منذ سنوات بعيدة والكرم صفة عربية أصيلة، والعربي يكرم ضيفه بخبزه وشاته وقوت عياله، ونجدة المستجير وعابر السبيل سمة من سمات الشهامة العربية، والتي لا تجدها بهذا الإيثار العجيب في الأمم الأخرى، يقول الشاعر العربي (ياضيفنا لوجئتنا لوجدتنا / نحن الضيوف وأنت رب المنزل).
وفي العصر الحديث ورغم الميراث الاستعماري، كان الترحيب بـ "الخواجَه" حالة شعبية، تصل أحيانا إلى حد الهوس، وكان المواطنون البسطاء يتزاحمون في المناطق السياحية العربية لالتقاط صور تذكارية مع السياح بلقافة وإحراج، والحديث معهم بإنجليزية ركيكة مضحكة، وكانت "المُراسَلة" هواية شائعة، وقنوات دبلوماسية شعبية فعالة للصداقة بين الشباب العربي والأجنبي، تفرد لها المطبوعات مساحات وملاحق. باختصار كان الآخر عنصر إبهار وفخر وتباهي.
ولكن كيف تحول الشعور الضارب في التاريخ نحو الآخر من الكرم والاحتفاء والانبهار، إلى التوجس والعداء والإرهاب والقتل؟، وكيف تحولت الصورة التذكارية إلى قنبلة ؟ ، ومن المسؤول عن هذه الثقافة الكارهة للآخر المعادية له؟ .
محاولة فرض كراهية الآخر ردة ثقافية واجتماعية تخالف الطبيعة والتاريخ، وتتعارض مع تعاليم الله الذي خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، وتتنافى مع الإسلام الجميل الذي علمنا كيف نتقبل الآخر، حتى ولو اختلفت عقيدته.
سيظل الكرم آية عربية، وسيظل العربي يكرم ضيفه بخبزه وشاته وقوت عياله، وثقافة الكراهية ستزول كسحابة سوداء مرت مع الغيم، وتبددت في السماء الواسعة.