عندما فاز باراك أوباما برئاسة الولايات الأمريكية فرح الجميع لسبب غريب، وهو أنه أول أسود يتقلد منصب رئيس أمريكا منذ إنشائها، لم يفرحوا لكفاءته أو قدراته السياسية أو لبرنامجه الانتخابي الذي أعلنه، ولكنهم فرحوا فقط لأنه أسود البشرة.
ولم يتحرج الفرحون وهم كثر من التصريح بذلك، وامتد الفرح إلى دول عديدة، وكان الحدث أكثر احتفاء في الدول التي يميل سكانها إلى البشرة السوداء. أي أن القضية لم تصبح قضية انتخاب رئيس أمريكي جديد يؤمل أن يمحو الآثار السيئة التي تسبب فيها سلفه جورج دبليو بوش، ولكن القضية أصبحت أبيض وأسود، وإحساس عرقي بالغ بالانتصار.
ذلك يكشف مدى التخلف الذي ما زالت البشرية تتخبط فيه، فبعد كل هذه القرون من النهضة الإنسانية، وبعد كل هذه السنوات التي مرت على القضاء على الرق وتحرير العبيد. مازال الكثيرون يفكرون بهذا المنطق البغيض.. منطق الأبيض والأسود. منطق السادة والعبيد.
الأمر الثاني أن هذا الفرح العارم بفوز باراك أوباما الكيني الأسود المهاجر برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى مشكلة قديمة مازال جذوتها مشتعلة . بعد أن ظننا أنها خبت وأصبحت رمادا . المشكلة في شعور ذوي البشرة السمراء ليس في الولايات المتحدة فقط وإنما في كثير من دول العالم بالغبن والتمييز. حتى لو كانت القوانين تحرم ذلك.
الشعور بالغبن والدونية مازال يسيطر على الكثيرين من ذوي البشرة السوداء في العالم، سواء تم الإعلان عن ذلك أم لا..
الأمر قد يكون نادرا أو أخف وطأة في العالم الإسلامي، حيث تنص تعاليمنا الإسلامية على المساواة ، وأنه "لا فرق لعربي على عجمي إلا بالتقوى"، فالقضية لدينا إذن محسومة منذ أكثر من 1500 عام، والإسلام نفسه جاء ليقضي على التفرقة بين الناس. سواء أكانت التفرقة نابعة عن الجنس أو اللون أو المستوى الاجتماعي. ووضع معيارا وحيدا للتفرقة بين الناس وهو التقوى.
وساوى الإسلام بين العبد والسيد، والفقير والغني، وابيض البشرة وذوي البشرة السوداء، ولعل أحد الأمثلة على ذلك المكانة الكبيرة التي شغلها الصحابي الجليل بلال بن رباح مؤذن الرسول.
الحديث أو الابتهاج بتقلد رجل أسود البشرة منصب معين أمر محرج وسخيف يعيدنا للوراء عشرات السنين ، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك إلى أن العنصرية كامنة داخل أجسادنا، وما تلبث أن تظهر عندما يتطلب الأمر ذلك، أو قل أنها أحيانا تظهر دون أن ندري، وقد ظهرت عندما فاز أوباما بمنصب الرئيس.
كنت أعتقد أن النظرة إلى المرء وتقييمه بناء على لونه أمر قد انتهى وأصبح في ذمة التاريخ، منذ أن انهارت سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ولكن هانحن نكتشف أن المشكلة مازالت ساخنة، كالبركان الذي يثور على فترات من الزمن. اكتشفنا أننا مصابين بالفيروس رغم عدم ظهور أعراض المرض.
علينا أن نتوقف عن تدبيج المعاهدات والمواثيق الدولية التي تنص على مناهضة التعصب والتمييز العنصري، لأنها تنطوي على التزامات رسمية للدول والحكومات ، وتتجاهل العنصر الأهم وهو الإنسان، ونبدأ في حل المشكلة من جذورها، بالتوجه إلى الإنسان نفسه بتربيته وتأهيله وتثقيفه على قيمة إنسانية عظيمة وهي المساواة.