أسوأ شيء أن تكون مهرجا في سيرك، ترتدي الملابس المبهرجة، وتضع المساحيق الملونة لتضحك الجماهير، .. "فرفيرة" وظيفتها إضحاك الأطفال، .. خادم مطيع يقف بلا شغلة ولا مشغلة حتى ينتهي السيد البدين من تناول الخروف، .. "بودرة تَلْك" يضعها الحلاقون على قفا الزبون لترطيبها بعد الحلاقة، ..، ورق تواليب يستخدم ـ أعزكم الله ـ في الحمام، تيس مستعار يتزوج الجميلة على الورق، ليكون محللا للحرام.
أسوأ مهنة هي مهنة مهرج الملك التي رأيناها في العصور الغابرة والذي كانت وظيفته أن يبعث البهجة والسرور في صاحب العصمة، حتى لو كان ذلك عن طريق الشقلبة، وعمل "عجين الفلاحة"، وشاعر البلاط الذي يدبج قصائد المدح الكاذب في السلطان.
أقبح الأدوار هو دور "الدوبلير" الذي يمثل الأدوار العنيفة بدلا من النجم المرفَّه، فيتعرض للضرب والسحل كلاكيت عشرين مرة، وأدنى شخص السكرتير الذي يتزوج العاهرة التي حبلت سفاحا ليحمى رجل الأعمال من الفضيحة. "يشيل" القضية حتى لا يدخل ابن الرجل الثري السجن.
أحط ناس الطبالون والغشاشون الذين يحيطون بالمسؤول، كالنمل، يمتدحونه، ويتغزلون به، ويعبدونه من دون الله، فإذا وقع المسؤول، قالوا جميعا في صوت واحد "يا فكيك"..!.
أتفه الأعمال عمل المستشار الذي كل مهمته التفكير بدلا من المسؤول المصاب بالزهايمر، أو "القبضاى" الذي تنحصر مهمته الكبيرة في الحفاظ على الراقصة المكتنزة بجسدها العاري من أيدي السكارى والمتحرشين، وأسوا منه الراقصة نفسها التي تتيح جسدها للأيدي تنهشها، وتدس الأموال في صدرها، وتلقي على رأسها الدراهم، وأسوأ من هذا وتلك صبي العالمة الذي ينحني ليجمع النقوط، فيبقى منحنيا للأبد.
أسوأ شيء أن تنافق صاحب العمل الغبي، وتمتدح الذكاء الذي يشع من عينيه المصابتين بالحول، وبعد نظره رغم أنه يرتدي نظارة مثل كعب كوب، وتداعب أطفاله المشاغبين، وعندما يصفعك أحدهم على وجهك، تكظم الغيظ وتبتسم، وتقول "مؤدب ما شاء الله"، تنحاز دائما للسلطة .. أي سلطة، حتى لو كان سواق الأوتوبيس.
أبشع المهن أن تكون قوادا على جسد امرأة، ترتزق من فحيح الأفاعي وآهات الألم، وتقبض راتبك من خزينة الشيطان، أن تأكل من عرق امرأة ضعيفة نحيلة شريفة، وأنت ضخم الجثة كالبغل تقعد في المنزل تدخن الشيشة، وترتب كراسي المعسِّل، أن تكون صحفيا تؤجر قلمك لمن يدفع.
البعض واجه نفسه، واختار طريق الخطأ، وأعطى ضميره أجازة، والبعض الآخر يعلم انحطاط الدور الذي يؤديه، ولكنه يصمت، كعامل البار الذي يضطر لإخراج الخمور للزبائن، ويشاهد على مدار عمله الأعمال غير الأخلاقية، ولكنه يصمت تحت ضغط الحاجة ولقمة العيش.
ولكن أخطر الفئات تلك التي تمارس المهن القذرة، ولكنها شرعت لنفسها الخطأ، ونست بمرور الوقت خطورة الدور الذي تؤديه، الاعتياد أحد الوسائل التي تدفع القذر لنسيان قذارة العمل الذي يمارسه، تماما كما يحدث في النحو عندما يعتبر الخطأ الشائع صواب، فعندما يشيع الخطأ يستأنسه الناس، ويضموه إلى تقاليدهم الخاطئة التي نشأت عن الاعتياد، ولكنك إذا دققت فيما يفعلونه ستكتشف أن خطأ. بل شديد الخطأ.
المجاملة قد تبرر الكثير من الأخطاء ، فعندما تحل المجاملة والمحسوبية والمحاباة يغيب القانون والأخلاق والمباديء. فمثلا "الإكرامية" أو البقشيش، او "حلاوة" أو "حلولو" ـ كما توصف في بعض البلدان ـ رشوة لا لبس فيها، ولكن الناس اعتادوا عليها واستأنسوها حتى أصبحت عرفا اجتماعيا، ليس ذلك فقط ، بل يمكن عن طريق الاعتياد أن تأتي لحظة يتم فيها تشريع الخطأ على لسان مفتى "نصف كم"، كما حدث عندما حلل أحدهم الرشوة عندما لا تجد أمامك سواها للحصول على حقك.
أحترم كثيرا الذين يمارسون مهنا بسيطة كالبيع في القطارات وفرش البسطات أمام المساجد، لأنهم لو أرادوا المال السريع لكانت هناك الكثير من المهن القذرة المتوفرة والتي تفتح أفواهها للمحتاجين، ولكنهم فضلوا الرزق القليل المرهق الشريف على المال السريع الملوث بالعار.
خير لك أن تبيع أمشاط وفلايات من أن تبيع نفسك، فالبائع الجائل البسيط يعود في آخر اليوم ليجمع قروشه القليلة فيبارك فيها الله، فتتحول إلى آلاف، أما أنت فتعود من السهرة وجيوبك مملوءة بالأموال، فيبارك فيها الشيطان فتضيع في غمضة عين.