القاهرة: الأمير كمال فرج.
حذرت الدراسات العلمية من الآثار المدمرة للكحول على صحة الإنسان، ليس فقط على الكبد والجهاز الهضمي، بل أيضًا على الدماغ، فقد أظهرت الأبحاث السابقة أن الاستهلاك المفرط للكحول يمكن أن يؤدي إلى ضمور الدماغ، وتلف الخلايا العصبية، ومشاكل في الذاكرة والوظائف الإدراكية، ويزيد من خطر الإصابة بالخرف والأمراض العصبية التنكسية.
هذه المخاطر لا تقتصر على المدمنين على الكحول، بل تمتد لتشمل من يتناولونه بكميات تُعتبر "ثقيلة" حتى لو لم يصلوا إلى مرحلة الإدمان. دراسة حديثة جاءت لتعزز هذه النتائج، وتقدم أدلة إضافية مقلقة حول التأثيرات المباشرة للكحول على صحة الدماغ والعمر المتوقع.
كشفت دراسة جديدة عن وجود صلات مقلقة بين الاستهلاك المفرط للكحول وتلف الدماغ، بالإضافة إلى الوفاة المبكرة.
أفاد باحثون برازيليون، حسب ما ذكرته الأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب، في دراسة حديثة أن الأشخاص الذين يفرطون في شرب الكحول (مُعرّفين بمن يتناولون ثمانية مشروبات كحولية أو أكثر أسبوعيًا، وهي ليست كمية ضخمة بشكل خاص)، يواجهون خطرًا أكبر للإصابة بآفات دماغية يمكن أن تسبب مشاكل في الذاكرة والوظائف الإدراكية.
تُعرف هذه الآفات باسم "تصلب الشرايين الهياليني hyaline arteriolosclerosis"، وتحدث عندما تضيق الأوعية الدموية الصغيرة في الدماغ وتتصلب، وهذا يجعل تدفق الدم أكثر صعوبة، مما قد يؤدي إلى تلف الدماغ بمرور الوقت.
فحص اختصاصيو علم الأمراض من جامعة ساو باولو سجلات ما يقرب من 1800 شخص، قبل وبعد الوفاة، والتي نُشرت في قاعدة بيانات Biobank for Aging Studies الصحية، كما ورد بالتفصيل في ورقة بحثية جديدة نُشرت في مجلة Neurology.
وقام الباحثون، من خلال مقارنة تشريح أدمغة المتوفين بتفاصيل السجلات الصحية لمن كانوا على قيد الحياة، بتقسيم المشاركين إلى أربع مجموعات: من لم يشربوا الكحول مطلقًا، من يشربون باعتدال (سبعة مشروبات أو أقل أسبوعيًا)، من كانوا يشربون بكثرة ثم توقفوا، ومن استمروا في الشرب بكثرة حتى وفاتهم.
لم تهدف الدراسة، التي قادها الخبير في البيولوجيا الوعائية، ألبرتو فرناندو أوليفيرا جوستو، إلى إثبات أي علاقة سببية، بل إلى إظهار ارتباط لم تتم دراسته بما يكفي، وقد نجحوا في ذلك بشكل كبير.
الخبر السار هو أن من يشربون الكحول باعتدال ومن كانوا يشربون بكثرة ثم توقفوا قبل وفاتهم، بدا أنهم، وفقًا للدراسة، أقل عرضة للإصابة بالآفات الدماغية. أما الخبر السيئ، فهو أن من كانوا يشربون بكثرة سابقًا ما زالوا معرضين لخطر أكبر ليس فقط للإصابة بالآفات، بل أيضًا لتشابكات "تاو tau tangles)"، وهي مؤشر حيوي عصبي مرتبط بمرض الزهايمر والخرف.
في حين أن 40 % فقط من أدمغة الممتنعين عن الكحول التي تم تشريحها كانت تحتوي على آفات دماغية، وجد الباحثون، بعد تعديل النتائج لعوامل أخرى تؤثر على صحة الدماغ مثل التدخين والنشاط البدني، أن من يشربون باعتدال كانوا أكثر عرضة للإصابة بالآفات بنسبة 60 % . أما من كانوا يشربون بكثرة سابقًا، فقد ارتفع خطر إصابتهم بنسبة 89 % ، في حين أن الأشخاص الذين شربوا بكثرة حتى وفاتهم كانوا أكثر عرضة بنسبة 133%.
ويشير البيان الصحفي إلى أن الباحثين وجدوا أيضًا أن من يشربون الكحول بكثرة حاليًا ومن كانوا يشربون بكثرة سابقًا كانوا أكثر عرضة للإصابة بتشابكات تاو، بنسبة 41 % و 31 % على التوالي. كما ارتبط الشرب المفرط السابق بنسبة كتلة دماغية أقل (نسبة أقل من كتلة الدماغ مقارنة بكتلة الجسم) وبقدرات إدراكية أسوأ.
والأسوأ من ذلك، أشارت تحليلات بيانات الباحثين إلى أن من يشربون الكحول بكثرة طوال حياتهم ماتوا، في المتوسط، قبل 13 عامًا من الأشخاص الذين لم يتناولوا الكحول مطلقًا.
وقال جوستو في البيان الصحفي: "لقد وجدنا أن الشرب بكثرة مرتبط مباشرة بعلامات إصابة في الدماغ، وهذا يمكن أن يسبب آثارًا طويلة الأمد على صحة الدماغ، مما قد يؤثر على الذاكرة والقدرات الفكرية".
مثل أي دراسة، كان لهذا البحث قيوده. نظرًا لأن قاعدة البيانات التي استُخدمت للحصول على هذه السجلات موجودة في المملكة المتحدة، فإن المرضى العشوائيين الذين حلل الباحثون سجلاتهم لم يكونوا معروفين لهم شخصيًا. لذلك، لم يعرف الباحثون مدة شربهم للكحول، ويبدو أنهم عرفوا فقط أن البعض لم يشرب قطرة واحدة بينما استمر آخرون في الشرب حتى النهاية المريرة.
ومع ذلك، قد تشجع هذه النتائج القاتمة من لديهم تاريخ في الإفراط في الشرب على التباطؤ، أو ربما تقنع الآخرين بعدم الإفراط في المستقبل.