الوشاية مصدر عربي شهير، ووشى بالمرء أي اغتابه وتحدث بما ليس فيه، وقد حازت "الوشاية" على الكثير من الاهتمام، فكثر ذكرها وتجسيدها في الأدب والشعر والرواية، والأغاني، وهي ـ شئنا أم أبينا للأسف ـ محرك للكثير من الأحداث في حياتنا الاجتماعية، مثلها مثل الحسد والتطير والمعتقدات الشعبية.
الوشاية صفة ذميمة، تحتل مكانها ضمن صفات الإنسان السيئة التي عرف بها البشر والتي هي نتاج طبيعي لوجود الخير والشر، وقد تحدث الشعراء عنها كثيرا، حيث كان "العذول" سبب أساسي في فقد المحبوبة، ولعل أشهر القصائد التي وردت في هذا الباب قصيدة أبي الطيب المتنبي التي كتبها في سيف الدولة الحمداني والتي كان محركها الأساسي وشاية، والتي يقول بها:
إن كان سركم ما قال حاسدنا .. فما لجرح إذا أرضاكم ألم
والوشاية عمل درامي محكم، رواية كاذبة يتم تدبيجها في الظلام للنيل من شخص أو جهة، تتسلل وتنخر في المجتمع، وتثير الشقاق بين مواطنيه، ولعل الدليل على خطرها أن القرآن الكريم شبه ذكر المرء لزميله بما ليس فيه بمن يأكل اللحم الميت الذي يكرهه ويعافه الناس. "أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه"
وللوشاية ضحاياها الكثيرون، فعلى صعيد الفرد كم من مجتهد حطمت مستقبله وشاية، وكم من مجموعة فرقتها فرية، ليس ذلك فقط، ولكن الوشاية أيضا تثير الحروب، وتحطم الدول، ومن الأمثلة على ذلك غزو العراق الذي كان دافعه في الأساس .. "وشاية".
الوشاية مرض اجتماعي ينمو ويتكاثر في البيئات التي تعاني من الفراغ الذي يزيد الرغبة في الحكي وتداول أخبار الناس، ويخبو ويتلاشى في المجتمعات المتوثبة المشغولة بالعمل والإنتاج حيث لا وقت للنميمة.
كلما زادت الشفافية والموضوعية وقيم العمل والإدارة الصحيحة، كلما تراجع الحسد والوشاية والنميمة وغيرها من أمراض المجتمع.