هل العنف العربي ضد المرأة مرجعيته ثقافية أم اجتماعية؟، أريد أن أتتبع تاريخ العنف ضد المرأة، صعودا وهبوطا، وأستقريء أسباب هذا العنف ودوافعه، وتأثيراته، وكيف تنقلت النظرة للمرأة عبر العصور المختلفة من التقديس إلى العار والوأد والتهميش والعنف الاجتماعي، وماهي محركات التغيير سلبا أم إيجابا.
بعض الحضارات رفعت المرأة إلى مرتبة الآلهة، كما فعلت الحضارة اليونانية، التي ألَّهت "فينوس" ربة الجمال، وبعض الحضارات الأخرى قطعت رأسها الجميلة بالمقصلة، كما فعل الفرنسيون مع الملكة ماري أنطوانيت.
بعض المجتمعات منحت المرأة حقوقها الكاملة، وكما يقول التعبير الشعبي "تالث ومتلت"، فأصبحت وزيرة دفاع، ورئيسة دولة، وملكة، ومجتمعات أخرى دفنتها وطمرت عليها التراب، وحرمتها من الركض بحرية.
المتتبع لوضع المرأة العربية على مر التاريخ، سيكتشف أن المرأة كان لها مكانتها على مر العصور القديمة، في عصر الفراعنة . وما قبل الفراعنة .. كانت المرأة ترقى إلى مرتبة القديسة، وهكذا ظلت المرأة في العصور التالية، ولكن في عصور لاحقة حديثة انحدر بها الحال.
كانت القيم العربية حتى القيم الجاهلية تقدر المرأة، وتحرم قتلها أو إهانتها، كلنا يتذكر مشهد العملاق توفيق الدقن في فيلم "الشيماء" الذي نهر بطل الفيلم "بجاد" الذي كان يقوم بدوره العملاق أيضا أحمد مظهر، عندما هم برفع السيف في وجه "الشيماء، لقد قال له الدقن مستنكرا "سُفهت يابجاد .. أتشهر السيف في وجه امرأة؟"".
وإلى وقت قريب كانت إهانة المرأة شيء معيب، حتى في عرف اللصوص، هناك قيمة شعبية تحترم المرأة، وتنص على الوقوف في القطار والأوتوبيس لإتاحة الفرصة لها للجلوس ، لقد كانت الشخصية العربية رغم كفرها وضلالها، تتمنع عن إهانة المرأة أو سبها أو قتلها، واعتبرت إهانتها وقتالها مما يجرح المروءة والشهامة والرجولة.
ليس ذلك فقط ، ولكن المرأة كانت ملهمة الشعراء، ولدينا قائمة طويلة من الشعراء العرب الذين خلدوا المرأة على مر التاريخ. وتركوا لنا أجمل القصائد والمعلقات والتي تفيض بحب المرأة . هذه القصائد التي لا يستطيع شاعر الآن الإتيان بمثلها أو بربع ما تتضمنه من وجد وحب وشغف وجنون.
فماذا حدث إذن . ما أسباب انهيار العلاقة بين الرجل والمرأة . حتى وصلت إلى العنف الاجتماعي والنفسي، المتابع لوضع المرأة العربية كمثال سيكتشف أن المرأة في العديد من المجتمعات مقهورة ، ومسحوقة اجتماعيا ونفسيا . حتى في تلك الدول التي تشدقت وادعت منح المرأة حقوقها، مازالت المرأة بها تعامل ككائن من الدرجة الثالثة.
مازالت المرأة حتى عند المتعلمين والمثقفين .. وحتى من هاجروا وأقاموا في الغرب، في مرتبة أقل. لقد حمل الرجل الشرقي خطاياه للغرب، فرأينا نماذج متحضرة وتعيش في أرقى المجتمعات، ولكن عند نقطة المرأة تجدها تستدعي كل ما ورثه عن الآباء والأجداد من أمراض نفسية ومفاهيم قمعية موروثة.
قصص كثيرة مؤلمة تنشرها الصحف الغربية من حين لآخر عن العرب، يدور معظمها حول محور قهر المرأة، وتزويجها قسرا، ومنعها من العلاقات الاجتماعية بدعوى عدم اتساقها مع العادات والتقاليد.
شكت سيدة عربية حاصلة على الجنسية الأمريكية من زوجها العربي الأمريكي أيضا من تزمته وحصاره لها، فلم تفلح 20 عاما قضياها في الغرب في تغيير فكر زوجها كرجل شرقي ظالم متزمت.
إذا أين الخلل. لماذا تدهور الوضع في سنوات قليلة بعمر الزمن، وبعد أن كانت شجرة الدر تحكم مصر عام 655 هجرية ، عاد قاسم أمين عام 1899 ميلادية لينادي بحرية المرأة ، بعد أن كانت المرأة قديما حاكمة وسلطانة وتقود الجيوش، ها هي الآن تفشل في إقناع المجتمع بقدرتها على العمل قاضية، وبالكاد استطاعت أن تعمل "مأذونة".
من الطبيعي أن المجتمع ـ أي مجتمع ـ يجنح كالنهر إلى التطور، ولكن أن نرى مجتمعا ينحدر فيتحول على مر السنين من النور إلى الظلام، فهذا شيء عجيب، لماذا تغيرت النظرة للمرأة فتحولت من "قديسة" إلى "خادمة"، وبعد أن كانت حاكمة، تحولت إلى متسولة تستجدى حقوقها من الرجل.
تغيرت نظرة المجتمع إلى المرأة، فتوقف الشعراء عن التغزل في النساء، وأصبح "الشعر الوجداني "دقة قديمة"، وندر أن نقرأ قصيدة عاطفية جميلة تحرك الوجدان.
هل كانت كليوباترا التي حكمت مصر عام 51 قبل الميلاد، وألهمت العالم، تعلم أن حفيداتها بعد 2062 عاما سيمنعن من تقلد المناصب، ويتعرضن للعنف اللفظي والمعنوي، و"العلقات الساخنة"، ويمارس ضدهن التمييز في العمل والشارع والمنزل، ويتوسلن للحصول على "كوتة المرأة" ليفرضهن أنفسهن فرضا على مجلس الشعب. دون وجود حقيقي في الشارع.
لا أعتقد أن الدين السبب، فعلى العكس لقد وضع الإسلام المرأة في مكانتها الصحيحة، وأعطاها كافة الحقوق التي كانت محرومة منها، الثقافة أيضا بريئة من قهر المرأة ، على العكس لقد كرمت الثقافة العربية المرأة، ووضعتها في مكانة عالية، والشعر والنثر العربيان شاهدان على ذلك.
إذن ماهو السبب؟، هل الأمر يتعلق بالشيطان الذي يوسوس للإنسان فيدفعه إلى ارتكاب الأفعال السيئة، أم أن السبب يتعلق بالنجوم والأبراج التي يعتبرها البعض من القوى الخفية التي تتحكم في الإنسان.
المشكلة الحقيقية هي عدم وجود الأساس الذي يبني عليه الإنسان حضارته، الإنسان مثل سيزيف ، يحمل الصخرة ويرتقي بها لأعلى الجبل ثم يتركها تسقط، فيعود إلى الأسفل ليحملها من جديد، .. يبني منزلا ثم يهدمه ، ليعود إلى بنائه من جديد، لدي الإنسان مرجعيات كثيرة كالدين والثقافة والتجربة.. ولكن هذه المرجعيات تتبخر إذا ما وجدت مرجعية جديدة.
توحشت المرأة من طول العنف والإهمال والتهميش، كالقطة الأليفة الجميلة التي علمها الإيذاء المتكرر الخربشة. الإنسان الذي يصنع الحضارة هو بنفسه من يطفئها، تماما كمن يمد يده إلى النار فيحرق، ولكنه ببلاهة يعود إلى مد يده للنار من جديد.
الإنسان يتعامل مع المرأة كالطفل الذي يحب اللعبة للوهلة الأولى، ولكن بمجرد أن يلعب بها يمل منها ، ويلقيها من الشرفة، فتسقط مكسورة 100 قطعة، وهذه أحد أسباب مأساة المرأة العربية، وأحد أسباب تعاسة الإنسان على كوكب الأرض.