الأمير كمال فرج نشر في الوطن يوم 25 - 08 - 2011
رغم رفض الكثيرين لظاهرة الكتابة على الحوائط، لما تمثله من تشويه وإفساد للذائقة البصرية، إلا أن الوضع في مصر مختلف، حيث تعد الحوائط العامة وسيلة لنشر الإعلانات وبلاغات المفقودين، ورسومات الهواة، كما أنها وسيلة لنشر الآراء والأفكار السياسية. الحوائط في مصر باب رزق للخطاطين. حتى لو كان الثمن تشويه عام متعمد للذوق العام، وإفساد الشكل الجمالي للمنشآت.
فالزائر للقاهرة وغيرها من المدن لن تخطيء عيناه إعلانات الحوائط، وهي إعلانات بالخط العريض يكتبها خطاطون محترفون على الحوائط العامة، ولا مانع أمام الخطاط أن يعد خلفية معينة تبرز إعلانه وتجعله واضحاً للعيان، وقد ساعد على انتشار هذه الظاهرة حالة الانفلات التي أعقبت ثورة 25 يناير.
"هنا يباع بط مسكوفي" "دروس تقوية لجميع المراحل، الشاعر عمرو سعد، عيادة التخسيس الدولية، دكتور جلال زلط استشاري أطفال الأنابيب، التيتي للبلياردو".. هذه أمثلة لإعلانات الحوائط، وواضح أن المعلنين هنا من كافة فئات المجتمع، فمن بينها إعلانات لأطباء يعلنون عن خدماتهم، أيضاً معلمون وشركات وأفراد.
وتستخدم هذه الإعلانات أيضاً في تقديم آراء سياسية واجتماعية، كتابة على أحد الحوائط تقول "نعم للتعديلات الدستورية"، وأخرى تقول "لا لتغيير المادة الثانية من الدستور""، وثالثة : "الانتخابات أولاً" ، كما توجد كذلك كتابات تروح لأحزاب ونشاطات خاصة بها. كما توجد كتابات دينية وتوعوية مثل "اذكر الله"، و"اللهم بلغنا رمضان"، و"الحجاب تاج المرأة المسلمة"، وهناك أيضاً كتابات وطنية تعبر عن حب الوطن ، وهي الكتابات التي زادت بعد الثورة.
يقول أستاذ التسويق بالجامعة الأميركية الدكتور عمرو قيس "الإعلان على الحوائط ظاهرة متوقعة، وإن كانت سلبية في الوقت نفسه، ومثل هذه الظواهر تعقب دائماُ أي مرحلة بها كبت سياسي واجتماعي، عندما توجد الحريات يعقبها غالباً سوء استغلال لهذه الحريات، أو بصيغة أخرى عدم وعي بحدود الحرية، وبالتالي نجد ذلك الانفلات ليس على الحوائط فقط، ولكن تجده في شكل تجريح أو اتهامات، وقد يصل الأمر بالناس أن تعبر عن رأيها بتعطيل مصالح الناس بإغلاق منشأة مثلاً، كما حدث عند إغلاق ميدان التحرير خلال الثورة، وهذا كله إساءة للحرية".
وأضاف أن الإعلان على الحوائط لا يجب أن نخرجه عن كونه بلطجة على الذوق العام، وبلطجة في الشوارع نتيجة للانفلات والغياب . وهذا الأمر يشبه بصورة كبيرة ظاهرة الباعة الجائلين، مشيراً إلى أن ظاهرة الكتابة على الحوائط دعاية لمنتج بشكل عشوائي ، فإذا كانت عملية البيع تتم بشكل عشوائي . فما بالك بالإعلان عن هذا المنتج.
وقال الدكتور قيس "مثلاً أنا أسكن في أرقى منطقة على النيل ، فوجئت اليوم بأن أحد الباعة أعد أسفل العمارة كشكاً لبيع الباذنجان، فإذا وافقت على البيع الجائل، فلا تلوم شخص كتب على الحائط عبارة عريضة تقول "ساندوتش أم عبده"، مؤكداً أن النموذج كله عشوائي، والسلعة نفسها عشوائية، مطالباً بمواجهة هذه الأمور بحزم شديد، لأن لها تأثيراً سلبياً على الذوق العام قبل أن يكون لها تأثير تسويقي.
وحول إمكانية إرجاع جزء من الظاهرة إلى الجهل التسويقي، أضاف "صناعة الإعلان لها اشتراطاتها ووسائلها، وإذا أردت أن أعلن عن منتج فهناك وسائل لذلك، ويجب أن أحصل على التصاريح اللازمة، وهنا يمكن الرقابة والمتابعة، فإذا وضع معلن لافتة تضمنت رسالة إعلانية خارجة أو مضللة يمكن أن أسائل الشركة المعلنة، أو إذا أعلن شخص عن دواء يدعي كذباً أنه يعالج السرطان .. يمكن أن أحاسبه، كذلك لو تضمن الإعلان صورة غير لائقة أو كلمات نابية، الإعلان الشرعي يوفي لي إمكانية حماية المستهلك من الرسائل المضللة، أما الإعلان غير النظامي فلا يمكن أن تتابعه أو تحاسب المتجاوزين فيه".
وحول السبب في كون بعض المعلنين متعلمون وبعضهم أطباء قال "أنا كمتخصص في التسويق أرى أن المشكلة في انعدام الضمير أو الذوق العام ، فيمكن مثلاً أن أكون دكتور عظام ولا أفهم في التسويق، ولكن يجب أن يكون هناك وازع ضميري للحفاظ على الذوق العام، لا يحتاج المرء إلى أن يدرس التسويق ليعلم أن ذلك إخلال بالذوق العام".
ويرى الدكتور قيس أن الإضرار بالذوق العام والمظهر يمكن أن يكون له عواقب تتعدى الجانب الجمالي ، وقد تكون عواقبه خطيرة، كالاعتداء على حقوق المستهلك، مؤكداً أن هذه الظاهرة يجب أن تواجه بحزم، وأن يغرم المنتفع من هذه اللافتات بغرامات مضاعفة، وتزال اللوحة على حسابه، وذلك كله يتحقق بتفعيل القانون الحالي الذي يجرم هذا التصرف.
ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس الدكتور أحمد يحيى عبد الحميد أن "البعد الاجتماعي لهذه الظاهرة ينحصر في علاقة تاريخية سالبة تتعلق بالقمع وفقدان حرية التعبير، وعدم وجود منافذ إعلامية لإبداء الرأي، مما يلجأ معه البعض إلى استخدام هذه الحوائط والجداريات الفارغة للإعلان عن آرائهم الاجتماعية والسياسية أو الرياضية، أو ربما التجارية" مشيراً إلى عدم وجود هذا السلوك في المجتمعات التي تؤمن بحرية الرأي، وحرية التعبير، وتحترم القانون.