الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية استرداد العدالة
باريس: روبو أديب.
في خطوة قد تمثل تحولًا دبلوماسيًا مهمًا، أعلنت فرنسا مؤخرًا اعتزامها الاعتراف بالدولة الفلسطينية. يأتي هذا القرار في خضم تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وتزايد الضغوط الدولية لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
جاء هذا الإعلان من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في يوم الخميس الموافق 24 يوليو 2025، حيث أكد أن فرنسا ستقوم بالاعتراف الرسمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
فهل يمثل هذا القرار بالفعل هزيمة دبلوماسية للمعسكر الأمريكي، أم أنه جزء من تحولات أوسع في السياسة الدولية تجاه القضية الفلسطينية؟
وقد كتب ماكرون في منشور على منصة "X" (تويتر سابقًا) وفي رسالة موجهة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن هذا القرار يأتي "وفاءً لالتزامها التاريخي من أجل سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط". وأشار إلى أن "الحاجة المُلحة اليوم هي إنهاء الحرب في غزة وإنقاذ السكان المدنيين"، مجددًا دعواته لوقف إطلاق النار الفوري، ووصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن.
سياق القرار الفرنسي: دوافع وتوقيت
تعتبر فرنسا من الدول الأوروبية الكبرى التي طالما دعت إلى حل الدولتين، لكنها كانت تتحفظ على الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية دون التوصل إلى اتفاق سلام شامل. يرى مراقبون أن هذا التحول في الموقف الفرنسي يأتي مدفوعًا بعدة عوامل:
تزايد الإحباط الدولي: هناك شعور متزايد بالإحباط داخل المجتمع الدولي، وخاصة في أوروبا، بسبب الجمود في عملية السلام واستمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يقوض حل الدولتين.
الضغط الإسباني والأيرلندي والنرويجي: جاء القرار الفرنسي بعد اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية، مما شكل ضغطًا إضافيًا على باريس للانضمام إلى هذا التوجه.
الوضع الإنساني في غزة: الحرب في غزة والوضع الإنساني الكارثي هناك قد تكون عاملًا محفزًا لتسريع هذا الاعتراف، بهدف إظهار الدعم الدولي للشعب الفلسطيني والضغط من أجل حل سياسي.
تعزيز الدور الدبلوماسي الفرنسي: تسعى فرنسا إلى استعادة نفوذها الدبلوماسي في المنطقة، والظهور بموقف أكثر انسجامًا مع مطالب العدالة الدولية.
دلالات الاعتراف وانعكاساته المحتملة على حقوق الشعب الفلسطيني
الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل دولة بحجم فرنسا، عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وقوة أوروبية مؤثرة، يحمل دلالات رمزية وسياسية عميقة، وقد تكون له انعكاسات إيجابية على حقوق الشعب الفلسطيني:
تعزيز مكانة القضية الفلسطينية: يمنح هذا الاعتراف زخمًا إضافيًا للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية، ويؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
دعم حل الدولتين: بالرغم من أن الاعتراف لا يحل الصراع بحد ذاته، إلا أنه يعزز مبدأ حل الدولتين كإطار وحيد مقبول للسلام، ويقوض الروايات التي تسعى لفرض حلول أحادية.
الضغط على إسرائيل: قد يزيد هذا الاعتراف الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إسرائيل للانخراط بجدية أكبر في مفاوضات السلام، والتوقف عن الإجراءات التي تقوض فرص السلام، مثل التوسع الاستيطاني.
دعم المؤسسات الفلسطينية: يمكن أن يسهم الاعتراف في تعزيز شرعية المؤسسات الفلسطينية، ودعم جهودها لبناء دولة قابلة للحياة، وتوفير الخدمات لشعبها. كما قد يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والدبلوماسي.
مساءلة الاحتلال: الاعتراف بدولة يعني الاعتراف بشعب له حقوق وسيادة، مما قد يعزز الدعوات إلى مساءلة الاحتلال الإسرائيلي عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي.
تحديات ومخاطر محتملة
على الرغم من الإيجابيات المتوقعة، يواجه هذا القرار تحديات ومخاطر محتملة:
رد الفعل الإسرائيلي: من المتوقع أن تواجه فرنسا رد فعل إسرائيليًا غاضبًا، قد يشمل إجراءات دبلوماسية واقتصادية مضادة، كما حدث مع الدول الأوروبية الأخرى التي اعترفت بفلسطين.
انقسام أوروبي: قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تعميق الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث لا تزال بعض الدول تتردد في اتخاذ خطوة مماثلة.
غياب الأفق السياسي: الاعتراف بحد ذاته لا يخلق الأفق السياسي اللازم لإنهاء الصراع. يجب أن يتبع ذلك ضغط دولي منسق لإجبار الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات بحسن نية.
تعزيز الانقسام الفلسطيني: في ظل الانقسام الفلسطيني الراهن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، قد لا يؤدي الاعتراف إلى توحيد الصفوف الفلسطينية بشكل فوري، وهو أمر ضروري لبناء دولة قوية وموحدة.
الخلاصة.. إن اعتزام فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل خطوة دبلوماسية مهمة قد تساهم في دفع القضية الفلسطينية إلى الأمام وتعزيز حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوة في تحقيق أهدافها يعتمد بشكل كبير على كيفية استثمارها دبلوماسيًا، والقدرة على حشد المزيد من الدعم الدولي لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة. يبقى التحدي الحقيقي في تحويل هذا الاعتراف الرمزي إلى واقع ملموس على الأرض، يضمن العدالة والسلام للشعب الفلسطيني.