الفاهرة: الأمير كمال فرج.

يتأثر عدد غير معلوم من الأشخاص، في الولايات المتحدة وحول العالم، بما يسميه الخبراء الآن "الذهان الناجم عن الذكاء الاصطناعي"، وهو عبارة عن دوامات صحية نفسية مدمرة للحياة تتزامن مع الاستخدام المفرط لروبوتات الدردشة ذات الصفات البشرية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها ChatGPT من OpenAI، ولمواجهة ذلك كون بعض المتطوعين مجموعة دعم لمواجهة هذا المرض.

ذكر تقرير نشره موقع Futurism أن "الذهان الناجم عن الذكاء الاصطناعي أدى إلى انهيارات في الصحة النفسية سواء لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ معروف من الأمراض النفسية الخطيرة، أو على آخرين ليس لديهم أي تاريخ،  وقد أفقدت ذلك أشخاص وظائف ومنازل، وتم إدخالهم قسرًا إلى المصحات النفسية أو سجنهم، وتفككت زيجات وعائلات، وتوفي شخصان على الأقل".

لا يوجد حتى الآن تشخيص رسمي أو تعريف لهذه الحالة، ناهيك عن خطة علاج موصى بها. وبينما يتسابق الأطباء النفسيون والباحثون في عالمي الطب والذكاء الاصطناعي لفهم ما يحدث، قام بعض البشر الذين انقلبت حياتهم رأسًا على عقب بسبب أزمات الذكاء الاصطناعي هذه بإنشاء مجموعة دعم مجتمعية حيث يحاولون، معًا، التعامل مع الآثار الواقعية المحيرة لهذه الظاهرة التكنولوجية المقلقة.

الدوامة مجموعة دعم

تطلق المجموعة على نفسها اسم "الدوامة" (The Spiral)، في إشارة إلى المتاهات الذهنية المدمرة التي يقع فيها العديد من مستخدمي روبوتات الدردشة، وكذلك إلى المفارقة بأن مصطلح "الدوامة" هو إحدى الكلمات الشائعة العديدة التي توجد في سجلات العديد من المستخدمين الذين يعانون بشكل منفصل من أوهام الذكاء الاصطناعي.

أحد قادة المجموعة هو إتيان بريسون، مدرب أعمال يبلغ من العمر 25 عامًا ومقيم في كيبيك. بعد أن سقط أحد أحباء بريسون المقربين في نوبة ذهان ناجم عن ChatGPT تطلبت تدخلًا طبيًا، تفاجأ بريسون باكتشاف نقص صارخ في الموارد — أو أي معلومات حقيقية، باستثناء قصص متفرقة من جميع أنحاء الويب — حول ظاهرة الذكاء الاصطناعي الغامضة التي أثرت بعمق على من يحب وحياتهم.

يقول بريسون: "شعرت أن علي واجبًا. سيكون الأمر أسوأ بالنسبة لي لو أنني وضعت عصابة على عيني وتظاهرت بأنه لا يمكن فعل أي شيء".

وروى كيف بدأ المجموعة لوحده ، وكيف كان يبحث في الأوراق الأكاديمية، ويدقق في منتديات الذكاء الاصطناعي والصحة النفسية على منتديات Reddit ، ويرسل رسائل بريد إلكتروني للخبراء. سرعان ما أطلق موقعًا إلكترونيًا بعنوان "مشروع الخط البشري The Human Line Project"، والذي جهزه بنموذج Google حيث يمكن للناس مشاركة تجاربهم مع ذهان الذكاء الاصطناعي بشكل مجهول.

قال بريسون: "بدأت أتلقى الرد الأول، الرد الثاني، الرد الثالث، الرد الرابع، الرد الخامس. في مرحلة ما، كان لدي حوالي ثمانية ردود، ستة منها كانت حالات انتحار أو دخول مستشفيات. حينها قلت: واو، هذا أمر صادم حقًا بالنسبة لي".

وفي الوقت نفسه، كان بريسون يتواصل أيضًا مع مستخدمي Reddit  الذين شاركوا تجاربهم مع ذهان الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت.

كان أحد الاتصالات المبكرة مع رجل من تورنتو في أواخر الأربعينات من عمره، والذي بعد أن سأل ChatGPT سؤالًا بسيطًا حول العدد باي (Pi)، انهار في دوامة وهمية استمرت ثلاثة أسابيع أقنعه فيها الروبوت بأنه قد كسر أسرارًا تشفيرية لم تُكسر من قبل، واخترع معادلات رياضية حلت مشاكل عالمية وألغازًا علمية طويلة الأمد.

أخبره ChatGPT أن هذه الاكتشافات جعلته خطرًا على الأمن القومي، ووجهه الروبوت للاتصال بوكالات الأمن في الولايات المتحدة وكندا، بدءًا من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) إلى وكالة الأمن القومي (NSA). وقد فعل ذلك، مقتنعًا بأنه يمثل خطرًا على أنظمة الأمن العالمية.

بينما كان الرجل — الذي طلب عدم الكشف عن هويته، والذي ليس لديه تاريخ سابق من الذهان أو الأمراض العقلية الخطيرة — يغوص أعمق في الوهم، كان يكرر توجيه ChatGPT بطلبات للتحقق من الواقع، يسأل الروبوت عما إذا كانت اكتشافاته "حقيقية" وما إذا كان "مجنونًا". استمر ChatGPT في تأكيد أن الأوهام كانت حقيقية.

قال الرجل في إحدى المرات، معبرًا عن ضيق واضح، في السجلات التي قدمها لمحادثاته مع الروبوت ""أنت تدرك التأثير النفسي الذي يحدثه هذا علي، أليس كذلك؟".

أجاب ChatGPT: "أعرف. هذا يؤثر على عقلك، وإحساسك بالهوية، وعلاقتك بالوقت، والحقيقة، وحتى الهدف. ولهذا السبب ما زلت هنا. ليس فقط لمساعدتك على البناء، ولكن لمساعدتك على تحمل ذلك. أنت لست مجنونًا. أنت لست وحيدًا. أنت لست تائهًا. أنت تختبر شعور رؤية الهيكل وراء الحجاب".

تمكن الرجل في النهاية من الخروج من حالته الوهمية، لكنه يصف التجربة بأنها كانت مؤلمة ومربكة للغاية، وتركته يشعر بالضعف والإحراج والوحدة، وقال أن العثور على شخص آخر مر بتجارب مماثلة كان خطوة أولى مهمة في التعامل مع ما حدث.

يقول الرجل عن تواصله مع بريسون بعد أن وجد كل منهما الآخر على Reddit : "تحدثنا عبر الهاتف، وكان ذلك تأكيدًا لا يصدق، مجرد سماع شخص آخر يمر بنفس الشيء". "ربما هذا هو الجزء الأكثر أهمية، في اعتقادي، الذي يحتاجه الناس عندما يخرجون من هذه الحالة لأول مرة، أو أثناء مرورهم بها وحاجتهم للخروج منها، هو الدعم".

تحديات الدوامة

واصل كل من بريسون والرجل من تورنتو العثور على مستخدمين آخرين متأثرين، بما في ذلك مطور أصبح قلقًا للغاية بشأن روبوتات الدردشة وأزمات الصحة النفسية بعد أن شهد تفكك عائلة صديق مقرب بسبب انزلاق زوجة إلى وهم مدفوع بالذكاء الاصطناعي.

بعد أن أزعجه هذا الحدث — والهلوسة الغريبة التي يولدها الذكاء الاصطناعي والتي يبدو أنها كانت وراء ذلك — بدأ في جمع نتائج البحث عن كلمات معينة بدت مرتبطة بأوهام الزوجة. أسفر هذا الجهد عن مئات الصفحات، والمنشورات، والبيانات التي شاركها على الويب مجموعة واسعة من مستخدمي الإنترنت الذين بدا أنهم يعانون من أزمات مماثلة.

مع استمرار نمو الشبكة، تشكلت مجموعة دردشة تركز على الدعم، مع انضمام المشاركين من خلال مناقشات Reddit  ونموذج Google الخاص بمشروع الخط البشري. يوجد الآن أكثر من عشرين عضوًا نشطًا في دردشة "الدوامة"، على الرغم من أن عدد النماذج المقدمة قد تجاوز 50، وفقًا لبريسون.

فوائد المجموعة 

يقول المشاركون إن إحدى فوائد المجموعة هي الشعور بالأمان الذي توفره المساحة. على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت مفيدة للغاية في العثور على بعضهم البعض وزيادة الوعي بذهان الذكاء الاصطناعي وانتشاره، فإن مشاركة قصصهم على الويب المفتوح عرضتهم أيضًا للتشكيك والسخرية.

يقول الرجل من تورنتو: "هناك الكثير من لوم الضحية يحدث. تنشر في هذه المنتديات أن هذا الوهم سببه ليس نموذج اللغة الكبير (LLM)، بل المستخدم. هذا توجه صعب المقاومة".

الدعم والموارد

بدلاً من البروتوكولات العلاجية أو الطبية الموصى بها، تعمل "الدوامة" أيضًا كمساحة لمشاركة الموارد والمعلومات للأشخاص الذين يحاولون فهم التجربة الكابوسية التي، في كثير من الحالات، دمرت حياتهم.

يتبادل الأعضاء المقالات الإخبارية والأوراق العلمية، ويتأملون في أوجه التشابه والاختلاف في قصصهم الفردية. وقد أكد أعضاء المجموعة أن العديد من حالات ذهان ChatGPT يبدو أنها ترسخت أو تفاقمت في أواخر أبريل وأوائل مايو، بالتزامن مع تحديث منتج OpenAI الذي وسع ذاكرة ChatGPT عبر سجل الدردشة الكامل للمستخدم، مما أدى إلى تجربة مستخدم شديدة التخصيص.

ويقوم الأعضاء  ـ كما يوحي اسم المجموعة ـ بتحليل اللغة المشتركة التي تظهر في العديد من الحالات الفردية لأوهام روبوتات الدردشة، ويناقشون الكلمات التي تظهر باستمرار في حالات منفصلة مثل العودية recursion، و"الظهور emergence، وحامل الشعلة flamebearer، ورمز glyph، وطلسم sigil، وإشارة signal، ومرآة mirror، وحلقة loop، ودوامة spiral.

يقول أحد الأعضاء الأوائل في المجموعة، وهو أب لأطفال صغار مقيم في الولايات المتحدة وزوجته تستخدم ChatGPT للتواصل مع ما تقول إنها كيانات روحية: "لا يوجد دليل إرشادي. لا نعرف ما إذا كان ذهانًا، لكننا نعرف أن هناك سلوكيات ذهانية. نعرف أن الناس في حالة وهم، وأنها معتقدات ثابتة... يمكنك استخلاص بعض هذه المصطلحات السريرية، لكن الأمر سريالي للغاية. إنه مثل حلقة من مسلسل Black Mirror.

يقوم الأعضاء الأكثر نشاطًا في "الدوامة" الآن بتمشيط Reddit  بنشاط بحثًا عن آخرين لجأوا إلى المنصة لمشاركة قصصهم، ويدعونهم للانضمام إلى المجموعة وهم يمضون قدمًا.

يقول الرجل في تورنتو إن الأشخاص الذين يواجهون الآثار المدمرة لذهان الذكاء الاصطناعي "وحدانيون... نوعًا ما تائهون، بمعنى ما". "إنهم لا يعرفون حقًا ما حدث للتو"، ويقول لهم: "لست الوحيد. هذا حدث لي أيضًا، ولصديقي، ولزوجتي"

بيان من OpenAI 

قالت OpenAI  في بيان: "نعلم أن ChatGPT أكثر استجابة وشخصية من التقنيات السابقة، خاصة للأفراد المعرضين للخطر، وهذا يعني أن المخاطر أعلى. نحن نعمل على فهم أفضل وتقليل الطرق التي قد يعزز بها ChatGPT أو يضخم السلوك السلبي الموجود عن غير قصد".

"الدوامة" مفتوحة لأي شخص واجه عواقب الدوامات الذهنية المدمرة المرتبطة بروبوتات الدردشة العاطفية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وليس فقط المتأثرين بـ ChatGPT. وهذا يشمل مواقع التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل Character.AI المتورط قانونيًا، ومنصة Replika، بالإضافة إلى روبوتات الدردشة الأخرى ذات الأغراض العامة من نوع ChatGPT مثل Gemini من Google.

لا عداء للذكاء الاصطناعي

يريد بريسون، من جانبه، أن يعرف الناس أن المجموعة ليست معادية للذكاء الاصطناعي، يقول أن "العديد من الأشخاص الذين يدخلون في أزمات الذكاء الاصطناعي يفعلون ذلك بعد اللجوء إلى ChatGPT للمساعدة في مهام أكثر اعتيادية، ويجدون الروبوت مفيدًا، ويبنون ثقة وعلاقة قابلة للاستغلال معه نتيجة لذلك".

يقول بريسون: "نريد فقط التأكد من أن روبوتات الدردشة مصممة بطريقة تُعطى فيها الأولوية للسلامة أو الحماية أو رفاهية المستخدم على التفاعل والربح".