ما سبب عدم مواكبة الأغنية الدينية للشعور الإسلامي العام الذي تتميز به الشعوب المسلمة، التي تتسم في طابعها العام بالتدين؟ ، ما السبب في ظهور أغاني دينية تقليدية، هادفة من حيث المعنى، ونبيلة من حيث القصد، ولكنها فقيرة من ناحية الإبداع الشعري؟، ولماذا كسر ألبوم "في حضرة المحبوب" للمطرب اللبناني وائل جسار هذه القاعدة، وحقق انتشارا وصل إلى الآفاق؟.
المتتبع لتاريخ الأغنية الدينية سيكتشف ندرة الأعمال المميزة بها، التي تؤثر في الناس، وتستقر في الوجدان، حيث ظلت الأغنية "الدينية" شأنها شأن أغاني المناسبات كأغاني الأعياد ورمضان والأغاني الوطنية . أغنيات إنشائية لا تظهر إلا في المناسبات كشهر رمضان وموسمي الحج والعمرة، وثورة 23 يوليو ، وعندما يبدأ الموسم الديني، ويحتاج المسؤولون عن الفضائيات والإذاعات العربية لأغاني دينية، يشعرون بالمأزق، فيسرعون للأغنيات الدينية الكلاسيكية التي قدمها جيل الرواد مثل "يارايحين عند النبي الغالي" لليلى مراد، و "رمضان جانا " لعبد المطلب، و"إلى عرفات الله" لأم كلثوم، و"ياحج يامبرور" لطلال مداح.
السبب قد يكون في عدم معرفة الكثير من شعراء اليوم بماهية النص الغنائي، وطريقة كتابته، ومقومات التميز والإبداع فيه، وهي مشكلة تعانى منها النصوص الغنائية عموما، وقد أصاب الأغنية الدينية هنا ما أصاب الأغنية العامة بأنواعها المختلفة العاطفية والموضوعية، فجاءت الأغاني الدينية خالية من الإبداع الشعري والفني، وهنا كان مأزق الأغنية الدينية.
حتى الأغنيات الدينية الرائدة التي تعيش في وجداننا يمكن أن تكون لدينا على بعضها ملاحظات بخصوص الصورة الشعرية ومستوى الإبداع فيها، ولن يشفع لها انتشارها في الإفلات من مشرط النقد الأدبي الجاد.
السبب أيضا قد تكون المحاذير الدينية التي قد تكبل الشاعر، وتمنعه من الإبداع في الصورة الشعرية، وتقديم صور شعرية موحية تعبر عن عمق الإحساس الديني، حيث يحرص الشعراء على التحفظ في الصورة الشعرية ، حتى لا يشطح الخيال الشعري، فتأتي الصورة مخالفة للاعتقاد الديني. وهده المحادير موجود في كل فن، وأقرب مثال الرفض الديني لتجسيد شخصيات الأنبياء والصحابة في أعمال درامية.
وربما يكون من الأسباب أيضا أن بعض الفرق الإسلامية لم تستقر بعد على مشروعية الأغنية، وبعضهم يحرمها، ويستبدلون مسماها بالأناشيد، والإنشاد الذي يجيزونه لا بد ان يكون دينيا إسلاميا. وبالطبع لا تنتظر تطوير غرض غنائي مازال البعض يتعامل معه على أنه فعل محرم.
المستمع للأغاني الدينية الحالية سيكتشف أنها في معظمها مجموعة من التعبيرات الدينية المتوارثة رتبت في شكل نص غنائي، وبعض النصوص عندما تستمع إليها ستكتشف أنها مجموعة من الأدعية والتسابيح الموروثة، وأهازيج قديمة مثل "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع"، وأدعية مأثورة مثل "سبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا"، وهي ـ رغم جلال معانيها وعظم قيمتها وأهميتها ـ تختلف عن النص الشعري بمقوماته الفنية المعروفة.
لا ننكر وجود أعمال دينيه جميلة قدمها بعض الشباب مثل عمرو دياب، وحسين الجسمي ومحمد المازم وأنغام ومحمد ثروت وسامي يوسف وأحمد الكحلاوي، وراشد العفاسي، ولكن جميعها ـ رغم تقديرنا للجهد وحسن النية ـ كانت تعاني دائما من ضلع ناقص، وهو الصورة الشعرية المبدعة.
النص الشعري بصفة عامة له مقوماته الفنية التي تتركز في المعنى الجديد والصورة الشعرية المبدعة، وهو يتكون من مقومات أدبية كثيرة مثل البيان والاستعارة والتشبيه والبلاغة وغيرها، والشاعر المبدع هو القادر على استخدام هذه الأدوات في ابتكار صورة شعرية تعبر وتؤثر في المستمع.
نجح الشاعر نبيل خلف مؤلف ألبوم "في حضرة المحبوب" في تقديم نصوص غنائية جميلة تستلهم المعنى الديني وقصص الصحابة رضوان الله عليهم ورحمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولكن في قالب شعري جديد تبرز فيه قيمة الصورة الشعرية.
قدم الأغنية الدينية الجديدة التي لا تعني تكرار المعاني، ولكنها تقدم المعاني في صور شعرية جديدة مبدعة، وساهم في رواج "الأغنية الدينية" وإقبال الكثيرين على تقديمها، ولكن الأهم أن يعرف هؤلاء الذين سيسيرون خلفه السر الحقيقي لنجاحه، وهو تقديم الصورة الشعرية المبدعة.