القاهرة: الأمير كمال فرج.

طالب علماء بإيقاف الأبحاث في مجال "كائنات حياة المرآة" – وهي كائنات حية افتراضية مكونة من جزيئات تعكس تمامًا تلك الموجودة في الحياة الطبيعية – ، وذلك لأنها قد تقضي على الحياة على الأرض.

نظريًا، هي فكرة مثيرة للاهتمام. ولكن بعض العلماء قلقون من أن هذه الكائنات، إذا تم تحقيقها يومًا ما، يمكن أن تشكل خطرًا كبيرًا على العالم من حولنا، إذ قد تتحول إلى قوة لا يمكن إيقافها تنتشر بلا حدود، وتتغلب على الكائنات الحية الطبيعية وتقضي عليها.

كما ذكرت مجلة Nature العام الماضي، فإن كائنات المرآة قد تشكل مخاطر على جميع أشكال الحياة الموجودة إذا تم إطلاقها. ستكون بمثابة النوع الغازي النهائي، الذي لا يملك أي مفترسات طبيعية، وقادر على التهرب من أنظمة الكشف عن مسببات الأمراض الموجودة في الطبيعة لكونها مختلفة جذريًا.

في تقرير فني من 300 صفحة نُشرته جامعة ستانفورد في ديسمبر، عرض العلماء المخاطر التي تشكلها حياة المرآة، من الأوبئة إلى خسائر المحاصيل وانهيار النظم البيئية.

قال جاك زوستاك، الكيميائي الحائز على جائزة نوبل من جامعة شيكاغو والمؤلف المشارك في التقرير، لصحيفة  New York Times في ذلك الوقت. "قد تكون العواقب كارثية على مستوى عالمي".

خلاف علمي 

من ناحية أخرى، يقول علماء آخرون إن هذه المخاطر مبالغ فيها تمامًا، كما أشارت مجلة Nature في مقال متابعة هذا الأسبوع، مشيرين إلى أننا ما زلنا على الأرجح على بعد سنوات عديدة من تصنيع جزيئات مرآة أكبر، ناهيك عن كائنات حية كاملة. وحتى لو وجدت وهربت من المختبر، يعتقد بعض الخبراء أن الطبيعة لديها طرق للدفاع عن نفسها.

أثار هذا الخلاف جدلاً داخل المجتمع العلمي. واجتمع باحثون هذا الأسبوع في مدينة مانشستر بالمملكة المتحدة لمناقشة ما إذا كان ينبغي السماح بالبحث في حياة المرآة أم وقفه.

يُجادل المؤيدون للأبحاث بأن جزيئات الكيْرَالية العكسية reverse chirality يمكن استخدامها لإنشاء أدوية جديدة واعدة، لأنها لا يتم التعرف عليها بسهولة من قبل إنزيمات الجسم البشري وجهازه المناعي. وفي الوقت نفسه، قد تكون هذه المقاومة خطيرة، مما يسمح للأدوية بالانتشار بشكل لا يمكن السيطرة عليه في الجسم. .

قال عالم الكيمياء الحيوية ومؤسس شركة أدوية، سفين كلوسمان، لمجلة لـNature إنه من الضروري التفكير في المخاطر. وأضاف: "لكن لا ينبغي أن نصاب بالذعر بعد، ولا يجب أن نقيد الأبحاث مبكرًا جدًا".

لكن لا يتفق الجميع مع هذا الرأي. فقد قامت مجموعة من العلماء من صندوق حوارات بيولوجيا المرآة غير الربحي برعاية اجتماعات لمناقشة مخاطر إنشاء خلايا "صورة المرآة"، واختار بعض الأعضاء التخلي عن البحث تمامًا.

هل المخاطر مبالغ فيها؟

حتى الآن، وجد العلماء طرقًا لإنتاج خيوط قصيرة من الحمض النووي DNA و RNA والأحماض الأمينية التي هي بمثابة صورة مرآة. لكن الجزيئات الأكبر والأكثر تعقيدًا لا تزال تمثل تحديًا.

جادل تينغ تشو، عالم الأحياء الجزيئية في جامعة وستليك بمدينة هانغتشو الصينية، في مقال رأي نُشر في Nature بأن المخاطر مبالغ فيها، وكتب: "وسط السباق لاتخاذ إجراءات، من المهم ألا ندع المخاوف والقلق تحجب حكمنا على الأمور المجهولة الأساسية".

وذكر المقال: "من الضروري التمييز بين البيولوجيا الجزيئية لصورة المرآة والسيناريوهات الافتراضية في المستقبل البعيد، مثل إنشاء كائنات حية بصورة المرآة".

صرح تشو لـNature أن تصنيع ريبوسوم بصورة مرآة، وهو جسيم يحتوي على RNA ومعلومات لبناء البروتينات داخل الخلايا الحية، "يمكن أن يسرع بشكل كبير من اكتشاف الأدوية من خلال تمكين إنتاج كميات كبيرة من الببتيدات التي هي بمثابة صورة مرآة".

ويتفق باحثون آخرون على أن الأخطار مبالغ فيها. قالت راتمير ديردا، عالمة الأحياء الكيميائية في جامعة ألبرتا، لـNature إن حياة المرآة موجودة بالفعل "هنا على الأرض"، مشيرة إلى أن جسم الإنسان تطور بالفعل للكشف عن السكريات التي هي بمثابة صورة مرآة.

وأضافت: "إنها تُستخدم من قبل أشكال معينة من الحياة... سيكون من الظلم القول إننا غير مستعدين على الإطلاق".

في مقال تعليقي لمجلة Science، حث الكيميائي العضوي وخبير اكتشاف الأدوية ديريك لو على توخي الحذر، وكتب: "فيما يخص الأمر، أعتقد أننا بعيدون بما فيه الكفاية عن إنتاج أي كائنات حقيقية بحيث لا أشعر بالقلق بشأن هذا البحث". "ولكنني أعتقد أنه من الحكمة التفكير فيما يمكن أن يحدث في النهاية، وربما وضع بعض المحاذير للمستقبل".