تركز القوانين العربية والعالمية على الجريمة الملموسة، وتضع عقوبات مختلفة لها، وهي الجريمة التي تكتمل أركانها وفق المصطلح القانوني ، وتتكون من جاني ومجني عليه وأداة الجريمة .
ولكن هناك نوع من الجرائم لم يحظ على الاهتمام الكافي من المشرعين، وهو الجريمة المعنوية، وهي جريمة قد يتحدد فيه الجاني والمجني عليه، ولكن تبقى الحلقة الأهم وهي أداة الجريمة مفقودة، وهذا النوع من الجرائم من الصعب إثباته، لأنه قد يحدث بكلمة أو موقف، وقد يقتصر أثره على الإيذاء النفسي مع عظم شأنه، وقد يمتد هذا الأثر إلى أضرار صحية خطيرة، وقد تصل في بعض المراحل إلى الموت.
هناك الكثير من الممارسات التي تحدث في حياتنا اليومية نعتبرها سلوكيات عادية، ولكنها تصنف ضمن الجريمة المعنوية التي تلحق الضرر بالإنسان، على سبيل المثال السب والتحقير والإهانة اللفظية والتهميش والإضطهاد والظلم والترهيب والتخويف والإهانة والازدراء والاستهزاء وسوء المعاملة وحرمان المرء من حقوقه الأساسية .. كلها تصرفات تنطوي على جريمة، ولكن رغم وقوع الضرر يظل الجاني طليقا يتجول للبحث عن ضحية جديدة.
شتم المرء جريمة . حتى النظر إليه بطريقة جارحة جريمة لا تختلف عن جريمة القتل بالسكين، وقد توقع نفس الضرر ، ففي الأولى اعتدى القاتل على ذات الشخص وروحه، وفي الثانية اعتدى على جسده ، والإنسان من روح وجسد، والنتيجة قد تكون واحدة، ليس فقط إصابة المجني عليه بأضرار نفسية، ولكنه من الممكن أيضا أن يموت، وفي السجلات الطبية الكثير من المواقف التي أصيب فيها الشخص بالجلطة أو السكتة القلبية والوفاة نتيجة كلمة جارحة أو موقف مهين، الورقة في نظرنا خفيفة وتافهة. ولكن حدها البسيط يمكن أن يجرح ويدمي.
نحن بحاجة إلى إعادة تعريف الجريمة المعنوية، والاعتراف بها وبآثارها النفسية والعضوية، وبحث الآليات الحديثة لإثباتها، وإقرار العقوبات اللازمة نحو مرتكبها، وقبل ذلك كله توعية المجتمع بهذا النوع من الجرائم وآثاره القاتلة.