررًا نسبيًا ليم من ماضيها. لكن هذه المسيرة تكشف ازدواجية القبول قبول الآخر دون قبول الذات.


" رسالة جيمس/يام لإيلينا"

يُعبّر جيمس عن حبه لإيلينا في رسالة تعكس رغبة مُلحّة في العثور على القبول العاطفي، رغم صراعه المستمر مع هويته.

هنا تتجلّى هشاشة الحب كفعل إنساني، وكوسيلة للهروب من الألم الداخلي الذي يُمزق الشخصية.


" التحول الجنسي " الصراع والمواجهة

تتخذ يم قرارها بالتحول إلى امرأة، بمساعدة فردفالد. تتصاعد التوترات الاجتماعية والنفسية، بينما تُطرح آراء علمية حول المثلية والتحول الجنسي. في النهاية، نكتشف أن "نونو" هي طفولة يم، وأن "جيمس" هو تمثُّل لاحق لتحوُّلها لرجل.

التحول هنا ليس مجرد تغيير جسدي، بل هو صراع بين "الخلاص" و"التدمير".

تُضيء الرواية على الصراعات النفسية العميقة المُصاحبة للتحول، وكيف يُصبح الهروب من الذات طريقًا جديدًا للضياع.


' العودة إلى مسرح الجريمة " الخلاص الرمزي

في عودة دائرية إلى مسرح الجريمة، ينكشف أن القتيل هو "يام"، وأن فعل القتل يُمثّل رمزيًا موت الماضي وبعث الهوية الجديدة "يم".

النهاية هنا فلسفية بامتياز؛ حيث يُصبح القتل خلاصًا رمزيًا من القيود القديمة. الجريمة ليست مجرد قتل مادي، بل هي انتقام من ماضي "يم" الذي حكم عليها بالاغتراب.

تتألق الرواية بأسلوب سردي متشابك، يوظف "الفلاش باك" والتشويق البوليسي لكشف صراعات نفسية واجتماعية معقدة.

تتجاوز الرواية القضايا الفردية لتطرح تساؤلات كبرى حول الهوية، الجسد، والحب في مجتمعات متناقضة.

هذه قراءة رمزية تربط بين مسرح الجريمة، الوشم، وفعل الطهي كأدوات للتعبير عن الهوية الممزقة، وكيف نجح الكاتب في موازنة الجرأة الفكرية مع الإنسانية في طرح قضايا الهجرة، المثلية، والتحول الجنسي.

 

 

 


 

 


تاريخ الإضافة: 2024-12-13 تعليق: 0 عدد المشاهدات :822
1      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات