النقد غريزة أساسية، فعادة الملاحظة واستعراض المعرفة والرغبة في التعديل عادة بشرية، وهي تعني ـ رغم سلبياتها وبترجيح حسن النية ـ الرغبة في الإصلاح.
من هنا كان النقد أحد عناصر الأدب، وأحد الأبواب الكبيرة فيه، فعلى مر العصور الأدبية كان النقد هو المصحّح والموثّق والمقوّم لتيارات أدبية كثيرة، والعصور الأدبية المزدهرة واكبتها دائما حركة نقدية متطورة، والعصور التي انحدر فيها الشعر إلى الركاكة والتكلف والزخارف اللفظية كالعصر العباسي كان النقد فيها غائبا، والنقد أمانة والناقد الحقيقي مصلح وموجه وحكيم قادر على النقد الذي يدفع الكاتب إلى النمو والتطور.
ومع عظم حرفة النقد كوسيلة توجيه وإصلاح، يوجد ـ حسب التسمية الشعبية ـ "الفلاحسة" وهي جمع "فلحوس" وهو في القاموس السائل الملح المتطفل، الذي يفتي في الأشياء بغير علم، ويتحدث في كل شيء، بدءا من الوصفات الشعبية وحتى السياسة الدولية، هنا لم يعد النقد نقدا، ولكنه أصبح سلوك اجتماعي غير سوي، وهذا النموذج موجود بكثرة في مجتمعاتنا العربية التي تستأنس للحكي والقص والوصف والهجاء وتجيد السخرية.
والنقد في كل حالاته سواء أكان في شكله المنهجي في الأدب، أو في شكله الانطباعي في الصحافة، أو في شكله الهزلي الدارج عند العامة يجب أن يصدر عن حب، فإذا كرهت شخصا لا يمكن أن تنقده، وإذا نقدت أحدا يجب أن يكون الدافع الوحيد الرغبة في إصلاحه ونجاحه، وللنقد أيضا أسلوبه، ولنا في التوجيه الإلهي قدوة، حينما قال تعالى لرسوله الكريم (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
النقد فعل بناء، والحب أهم مستلزمات هذا البناء، الحب هو ماء النقد الذي يحييه ويجعل له جذورا وأوراقا، أما إذا افتقد الناقد الحب سيكون نقده شروع في القتل.