المواطن العربي يقضي معظم عمره في الانتظار، لايهم في انتظار ماذا، ولكن المهم أنه ينتظر، ينتظر بائسا أمام "طابونة" للحصول على الخبز، يتكيء متململا منتظرا دوره في مصرف، أو متأففا في إحدى شركات الطيران، ينتظر ـ وهو يندب حظه العاثر ـ علاوة، ترقية، بنت الحلال، العثور على كنز، ينتظر مستقبلا أفضل، الانتظار فعل عربي صرف، وأقسى أنواعه انتظار مالايجيء.
ورغم أن الانتظار نفسه غير مهم، فإن المهم فعلا.. ماذا يفعل المرء في أوقات الانتظار الطويلة المملة؟..، هناك من يحملق في الفراغ كالمجنون، أو يطرقع ـ متوترا ـ أصابعه، أو يتسلى بقراءة صحيفة بالية، والبعض ينفث الهواء الغاضب من صدره ويقول "أستغفر الله العظيم"، وهناك من يملك موهبة النوم تحت أي ظرف، على أريكة قطار، في شارع، في مأتم، في فرح، يسند رأسه على أي شيء، لحظات وتسمع شخيره يشنف الآذان، وهناك من فتح الله عليه، فعلق في أماكن الانتظار بالعيادات والمؤسسات لافتات تقول (املأ دقائق انتظارك بالاستغفار).
وعبرت أغانينا العربية عن الانتظار خير تعبير، فكثرت مفردات مثل "مستني" و "مستنياك، "استناني"، وأصبحت من أكثر المفردات شيوعا، .. الخلاصة هي ضياع أوقات طويلة في الانتظار، مأخوذة من رصيد استراتيجي بالغ الأهمية وهو العمر.
الطوابير صناعة عربية، والانتظار غرض شعري قديم، ملحمة عربية تنافس ملحمة الإلياذة، صورة غير حضارية تدل على فشل إداري فظيع، حالة إتكالية تزرع الوهن وتصيب الإنسان بالعجز والفشل.
نريد حلا عاجلا لمشكلة الانتظار، فكرة إدارية عبقرية تلغى هذه الصورة البدائية من شوارعنا وحياتنا الاجتماعية، فكرة تعلمنا المبادرة والعمل، وتلفظ التراخي والكسل، وإذا كان ولابد من الانتظار، فلنتعلم النوم تحت أي ظرف.