اهتمت الثقافة العربية على مر تاريخها الطويل بفئات معينة من الناس، ولم تهتم بكل الفئات، وهذا واقع من الصعب تجاهله. لقد اهتمت بالدرجة الأولى بالمثقفين أنفسهم والمتعلمين الذين يتقنون القراءة والكتابة، ولكنها لم تصل في معظم الأحيان إلى الفئة العريضة من الناس، فئة أنصاف المتعلمين والمهنيين والأميين، من العمال والفلاحين والمراكبية والباعة الجائلين، وغيرهم من الفئات غير المتعلمة المهمشة اجتماعيا وثقافيا.
وبالنظر إلى أن هذه الفئات المهمشة تشكل الشريحة الأكير من المواطنين بالعالم العربي، حيث تبلغ نسبة العمال والفلاحين في مصر كمثال 50%، ظلت الثقافة العربية في مضمونهاالعام ثقافة الصفوة. ومن هنا كان مأذق الثقافة العربية.
ليس ذلك فحسب، ولكن مع عزوف الناس عن القراءة وتراجع الإقبال على المنتج الثقافي إلى حد مخيف، أصبحت الثقافة موجهة للمثقفين فقط، وأصبح الكتاب يكتبون لأنفسهم، وأصبح شراء الكتب بالدرجة الأولى مقتصرا على الكتاب أنفسهم.
المونولوج والشعر الشعبي والنبطي والزجل والحكواتي والصييت وعازف الربابة والمطرب الشعبي والنكتة عناصر عبرت عن النبض الشعبي لهذه الفئات المهمشة، وساعدت على إيصال نوع من الثقافة إليهم، ولكن ظل المواطن البسيط الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب بعيدا عن الغرف الثقافية المكيفة والتنظيرات والكاميرات التلفزيونية، محروما من الإنفاق الثقافي العام.
أهملت الثقافة العربية ثقافة من أهم الثقافات وأكثرها ثراء وتأثيرا في حياة الشعوب والأمم، وهي الثقافة الشعبية، ثقافة العامة والبسطاء، وتعاملت مع هذه الفئة بفوقية ظاهرة ، كالبواب الأسمر ـ جزء من الوجاهة الاجتماعية ـ ، كالفلكلور السياحي، وعاملتهم معاملة ذوى الاحتياجات الخاصة ، واستخدمت في ذلك رسائل إعلامية في منتهى السذاجة مثل رسائل "حسنين ومحمدين" و "وإدي ضهرك للترعة"..!!.
يجب أن نعيد تخطيط اتجاهات العمل الثقافي العربي، وأن تحصل الثقافة الشعبية على نصيبها من الدعم والضوء وميزانية الثقافة العامة، حتى لا تظل الثقافة العربية ثقافة الصفوة ، ويظل المثقف يغرد لوحده خارج السرب.