بمتابعة التغطيات الصحفية لأحداث ثورة 25 يناير بمصر صدمني تعبير "المولاة"، ويقصد بهذا اللفظ الموالين للرئيس مبارك، ونظرا لأن مصر لم تعرف على مر تاريخها هذا التعبير لأسباب عدة، فقد استغربت الأمر.
ثنائية "الموالاة" و"المعارضة" ثنائية معروفة في لبنان، حيث دأبت الصحافة اللبنانية على وصف الموالين لفريق بـ الموالاة" بينما المعارضين لهم بـ "المعارضة"، وهي الثنائية المقيتة التي ساهمت في تدمير هذا البلد العربي الشقيق، وأفرزت العديد من النزاعات، والتي مازالت مستمرة حتى الآن.
ونظرا لغرابة مصطلح "الموالاة والمعارضة" ، وأيضا لأن معظم الدول العربية لم تبرز بها هذه المقارنة المؤلمة التي تقسم الشعب إلى شريحتين، حتى مع وجود جماعات ومذاهب بها، فقد توقعت بسرعة أن يكون كاتب هذا الخبر إما صحفي لبناني يعمل في صحيفة لبنانية، أو صحفي لبناني أيضا يعمل بالخليج.
انزعجت عندما رأيت تعبير "الموالاة" يستخدم في وصف المؤيدين للرئيس مبارك، ربما السبب في أن اللفظة استدعت أمامي ما حدث في لبنان من انقسامات، وحرب أهلية دفع ثمنها اللبنانيون، ومازالوا يدفعون ثمنها ..، ولفظ "الموالاة" نفسه لفظ لا غبار عليه، ولكنه يعني عند البعض مصادرة الآخر، وقتاله، وفي بعض الأحيان تفاقمت الموالاة، واستعظم شرها لتصبح موالاة لعناصر خارج الوطن.
أزعجني الوصف، لأن مصر على مر تاريخها الطويل عرفت مصطلحات مختلفة كمسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، أو شرفاء ولصوص، أكثرية تستأثر بـ 60% من الثروات، وأقلية مسحوقة لا تجد لقمة العيش، ولكنها لم تعرف أبدا موالون للحكومة ومعارضون لها.
ربما السبب عدم وجود معارضة حقيقية تطرح برامج وتوجهات جادة تجد على أرض الواقع من يؤيدها وينحاز لها، فالمعارضة المصرية في الثلاثين عاما الأخيرة كانت معارضة ورقية، تتحرك حسب المساحة التي يتيحها لها الحزب الحاكم المهيمن على مقاليد الأمور، المعارضة المصرية كانت دائما مجرد نشاط حزبي شكلي لا وجود له على أرض الواقع.
والدليل على ذلك أن معظم المواطنين لا يعرفون حتى أسماء الأحزاب، فما بالك ببرامجها وخططها ورؤاها السياسية. والأحزاب المعروفة هي فقط حزبي الوفد والتجمع والغد بين 19 حزبا مصرح لها بالعمل من لجنة شؤون الأحزاب.
وربما أيضا يكمن السبب في هيمنة الحزب الحاكم، لسنوات طويلة على الحياة السياسية المصرية، فلم توجد حكاية الرأي والرأي الآخر. كان هناك دائما رأي وحيد متسلط يفعل ما يريده رغم أنف الجميع، وإن وجد رأي آخر يظهر من خلال الصحف ووسائل الإعلام الخاصة والمستقلة، وبعض النواب، فيضرب به عرض الحائط.
قرأت خبرا مفاده أن الممثلة غادة عبدالرزاق قررت أن تقاطع المخرج خالد يوسف، هل تعرفون السبب؟، السبب هو أن خالد يؤيد المظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاحات والحرية، بينما غادة تؤيد الرئيس مبارك، هكذا أصبح اختلاف الرأي سببا في الخلاف والفرقة والمقاطعة.
في الأربعاء المشؤوم وأثناء وجود المتظاهرين في ميدان التحرير، وبعدما هدأ خطاب الرئيس مبارك الكثيرين، والذي وعد فيه بخطوات إصلاحية، فوجأ المتظاهرون بمجموعة من مؤيدي الحزب الوطني يهاجمونهم بالخيول والجمال والأحجار، وأسفرت المواجهة عن سقوط 11 قتيلا. ولا أدري من المسؤول عن هذه المذبحة التي أنكرت الحكومة علاقتها بها، ووعدت بالتحقيق فيها، وإن كانت أصابع الاتهام تشير بقوة إلى أنصار الحزب الوطني.
هذه الواقعة لا تكمن خطورتها في كونها جريمة جنائية ضد متظاهرين أبرياء، بقدر كونها توضح لنا الطريقة التي يفكر بها البعض، فالاختلاف في الرأي هنا كان مبررا للهجوم على الآخر، ليس ذلك فقط، ولكن لقتله وتدميره.
كان معظم الشعب المصري رافضا للسياسات الحكومية ناقما عليها، من هنا فلم توجد فئتان أو تياران لكي يمكن التفريق بينهما، واحد موالاة، وآخر معارضة. أما المؤيدون للحزب الوطني الحاكم، فقد كانوا في كثير من الأحيان مستفيدين من النظام أكثر من كونهم مؤيدين له.
اختلاف الرأي ظاهرة طبيعية، واختلاف الآراء لا يجب أن تكون سببا في العداء الشخصي، فالاختلاف قانون طبيعي، وممارسة صحية وطبيعة إنسانية، فإذا كنت أنت تحب تناول اللحوم، وأنا لا أحب تناول اللحوم، فإن ذلك ليس مسوغا أن تشهر في وجهي السلاح ، وتحاول إقصائي وتصفيتي، لأنني لا أحب شيئا تحبه أنت.
أما الموالاة .. هذا التعبير الخبيث المدمر، فيجب أن تكون للوطن ، ليس لفئة أو لأخرى، نختلف جميعا في الآراء، ولكن عندما ننحاز فيجب أن يكون انحيازنا للوطن وليس لشيء آخر.
ورغم انزعاجي من هذه اللفظة، فإنني سعدت لطرحها الآن، لأنها تنبهنا إلى ما يمكن أن يحدث مستقبلا، جرس إنذار يدق ليشير إلى تسونامي قريب يمكن أن يحدث، خاصة في ظل التعددية السياسية المقبلة، والإصلاحات الدستورية المنتظرة، والتي ستفرز لاشك تغيرات كبيرة في الساحة السياسية.
ستصبح هناك العديد من الأحزاب، وسنشهد لأول مرة مرشحين للرئاسة من كافة طبقات الشعب، بعضهم من المعارضة، والبعض الآخر من المؤسسة الرسمية، وبعض ثالث من المستقلين. وسينتج عن ذلك لاشك جماعات ومحاور ومؤيدين لهذا ، ومؤيدين لذاك.
من هنا يجب أن ننتبه حتى لا تتحول الممارسة الديمقراطية الصحية على جماعات متحاربة متباغضة، وأن ينحصر تصنيفنا للقوى السياسية في "الموالاة" والمعارضة".
مصر مقبلة بإذن الله على تجديد سياسي، وممارسة ديمقراطية حقيقية، ويجب أن نستعد من الآن لوضع الأسس المعنوية والقواعد الأخلاقية والمواثيق غير المكتوبة للمرحلة المقبلة.
ويجب أن يكون من ضمن ما نؤكد عليه أن اختلاف الآراء لا يعني العداء والكراهية، وممارسة كل فريق البلطجة والإقصاء والتخوين ضد الآخر، ولكن لكل فريق أن يختار ويعتقد ما يريده، ولكن عند الولاء يجب أن يكون الولاء للوطن.