كل مناطق الوطن يجب أن تأخذ حقها في التنمية، وفق خطوات علمية مدرسة، وخطة إكتوارية تستقريء مستقبل مصر خلال 20 عاما، ولكن سيعتمد برنامجي على تنمية ثلاث مناطق رئيسية، لأهداف تنموية وسياسية. هي:
1ـ سيناء:
عانت سيناء من إهمال متعمد من النظام السابق على مدى ثلاثين عاما، رغم أنها عمق مصر الحضاري والأمني في مواجهة لإسرائيل، وعانى أبناءها من التمييز والتخوين، وتم تصويرهم دائما على أنهم مصدر للخطر.
لذلك يجب الشروع فورا في تعمير سيناء من خلال خطة سريعة تعتمد على نقل التنمية من ناحية، وتأسيسها من ناحية أخرى، والنقل يعنى نقل عدد من المشاريع الكبرى، وتسكين مليون شخص كمرحلة أولى إلى سيناء، إضافة إلى تأسيس التنمية، ببدء مشروعات تنموية عملاقة، لأن التواجد الاستثماري والبشري في المنطقة جانب مهم من جوانب التنمية من ناحية، وجانب مهم لحماية جبهة مصر الشرقية يجهض أحلام إسرائيل التوسعية، ويمنع تحول هذه المنطقة إلى بؤر للإرهابيين أو المهربين أو المتسللين عبر الحدود.
2ـ الصعيد:
عانت محافظات الصعيد على مر الأنظمة السابقة من الإهمال، ولعل الدليل على ذلك أنها أقل المناطق تنمية، سنعمل على تنمية الصعيد وفقا لخطة اقتصادية شاملة تنقله نقلة كبرى ليكون مركزا حضاريا واقتصاديا، ليس في البلد فحسب، وإنما في المنطقة ككل.
3ـ النوبة:
يطالب النوبيون بالعودة إلى منطقتهم السابقة على ضفاف بحيرة ناصر، خلف السد العالي، وأتفهم هواجس الدولة في ذلك، وهي الخوف من مطالبتهم بالانضمام إلى قبائل السودان المجاورة، ولكن إذا تم تطوير منطقة النوبة الحالية، وجعلها بؤرة نهضة شاملة، لن يطالب أحد بالرحيل عنها، على العكس سيتمسكون بها.
سنعمل على إعادة النوبيين إلى مناطقهم من خلال مشروع تنموي متكامل يحول هذه المنطقة إلى مركز جذب سياحي، وبؤرة نهضة اقتصادية شاملة.
مطالب النوبيين بالعودة، والتنمية الاقتصادية، والتمثيل الانتخابي بدائرة مستقلة، وهي مطالب مشروعة، معظم دوافعها نفسية، فهم يشعرون بالظلم بعد ترحيلهم عن مناطقهم، بسبب بناء السد العالي، ولو لبينا مطالبهم النفسية بالعودة ومطالبهم الاقتصادية بالتنمية لانتهت المشكلة إلى الأبد.
4ـ حلايب وشلاتين:
منطقة "حلايب وشلاتين" جنوب مصر يجب أن يمنح الأولوية في التنمية الاقتصادية، ليكون معبرا تجاريا مهما للتجارة مع أفريقيا، ومرتكزا للتنمية في القارة الأفريقية.
"ثلاثية التنمية" التي نركز عليها في جميع محافظات مصر ستكون عناصرها الأساسية "بيت ومصنع وحقل"، بمعنى :
1ـ توفير المنزل للعامل.
2ـ توفير الحقل، لكي يكون قادرا على الزراعة.
3ـ توفير المصنع الذي يعمل به، لكي يكون قادرا على الإنتاج.
"ثلاثية التنمية" تعتمد على جناحي "الإنتاج، والتسويق"، فـ "الإنتاج" هو طوق النجاة للمجتمع والوطن، و"التسويق" كلمة السر في المرحلة الجديدة، لأنه لا معنى للإنتاج بدون تسويق ناجح.
والزراعة والصناعة مجالان رئيسيان يمكن أن يساهما في حل مشكلة مصر الاقتصادية، ويعبران بها إلى المستقبل.
ويتم ذلك من خلال مشروع قومي لتأهيل وتوظيف 5 ملايين عامل في مجالي الزراعة والصناعة وفق ضوابط معينة.
التنمية المحلية:
يعتمد هذا البرنامج على "التنمية المحلية" بمعنى دعم قدرة المحافظات على استغلال مواردها المحلية، ودعم الحرف والصناعات التي تشتهر بها، هدفا إلى الوصول إلى اكتفاء ذاتي في المحافظة أولا، والمساهمة في الناتج العام .
الأمر يحتاج إلى تشريعات لمنح المحافظات سلطات شاملة فيما يخص الإنتاج، وذلك بمتابعة عامة من الحكومة.
البوتجاز:
يستهلك دعم "أنابيب الغاز" 14 مليار جنيه من الميزانية، وهو مبلغ ضخم، يستوجب البحث عن وسائل لتقليل هذا المبلغ دون مساس بالخدمة المقدمة.
يمكن إجراء دراسة عن الغاز الطبيعي، ومدى إمكانية تقليل التكلفة من خلال تعميمه في المدن الكبرى كخطوة أولى، كما يجب إعادة النظر في أسعار تصدير الغاز للدول الأخرى وليس إسرائيل فقط، مع مراعاة الاكتفاء الذاتي من الغاز أولا قبل التصدير.
الخبز:
من العار أن يتقاتل المصريون على رغيف الخبز، وهم الذين كانوا يقرضون الدول ومنها بريطانيا العظمى، من المخزي أن نصل إلى هذه المرحلة بعد أن كنا قادة العالم. من المقلق أن يغطي مخزون مصر من القمح شهورا معدودة، تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح مطلب حيوي واستراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي.
الاقتصاد:
الاقتصاد عصب التنمية، وروح الشعوب، يقوى فتنهض، وتصبح أعظم الأمم، ويضعف فتمرض وتتسول من دول العالم.
لا شيء مضمون في عالم الاقتصاد، تماما كالصحة والمرض، يمكن أن تتعاظم الثقة في الاقتصاد فيقوى وينهض، ويمكن في المقابل أن تأتي أزمة اقتصادية تشبه الأزمة القلبية فتنهار المجتمعات، ورأينا ماذا فعلت الأزمة الاقتصادية في دول عدة مثل الإتحاد السوفييتي السابق في البداية التي تفتتت، ثم الدول الآسيوية ثم أميركا، واليونان التي توشك على الإفلاس، وإيطاليا التي تهتز بسبب أزمتها المالية، ومشكلات منطقة اليورو التي تهدد البلاد الأوروبية.
ومصر بعد الثورة دخلت في نفق اقتصادي، وانعكس ذلك في انخفاض الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي من 36 مليار دولار قبل الثورة إلى 22 مليار دولار بعدها، وبلوغ عجز الميزانية 134 مليار جنيه هذا العام 2011، وانخفاض الحركة السياحية، وتعثر المشروعات، وانخفاض متكرر للبورصة، وقد دفعها ذلك إلى طلب قروض من الخارج.
ورغم الجدل الذي حدث بشأن الاقتراض، وتحذير البعض من الاقتراض كحل سهل، ولكنه يعرقل مسيرة النهضة، ويضع في قدم الأجيال المقبلة كرة كبيرة من الحديد. إلا أن الحكومة المصرية ستسعى كما نرى إلى الاقتراض، ودخول دائرة النار. لافتقاد الرؤية الشاملة.
اللجوء للقروض الخارجية مهما كانت مسمياتها وتيسيراتها جريمة، وعلامة على فشل حكومة الدكتور عصام شرف السابقة، وفشل وزير الاقتصاد الأسبق الدكتور حازم الببلاوي الذي جاء لينقذ مصر من القروض، فساهم في خضوع مصر لها. القروض هي الحل السهل التقليدي، كمخدر االمورفين الذي يشعر المريض بالراحة، ولكنه لا يقضي على المرض، كما أنه يصيبه بالإدمان، وكان من المنتظر أن تملك مصر الحرة رؤية اقتصادية مبتكرة لحل المشكلة...
المشكلة في مصر أننا نتعامل مع الاقتصاد من أعلى، نتعامل مع الاقتصاد الكبير، وأعنى بذلك البورصة، والاستثمارات، والبنوك، والتحويلات الخارجية، واحتياطيات البنك المركزي، والقروض، وغيرها، نتعامل مع اقتصاد القمة، ونهمل اقتصاد القاعدة العريضة، وهو الاقتصاد اليومي الذي يمس حياة المواطنين.
الاقتصاد في الحقيقة ليس محصورا في مكان أو وزارة، أو مجال أو عدة مجالات ، الاقتصاد يدخل في جميع تفاصيل الحياة.. في الفن، والرياضة، والتجارة والصناعة، والتعاملات البسيطة بين المواطنين.
لقد اهتممنا بالجزء الظاهر من جبل الجليد، ولم نهتم ببقية الجبل المغمور. هناك اقتصاديات كثيرة لم يلتفت إليها أحد، وظلت غير معروفة لدى الحكومات وأصحاب القرار.
هناك اقتصاد سري لا تعرف الدولة عنه شيئا، يمارس دوره الإيجابي والسلبي دون رقيب.
نحن نؤمن أن القمة في الاقتصاد يجب أن لا تنفصل عن القاع، فما جدوى أن أصلح الأوراق والأزهار وأهمل الجذور، ما جدوى أن أصلح وأجمل وأعالج من جهة، بينما هناك من يخرب من جهة أخرى، لنكون بذلك كمن ينفخ في قربة مقطوعة
على سبيل المثال "الجمعية" التي ينظمها أبناء الطبقة الوسطى فيما بينهم أحد مظاهر الاقتصاد الشعبي وصورة مهمة من التكافل الاجتماعي، وهي أهم لدى المواطن من البورصة والبنك المركزي.
تاريخ الإضافة: 2014-04-11تعليق: 0عدد المشاهدات :986