القاهرة: الأمير كمال فرج.
على الرغم من أن أول مبدع معروف في التاريخ البشري كان مصريًا، وهو الكاهن إمحوتب، إلا أن الرسامين والنحاتين والحرفيين الذين عملوا تحت حكم الفراعنة لم يُطلقوا على أنفسهم لقب "فنانين"، وعملوا في الغالب دون الكشف عن أسمائهم. ومع ذلك، وكما يستكشف معرض جديد، فقد ترك هؤلاء الحرفيون المهرة بصمة فنية واضحة وأسلوبًا مميزًا.
ذكر جوناثان جونز في تقرير نشرته صحيفة The Guardian إن "أول مبدع في التاريخ البشري نعرف اسمه اليوم هو مصري، وهو الكاهن إمحوتب، الذي ينسب له تصميم الهرم المدرج للملك زوسر في سقارة قبل حوالي 4,700 عام، وبذلك بدأ الإنجازات الجمالية الرفيعة لتلك الدولة القديمة الممتدة على ضفتي النيل".
لكن المصريين القدماء لم يتصوروا الإبداع كإنجاز فردي أو ينظروا إلى الفنانين كشخصيات مشهورة – إلا إذا كانوا آلهة بالمعنى الحرفي. كان يُعتقد أن إمحوتب هو ابن الإله الخالق بتاح، وتم تأليهه كإله للحكمة والمعرفة وراعي للكتبة. أما معظم الفنانين المصريين، فلم يكن من المرجح أن يُتذكروا بأسمائهم أكثر من بناة ستونهنج. ولم يكن مفهوم "الفن" بالمعنى الحديث مطروحاً. فالأقنعة الذهبية للمومياوات وتماثيل الفراعنة الذين يحملون الرماح لم تُصنع لتُعجب، بل لمساعدة الموتى في رحلتهم عبر الحياة الأخرى.
وبالنسبة للإبداع الفردي، لم يكن هناك مجال كبير له في فن حافظ على نفس الأسلوب، مع تغييرات سطحية فقط، لمدة 3000 عام.
الفنان خلف الستار
لكن، هل كان هذا هو الحال حقاً؟ تقول هيلين سترودويك، القيّمة على معرض "صُنع في مصر القديمة" Made in Ancient Egypt في متحف فيتزويليام Fitzwilliam Museum بمدينة كامبريدج، إنه عند دراسة رسومات الجدران في المقابر المصرية، يلاحظ المرء أحياناً اندفاعات من الفردية، حيث يخرج الرسام عن الأسلوب المصري الرسمي". وتضيف: "تجد مقاطع صغيرة تكون فيها الرسومات حرة تماماً... بمثابة رسومات تخطيطية".
يهدف المعرض، الذي تشرف عليه سترودويك، إلى إبراز الفنان من وراء الفن المصري. فعلى عكس معظم المعارض التي تنبهر بالأغراض السحرية وعظمة هذا الفن، تريد سترودويك استكشاف كيف ومَن قام بصنعه، قائلة: "مهاراتهم، وكيف عاشوا، وممارساتهم".
لم يطلقوا على أنفسهم اسم فنانين، بل كان المصطلح الذي استخدموه هو "حِموت hemut، وهو شخص يعرف كيفية القيام بالأشياء بمهارة ومعرفة عميقة. كان هؤلاء العمال ذوو المهارات العالية "رجالاً في الغالب"، وكانت معرفتهم تنتقل عبر العائلات، من الأب إلى الابن. لقد كان عملاً ذو قيمة، وكانت حياتهم مريحة إلى حد ما. ففي وادي الملوك، كانت هناك قرية خاصة للفنانين الذين عملوا في هذا الموقع الصحراوي النائي، مزودة بمقصف وخدم. كان يوم العمل النموذجي يتضمن أربع ساعات عمل، ثم استراحة لتناول وجبة، ثم أربع ساعات أخرى.
يبدو هذا بعيداً عن الصورة النمطية لمصر القديمة كمجتمع قمعي وهرمي حيث يستخرج المشرفون العمل القسري. تؤكد سترودويك: "لم يبن العبيد الأهرامات - بل بنتها قوة عاملة ماهرة". بشكل عام في مصر القديمة، "كان العبيد أقل شيوعاً مما يعتقده الناس".
نحن نرى مصر القديمة كثيراً من خلال مقابرها وتجهيزاتها، ناهيك عن المومياوات، لذا من السهل أن نتخيلها أكثر غرابة مما كانت عليه. يسعى معرض "صُنع في مصر القديمة" إلى الوصول إلى الحياة الحقيقية وراء بعض أعظم فنون العالم. وكما تقول سترودويك: "هؤلاء الناس لم يكونوا غرباء بشكل غامض، بل كانوا بشراً مثلنا تماماً".
لمحات من المعرض: خمس أعمال فنية
1. رأس التابوت الداخلي لنس باور شيفيت (حوالي 1000 قبل الميلاد)
كان أمل كل مصري قديم هو الحصول على حياة آخرة سعيدة. ولكن ذلك يستلزم رحلة خطيرة وحكمًا، لذا كانت كل تعويذة وتميمة تساعد. كل جمال التابوت المزخرف بالذهب لـ "نس باور شيفيت"، المشرف على ورش الكتبة والحرفيين، كان يهدف إلى تسريع مهمته.
2. لوحة تذكارية لصانع الفيانس، رخ آمون (1295–1186 قبل الميلاد)
من المحتمل جداً أن يكون رخ آمون قد صنع هذه اللوحة بنفسه للحفاظ على اسمه ومساعدته على النجاح في الحياة الآخرة. كان الفيانس المصري القديم، المصنوع من الكوارتز ومعادن أخرى، عبارة عن سيراميك مزجج أزرق لامع كان يُعتقد أنه سحري. في هذه اللوحة، يُرسم رخ آمون بخطوط سوداء واضحة يقف أمام الإله أوزوريس.
3. دليل لرسم الحيوانات (664–332 قبل الميلاد)
تُعد هذه الوثيقة المدهشة التي توضح كيف تعلم الفنانون المصريون القدامى الرسم بمثابة نظرة ثاقبة حول كيفية صياغة الفن للواقع. يتم تصوير الحيوانات في منظر جانبي مسطح، بالطريقة الرسمية التي تظهر بها في رسومات المقابر. وعندما قلب الفرعون إخناتون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد التقاليد الدينية والفنية، تحول الفنانون على الفور إلى الأسلوب الواقعي والمعبر الذي أراده، ثم عادوا إلى هذا النمط بعد وفاته.
4. ملعقة مزخرفة بمقبض متقن وغطاء دوار (1327–1186 قبل الميلاد)
يُظهر هذا الغرض الرائع المصنوع من خشب الخروب مدى إبداع الحرفيين المصريين. وهو عبارة عن وعاء طويل لمستحضرات التجميل. إن تصوير المرأة التي تحمل ما يبدو أنه وعاء للمكياج مع غطاء متحرك، لا يزال بألوانه الزاهية والرقيقة، يحمل إحساساً بالمرح الفني الخالص.
5. وعاء زجاجي على شكل سمكة (1550–1292 قبل الميلاد)
كان يُعتقد أن المصريين القدامى لا يعرفون كيفية صنع الزجاج واستوردوه. لكن سترودويك تؤكد: "هناك دليل واضح على أنهم كانوا يصنعون الزجاج بطريقة ماهرة حقاً". هذا الوعاء الزجاجي هو دليل على أن الفنانين المصريين كانوا يستطيعون رؤية الطبيعة وتقليدها في شكل ثلاثي الأبعاد، حيث تم التخلي عن طابع الرسمية في لوحاتهم عندما صنعوا أجساماً مجسمة.