القاهرة: الأمير كمال فرج.
ما كان يُعد يوماً ضرباً من الخيال العلمي - القدرة على سبر أغوار العقل وترجمة الأفكار مباشرة إلى لغة مفهومة - يقترب الآن من أن يصبح واقعاً ملموساً. مع التطور التقني الهائل، أصبح نسخ الأفكار أمرًا ممكنا.دلائل التطور التقني في كل مكان، بدءاً من واجهات الدماغ والحاسوب BCIs وصولاً إلى الخوارزميات التي تكتشف المشاعر من مسح الوجه.
ذكر فرانك لانديمور في تقرير نشرته مجلة Futurism إن " فريق من العلماء أعلن عن تطوير نموذج يمكنه توليد أوصاف لما يراه الدماغ بمجرد تحليل مسح لنشاطه العصبي، وعلى الرغم من أن التكنولوجيا لا تزال قيد التطوير، إلا أنها تقترب أكثر فأكثر من الغاية"
يُطلق الفريق على هذه التقنية اسم "تسمية الأفكار mind captioning، وقد تمثل طريقة فعالة لنسخ ما يفكر فيه الشخص، مع نتائج دقيقة وشاملة بشكل مثير للإعجاب.
يقول أليكس هيوث، المؤلف المشارك للدراسة الجديدة المنشورة في دورية Science Advances والمتخصص في علم الأعصاب الحاسوبي بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، لمجلة Nature: "هذا أمر صعب التنفيذ، ومن المدهش أننا نستطيع الحصول على هذا القدر من التفاصيل."
سلاح ذو حدين: الخصوصية والتواصل
تثير هذه التكنولوجيا تداعيات مزدوجة: فمن ناحية، يمكن أن تمنح صوتاً للأشخاص الذين يعانون من صعوبات في النطق بسبب السكتات الدماغية، أو الحبسة الكلامية Aphasia، أو غيرها من المشاكل الطبية. ولكن من ناحية أخرى، قد تهدد خصوصيتنا الذهنية في عصر تُراقَب فيه وتُشفَّر العديد من جوانب حياتنا الأخرى.
لكن الفريق يؤكد أن النموذج لا يمكنه فك تشفير أفكارك الخاصة حالياً. يضيف هيوث: "لم يثبت أحد بعد أنه يمكن القيام بذلك."
كيف يعمل نظام فك التشفير الدماغي؟
تعتمد التقنية الجديدة للباحثين على دمج عدة نماذج للذكاء الاصطناعي AI عن طريق الآتي:
تدريب نموذج اللغة العميق Deep Language Model: قام النموذج بتحليل الأوصاف النصية لأكثر من 2000 مقطع فيديو قصير، مولداً لكل وصف "توقيع معنى" فريداً.
مطابقة الدماغ بالتوقيع: تم تدريب أداة ذكاء اصطناعي أخرى على صور الرنين المغناطيسي MRI لستة مشاركين أثناء مشاهدتهم لنفس مقاطع الفيديو، حيث طابقت نشاط الدماغ مع "توقيعات المعنى" التي تم توليدها.
فك التشفير والتوليد: يقوم فك الشفرة الدماغي الناتج بتحليل مسح دماغي جديد لشخص يشاهد مقطع فيديو والتنبؤ بتوقيع المعنى، بينما تبحث أداة توليد النصوص بالذكاء الاصطناعي عن جمل تطابق التوقيع المتوقع، مما ينشئ عشرات الأوصاف المرشحة ويحسنها تدريجياً.
على الرغم من أن الأمر قد يبدو كسلسلة معقدة من التخمينات، إلا أن النتائج كانت وصفية بشكل ملحوظ وصحيحة في الغالب. وفقاً لمجلة Nature، فمن خلال تحليل نشاط دماغ مشارك شاهد فيديو لشخص يقفز من أعلى شلال، تنبأ نموذج الذكاء الاصطناعي في البداية بعبارة "تدفق ربيعي"، وحسّنها إلى "فوق شلال مياه متدفقة سريعة" في التخمين العاشر، واستقر أخيراً على "شخص يقفز فوق شلال عميق على حافة جبلية" في التخمين المائة.
دقة النتائج
إجمالاً، حققت الأوصاف النصية المولدة دقة بنسبة 50% في تحديد مقطع الفيديو الصحيح من بين 100 خيار محتمل. وهي نسبة أعلى بكثير من الصدفة العشوائية (التي تبلغ حوالي 1%)، وتُعد إنجازاً مبهراً في سياق استنتاج أفكار متماسكة من أنماط النشاط الدماغي.
ويشير توموياسو هوريكاوا، المؤلف المشارك للدراسة من مختبرات NTT لعلوم الاتصالات في اليابان، إلى أن المحاولات السابقة لنسخ الأفكار أنتجت فقط أوصافاً تقريبية للكلمات الرئيسية، وليس سياقاً تفصيلياً. كما أن بعض التقنيات الأخرى كانت غير عملية بشكل كبير، مثل جهاز ميتا الذي يستخدم نموذج تعلم عميق وماسحاً مغناطيسياً، ولكنه ضخم ومكلف ويحتاج إلى غرفة معزولة.
ورغم أن هذا النهج الأخير اعتمد على جهاز الرنين المغناطيسي MRI الذي لا يزال غير عملي للاستخدام اليومي، يأمل الباحثون في أن يتم دمج طريقتهم مع زرعات دماغية في المستقبل، والتي من شأنها توفير القراءات.
وفي الختام، صرّح هيوث: "إذا تمكّنا من القيام بذلك باستخدام هذه الأنظمة الاصطناعية، فربما يمكننا مساعدة هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التواصل."