في الماضي كانت العلاقات الاجتماعية قوية، وكانت العلاقة بين الجيران متشابكة، والبيوت متلاصقة. لا تستطيع التفرقة بين بيت وآخر، وكانت الأسطح صوالين نسائية يومية للنميمة، حيث تحلو الثرثرة، وتنقية الأرز على إيقاع نقنقة الدجاج وصوت ذكر البط.
والمقاهي كانت أندية اجتماعية تجمع الرجال حول الدومينو وكركرة الشيشة، والساحات الشعبية تجمع الصبية في دوري المنطقة، وسرادقات العزاء وحفلات الزفاف كانت تقام في الشارع، فكان حزن الجار وفرحه ـ غصبا عنك ـ يعنيك. إذا سمعت زغرودة في منزل جارك، ردت عليها زوجتك بأخرى، وإذا مات جار ارتدت كل الحارة السواد.
وكانت السيدات يهدين أطباقهن التي قامت بإعدادها للجارات، وتعود الأطباق مليئة بأصناف أخرى، وكان تعبير "بنت حتتنا" شائعا ، حيث يتعامل الشاب مع بنت الجيران بمنطق الأخ. يدافع عنها بروحه ودمه، ، كذلك بين الرجال كان تعبير "ابن الحتة"يوحي بالانتماء والشهامة.
ولكن مع تصاعد المدنية انحسرت العلاقات، وتحولت البيوت المبنية بالطوب اللبن المفروشة بالبساطة والطيبة إلى كتل أسمنتية خالية من الروح، وأصبحت الشقق مثل علب سمك الساردين.
نحن بحاجة إلى عودة نموذج "المجتمع الأب" الذي كان يضم بين جنباته الكبير والصغير، الفقير والغني في صورة جميلة من التكافل الاجتماعي، بذلك نعيد الدفء لثلج العلاقات الذي تكاثر وسد المنافذ والمشاعر والبيوت.