القاهرة: الأمير كمال فرج.
أصبح الذكاء الاصطناعي الضيف الثقيل الذي يُحشَر في كل زاوية من حياتنا اليومية، بصرف النظر عن مدى جدوى هذا الإقحام. من مدققك الإملائي الشخصي إلى مطعمك المفضل، وحتى ثلاجتك الذكية، يبدو أن لا شيء بمنأى عن هيمنة خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
ذكر تقرير نشرته مجلة Futurism إن "شركة Merriam-Webster الشهيرة، رائدة صناعة القواميس والمعاجم، أعلنت أنها تستعد لإطلاق نموذج لغوي كبير خاص بها. كان الخبر صادمًا، وكأنها العلامة الأخيرة على استسلام معاقل الثقافة واللغة لجنون الـ "AI".
في فيديو دعائي شاركته الشركة، يعلن الراوي بنبرة حماسية: "لقد أشرق فجر عصر الذكاء الاصطناعي، ونحن فخورون بأن نقدم أحدث نموذج لغوي كبير لدينا".
ويواصل الصوت الجهوري: "إنه نموذج لا يعاني من الهلوسة مطلقًا. لا يتطلب مراكز بيانات ضخمة، ولا يستهلك أي كهرباء. إنها أداة قوية ستغير طريقة تواصلك... إلى الأبد".
ثم ينتقل الفيديو إلى الكشف المنتظر. المفاجأة كانت بظهور أحدث إصدار من "معجم كوليجيت" Collegiate Dictionary التابع لـ Merriam-Webster، وهو النسخة الثانية عشرة التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي. يظهر الكتاب الفعلي المجيد وهو يدور ببطء، دون وجود مربع لإدخال الأوامر في الأفق. إنه مجلد أحمر، في مواجهة الصندوق الأسود التقني.
ويُختتم الفيديو بصوت آخر يقول: "هناك ذكاء اصطناعي، ثم هناك الذكاء الحقيقي".
سخرية لاذعة
تسلط هذه اللقطة الساخرة الضوء على كل ما هو خاطئ في عالم الذكاء الاصطناعي، وتكشف قبل كل شيء مدى غرابة وسذاجة التهافت العالمي على تبني تقنية لا تزال تجريبية للغاية، ومنافعها غير مؤكدة وعيوبها لا حصر لها.
إن الانتشار الواسع للفيديو عبر الإنترنت هو شهادة على القلق المحيط بهذا الاندفاع المحموم؛ فنحن جميعاً نحبس أنفاسنا ترقباً للعلامة التجارية أو الشخصية المشهورة التالية التي ستستسلم فجأة لهذا التيار.
وما يجعل هذه السخرية ذات أهمية خاصة هو العلاقة المخيفة للتقنية الجديدة بـ "ذكائنا الحقيقي"، كما أشار فيديو ميريام-ويبستر. فقد أظهرت الأبحاث كيف يمكن للاعتماد المفرط على روبوتات الدردشة أن يُضعف مهارات التفكير النقدي لدينا بل ويؤدي إلى تآكل الذاكرة، ناهيك عن دفع بعض الأفراد إلى دوامات خطيرة من الأوهام المتعلقة بالصحة العقلية.
ومع ذلك، تواصل المدارس والكليات إيجاد طرق لفرض أدوات الذكاء الاصطناعي على طلابها، حيث ألزمت إحدى الجامعات جميع طلابها الجدد باستخدام الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية. وعلينا أن نشير بالطبع إلى ظاهرة الغش المستشري الذي يُستخدم فيه هذا النوع من الروبوتات. فلماذا يتعلم الطلاب فعليًا عندما يمكن لبرنامج ChatGPT أن يبصق مقالة كاملة لهم؟ إنصافًا للطلاب الكسالى، فإن بعض أساتذتهم يستخدمون هذه التقنية أيضاً.
قيمة الكلمة المطبوعة
على أي حال، فإن "معجم كوليجيت" الجديد استغرق 22 عامًا من العمل، ويأتي مُزوَّدًا بـ 5000 كلمة جديدة تمامًا، مثل: "rizz" (كاريزما)، و"beast mode" (وضع الوحش)، و"doomscroll" (التصفح الكئيب)، و"dumbphone" (الهاتف الغبي). إنها جميع المصطلحات الرائجة الجديدة التي نحن على يقين بأنها ستصمد في وجه الزمن تماماً مثل هذا الهوس الحالي بـ "شعوذة الذكاء الاصطناعي".
قد لا يكون الكتاب قادراً على مسح شبكة الإنترنت بالكامل بحثًا عن الإجابات، أو استخدام عشرات الآلاف من وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) لـ "التفكير" بجدية في أسئلة مثل "كم عدد الحرف B في كلمة blueberry ويُخطئ فيها مع ذلك، ولكن مهلاً: الكلمة المطبوعة القديمة تقوم بعمل رائع ومُحترم في مواكبة دوامة أوقاتنا العاصفة.