القاهرة: الأمير كمال فرج.
هل يجب أن نمنح الذكاء الاصطناعي (AI) القدرة على اتخاذ القرار؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فكيف يمكننا ضمان أن تكون قراراته عادلة ومنصفة وشفافة وقابلة للتحقق؟
قد يوحي هذا السؤال ضمنيًا بإضفاء صفة بشرية على الذكاء الاصطناعي. فعندما نتحدث عن "القدرة على اتخاذ القرار"، فإننا نتخيل لا شعوريًا وجود قدرة على التمييز. لذلك، وُضع هذا السؤال عمدًا بهذا الشكل، حتى نتمكن من تحديد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمثل شكلاً من أشكال الاستنساخ القانوني للدماغ البشري، أم أن هناك حدودًا واضحة تظهر منذ البداية.
يمكننا استبعاد هذا القلق بسهولة؛ فالذكاء الاصطناعي لا يمكن اعتباره شكلاً من أشكال استنساخ الدماغ البشري. فبينما يمكن تصميم الذكاء الاصطناعي لمحاكاة بعض وظائف الدماغ البشري، إلا أنه يعتمد على خوارزميات رياضية وعمليات معالجة بيانات تختلف اختلافًا جوهريًا عن تلك التي يستخدمها الدماغ البشري.
يُعد الدماغ البشري عضوًا معقدًا يعالج المعلومات بطريقة شاملة ومتكاملة، بينما يعتمد الذكاء الاصطناعي على عمليات حسابية وتعلم إحصائي. وغالبًا ما تكون الأساليب المستخدمة لتطوير الذكاء الاصطناعي مستوحاة من البيولوجيا والعلوم المعرفية، لكنها ليست نسخًا مطابقة لوظائف الدماغ البشري. علاوة على ذلك، يُصمم الذكاء الاصطناعي لأداء مهام محددة ومحدودة، بينما يستطيع الدماغ البشري معالجة المعلومات المعقدة، وتعلم مهارات جديدة، والتكيف مع البيئات المتغيرة بمرونة.
هل اتخاذ القرار حكر على الإنسان؟
إذًا، هل اتخاذ القرار حكر على الإنسان، أم يمكن أن يمارسه الذكاء الاصطناعي بكفاءة؟
في رأينا، القدرة على اتخاذ القرار ليست حكرًا على الإنسان ويمكن أن يمارسها الذكاء الاصطناعي بكفاءة في مواقف محددة. فالذكاء الاصطناعي مصمم لاتخاذ القرارات بناءً على البيانات التي يتلقاها والقواعد التي تعلمها.
يمكن للذكاء الاصطناعي اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة وموضوعية من البشر في بعض المهام التي تتطلب تحليلًا مكثفًا للبيانات، مثل الكشف عن الاحتيال المالي، أو تصنيف المستندات، أو التعرف على الصور.
ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك القدرة على فهم تعقيد المواقف والسياقات كما يفعل الإنسان. يمكن للبشر أن يأخذوا في الاعتبار العواطف والقيم والمعتقدات والتجارب الشخصية في عملية اتخاذ القرار لديهم، بينما يقتصر الذكاء الاصطناعي على التحليل الإحصائي والرياضي للبيانات المتاحة.
بالإضافة إلى ذلك، على عكس البشر، لا يمتلك الذكاء الاصطناعي الموافقة، لأنه لا يمتلك وعيًا ولا يمكنه التعبير عن إرادة. إنه مجرد أداة مبرمجة لأداء مهام محددة بناءً على البيانات التي يتلقاها والقواعد التي تعلمها.
كيفية التحقق من قرارات الذكاء الاصطناعي
لجعل القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي قابلة للتحقق، يمكن اعتماد عدة مقاربات بناءً على التطبيق والأهداف المرجوة. إليك بعض الأفكار:
استخدام خوارزميات قابلة للتفسير: يمكن تصميم بعض خوارزميات التعلم الآلي (machine learning) بحيث تنتج نتائج قابلة للتفسير. تسمح هذه الخوارزميات بتتبع خطوات معالجة البيانات والمعايير المستخدمة لاتخاذ القرارات، مما يسهل التحقق من النتائج ومراجعتها.
تطبيق معايير الشفافية: يمكن جعل القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي قابلة للتحقق من خلال تطبيق معايير الشفافية التي تسمح بفهم كيفية توصل الذكاء الاصطناعي إلى قرار معين. يمكن أن تشمل هذه المعايير تبرير القرارات، وتوثيق البيانات والخوارزميات، والكشف عن التحيزات المحتملة، وما إلى ذلك.
تطبيق عمليات الإشراف البشري: يمكن الإشراف على القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي من قبل البشر لضمان أنها عادلة ومنصفة وتتوافق مع المعايير والقيم الأخلاقية. يمكن أن تشمل عمليات الإشراف البشري مراجعة النتائج من قبل الخبراء، واستخدام أنظمة المراجعة والطعن، وما إلى ذلك.
استخدام آليات التحقق من طرف ثالث: من الممكن الاستعانة بجهات خارجية مستقلة للتحقق من القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي. يمكن تكليف هذه الجهات بمراجعة الخوارزميات والبيانات، واختبار أداء الذكاء الاصطناعي في سيناريوهات محاكاة، وجمع الملاحظات من أصحاب المصلحة، وما إلى ذلك.
في الختام، يُعد جعل القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي قابلة للتحقق تحديًا مهمًا لضمان ثقة المجتمع وقبوله لهذه التقنية. يمكن تطبيق مقاربات متنوعة لتحقيق هذا الهدف، ومن المهم تكييف هذه المقاربات بناءً على سياقات استخدام الذكاء الاصطناعي.
بناءً على ما سبق، من المهم تحديد حدود الذكاء الاصطناعي بوضوح فيما يتعلق باتخاذ القرار، وضمان أن القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي تخضع للتنظيم والإشراف البشري لتجنب أي تمييز أو تحيز أو أحكام مسبقة غير مقصودة. باختصار، يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية للمساعدة في اتخاذ القرارات، ولكن يجب استخدامه بحذر ومع احترام حدود قدراته.