القاهرة: الأمير كمال فرج.
مع التطور التقني، انتشرت تكنولوجيا المراقبة، حتى أصبحت خطيرة، فاليوم، أصبحت المراقبة التكنولوجية أصغر حجمًا، وأكثر ذكاءً، وأقل تكلفة من أي وقت مضى، ومن أحدث مظاهرها النظارات الذكية، فمع الانتشار السريع لهذه النظارات في حياتنا، وفوائدها الكثيرة، يبدو أن هناك ثمن فادح سنقدمة وهو الخصوصية.
ذكر تقرير نشرته صحيفة Financial Times إن "النظارات الذكية مثل نظارة Meta Ray-Ban Display، التي كشفت عنها شركة ميتا الأسبوع الماضي. يمكن أن تقوم ببعض المهام المفيدة، مثل عرض سهم فوق رؤيتك للحصول على الاتجاهات دون الحاجة إلى النظر إلى هاتفك، وعرض الاشعارات والتفاعل الصوتي، والتقاط الصور وتسجيل مقاطع الفيديو".
ولكن البعض يخشى من أن تكنولوجيا التعرف على الوجوه يمكن أن تُضاف إليها أيضًا في مرحلة ما، حتى يتمكن المستخدمون من معرفة من ينظرون إليه في الوقت الفعلي".
سيكون من الخطير والمميت أن نكتفي باللامبالاة لأن الخصوصية "قد ماتت بالفعل". هناك فرق نوعي بين قدرة الناس على تصويرك أو تصوير أطفالك بهاتف أو جرس باب، وهو أمر مرئي للغاية، مقابل قدرتهم على القيام بذلك دون أن يتم اكتشافهم (ما لم ترَ ضوء "التسجيل" الصغير على النظارات)، ناهيك عن تطبيق التعرف على الوجه.
الفوائد المحتملة - ربما يمكن للمستخدم أن يتجنب الإحراج عندما يصادف شخصًا نسي اسمه - تبدو أقل بكثير من المخاطر الواضحة لهذه التكنولوجيا في أيدي المتلصصين والمطاردين.
بالطبع، معظم الناس ليسوا متلصصين أو مطاردين، ولكن بمجرد انتشار التكنولوجيا، قد يكون لها تأثير سلبي على شعور الناس وتصرفاتهم في الأماكن العامة. قد يجعلهم ذلك أكثر حذرًا في تعاملاتهم مع الغرباء، أو حتى يغريهم لتغطية وجوههم.
سيكون هذا خسارة فادحة، لأنه بينما تتراجع الثقة في المؤسسات في العديد من الأماكن، فإن مقاييس الثقة الاجتماعية ظلت ثابتة في عدد من البلدان حتى الآن. وفقًا لمسح القيم العالمية World Values Survey، فإن نسبة الأشخاص الذين يقولون إنهم يثقون في شخص يلتقونه للمرة الأولى ظلت ثابتة على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية في كندا وأستراليا والولايات المتحدة، وتحسنت بشكل طفيف في بريطانيا وألمانيا.
لقد كان الخوف من "الأخ الأكبر" سيئًا بما فيه الكفاية. آخر شيء نحتاج إليه الآن هو الخوف من مجموعة من "الإخوة الصغار" أيضًا.
قبل ربع قرن، احتدم النقاش العام حول كاميرات المراقبة. هل قللت بالفعل من الجريمة؟ هل ستقودنا إلى مجتمع "الأخ الأكبر"؟ في هذه الأثناء، كان بعض المفكرين يتطلعون إلى الأمام: ماذا سيحدث عندما تصبح هذه التكنولوجيا أصغر حجمًا وأرخص ثمنًا وأكثر توفرًا على نطاق واسع؟
في كتابه "المجتمع الشفاف" عام 1998، جادل الكاتب ديفيد برين بأن التكنولوجيا لا يمكن إيقافها، ولكنها يمكن أن توفر للمواطنين "مصابيحهم الخاصة" لفحص الأقوياء. بعد بضع سنوات، صاغ الأكاديمي ستيف مان مصطلح "المراقبة العكسية sousveillance (من الكلمة الفرنسية التي تعني "أسفل") لتمثيل فكرة أن الأشخاص العاديين يمكن أن يتمكنوا من المراقبة.
لم تثبت أعمال المراقبة العكسية المتفرقة أنها تشكل رادعًا كبيرًا لانتشار المراقبة. لنأخذ مكان العمل كمثال: وجد مسح لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لأكثر من 6000 شركة في ستة بلدان نُشر هذا العام أن البرامج تُستخدم الآن لمراقبة وقت العمل في 88 % من الشركات الأمريكية، و 44 % من الشركات الأوروبية، و 19% من الشركات اليابانية. كما تُستخدم لمراقبة إنجاز أنشطة العمل بنسبة 86 و 40 و 18% على التوالي من الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية. هذا على الرغم من عدم وجود دليل يشير إلى أن المراقبة الإلكترونية لأداء الموظفين تحسن الأداء، وفقًا لأحد التحليلات.
كما لا يبدو أن القدرة على "مراقبة المراقبين" قد أدت إلى تحسين الثقة في المؤسسات القوية: فقد وجد أحدث مقياس ثقة لـ Edelman latest Trust Barometer، الذي يستطلع آراء الناس في 28 دولة، أن نسبة متزايدة من الناس يعتقدون أن قادة الأعمال والسياسيين والصحفيين يضللون الناس عمدًا.
في الواقع، لم يكن الاتجاه الأبرز في السنوات الأخيرة هو المراقبة العكسية للأقوياء، بل ما سأسميه - لعدم وجود كلمة أفضل - "المراقبة بين الأقران peerveillance. بمساعدة الأدوات والاشتراكات من شركات التكنولوجيا، فإننا نوجه أنظارنا بشكل متزايد على بعضنا البعض، سواء من خلال الكاميرات الموجودة على خوذات الدراجات أو من خلال تبنينا السريع لأجراس الأبواب المزودة بكاميرات مثل أجهزة Ring من أمازون.
إن التكنولوجيا، في جوهرها، محايدة. يمكن أن تكون أداة للتقدم والترابط، أو وسيلة للتطفل والرقابة. ما يحدّد مسارها هو كيفية استخدامنا لها. مع تصاعد قدرات "الأخ الأصغر" و"المراقبة بين الأقران"، يقع على عاتقنا مسؤولية حماية خصوصيتنا وثقتنا المتبادلة.
يجب علينا أن نطرح أسئلة صعبة على أنفسنا وعلى الشركات التي تصنع هذه الأجهزة. هل سنسمح للتكنولوجيا بتشكيل سلوكنا وتحويل علاقاتنا إلى مجرد تفاعلات خاضعة للمراقبة؟ أم أننا سنستمر في المطالبة بالشفافية والمساءلة، ونستخدم التكنولوجيا لتمكيننا لا لتجريدنا من إنسانيتنا؟
إن الخطر الأكبر لا يكمن في التكنولوجيا نفسها، بل في استسلامنا لها. ومستقبل مجتمعنا، سواء كان قائمًا على الثقة أو المراقبة، سيتوقف على الإجابات التي نختارها.