القاهرة: الأمير كمال فرج.
تحت رمال الأقصر، كشف علماء الآثار عن مقابر تسلط الضوء على طبقة "خفية" من كبار المسؤولين الذين شكلوا مصر القديمة من وراء الكواليس.
ذكر سمير سبتي في تقرير نشره موقع Dailygalaxy إن "ثلاث مقابر اكتُشفت مؤخراً في البر الغربي للأقصر تعيد كتابة ما يعرفه الباحثون عن الطبقة الإدارية في مصر القديمة. تعود هذه المقابر إلى أكثر من 3000 عام، أي إلى عصر الدولة الحديثة، وتقدم رؤى جديدة في البيروقراطية المدنية والدينية المعقدة للدولة".
وبخلاف المدافن الملكية الموجودة في وادي الملوك، فإن هذه المقابر تعود إلى إداريين رفيعي المستوى، وهم رجال أسست مسيراتهم المهنية الشبكات اللوجستية الهائلة التي دعمت اقتصادات المعابد والحوكمة الإقليمية.
قيادة مصرية خالصة لعملية التنقيب
أجريت عملية التنقيب بالكامل بواسطة فريق من علماء الآثار المصريين تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، ما يعكس تحولاً في قيادة البعثات الأثرية من الفرق الأجنبية إلى الفرق الوطنية. ويبرز هذا المشروع، الذي يشرف عليه الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مدى احترافية واستقلالية البنية التحتية الأثرية المصرية.
تعود المقابر إلى ثلاثة مسؤولين هم: آمون-إم-إيبت، وباكي، وشخص مشار إليه باسم "س". خدم كل واحد من هؤلاء الرجال في مناصب إدارية أو دينية رئيسية خلال الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (ما بين 1550 و 1200 قبل الميلاد تقريباً). وتوفر النقوش والنقوش البارزة الملونة والتصاميم المعمارية المحفوظة في هذه المقابر أدلة حاسمة حول مناصبهم، ونطاق سلطاتهم، وأدوارهم المجتمعية.
بيانات جديدة تعيد تشكيل هيكل السلطة
اكتُشفت المقابر في منطقة "درا أبو النجا"، وهي جبانة مكتظة تقع ضمن المشهد الجنائزي لطيبة، مقابل معبد الكرنك والأقصر على الضفة الأخرى للنيل. وكانت هذه المنطقة تستخدم تاريخياً لدفن الشخصيات ذات المكانة العالية المرتبطة بملكيات المعابد وإدارات القصور.
آمون-إم-إيبت: كان مسؤولاً خلال العصر الرَّمْسي، حيث عمل في نطاق معبد آمون. وعلى الرغم من تضرر أجزاء من مقبرته، فإن المشاهد الجدارية المتبقية تصور طقوس تقديم القرابين والمآدب الجنائزية، وهي ممارسات شعائرية مرتبطة بطقوس المعبد. ويضم مدفنه فناءً صغيراً، وقاعة مربعة، ومحراباً، وهو تصميم نموذجي للعمارة النخبوية متوسطة المستوى خلال الأسرة التاسعة عشرة.
باكي: كان مشرفاً على صوامع الحبوب خلال الأسرة الثامنة عشرة، حيث أشرف على أنظمة تموين المعبد التي كانت تنظم تخزين الطعام وإعادة توزيعه.
"س": تعود المقبرة الثالثة إلى مسؤول يدعى "س"، كان كاتباً وعمدة لواحات الشمال. كما كان يتمتع بسلطة إشرافية على معبد آمون في الصحراء الغربية، مما يشير إلى أن دوره امتد إلى مناطق الحدود القاحلة في مصر، وهي مناطق حاسمة لاستخراج الموارد، وتجارة القوافل، وأمن الدولة.
الألقاب تكشف ميكانيكا الحوكمة الفرعونية
إن النقوش الهيروغليفية داخل المقابر ليست مجرد لمسات رمزية، بل هي بيانات وظيفية. فكل لقب ومنصب مسجل يساعد في إعادة بناء آليات عمل الدولة. لم يكن هؤلاء الرجال مجرد شخصيات احتفالية؛ بل كانوا مشغلين محوريين للممتلكات الدينية، وأنظمة الضرائب الإقليمية، والإدارة المشتركة بين الواحات.
على سبيل المثال، وضع دور "باكي" في الإشراف على الحبوب في نقطة تحول حيوية في اقتصاد الغذاء المصري. كان القمح هو الوحدة الأساسية للضرائب وتعويض العمل في الدولة الحديثة. ومن خلال تخزين وإعادة توزيع الحبوب، قام مسؤولون مثل باكي بإدارة القاعدة المادية لعمليات المعبد، وتموين الجيش، والتنظيم الاقتصادي بفعالية.
أما الكاتب المعروف باسم "س"، فكان أكثر من مجرد موظف إداري؛ فقد ربط دوره بين الحوكمة المركزية والإقليمية. وبصفته عمدة للواحات ومشرفاً على معابد الصحراء، ربط طيبة الحضرية بالمستوطنات الطرفية، وهو إنجاز لوجستي يتطلب التنسيق عبر مئات الكيلومترات من التضاريس القاحلة.
تعكس جودة عمارة المقابر أيضاً نفوذهم الإداري. ففي حين أنها أصغر من المقابر الملكية، يضم كل منها مصليات مطلية، وتصاميم متعددة الحجرات، وتماثيل أوشابتي (تماثيل جنائزية صغيرة مصممة لأداء العمل نيابة عن المتوفى في الحياة الأخرى). تؤكد هذه الأشياء، المرتبطة بتقاليد "كتاب الموتى"، على دمج السلطة الإدارية بالمعتقد الديني.
جهود الحفظ والتوثيق جارية
تخضع المقابر حالياً لعملية صيانة على مراحل، تشمل تثبيت الأسطح وحماية الأصباغ والتوثيق الكتابي الكامل. وأكدت الوزارة أنه يتم استخدام نمذجة ثلاثية الأبعاد مفصلة 3D modeling لحفظ الغرف والنقوش رقمياً لأغراض البحث المستقبلية والوصول العام.
وأشارت الوزارة أيضاً إلى أن العديد من مقابر "درا أبو النجا" تظهر علامات على إعادة استخدام لاحقة، وغالباً ما تتضمن تعديلات هيكلية، أو أضراراً في البرامج الزخرفية، أو تعديلات معمارية كاملة. يتم تحليل هذه الطبقات من إعادة الإشغال إلى جانب المواد المكتشفة حديثاً لفهم كيفية تطور ممارسات الدفن خلال أوقات عدم الاستقرار السياسي.
ومن المقرر نشر تقرير أكاديمي كامل عند الانتهاء من التحليل الميداني. ستُغذي هذه البيانات الدراسات المقارنة الجارية بالتعاون مع المؤسسات التي تعمل في مناطق دفن النخبة الأخرى مثل "الشيخ عبد القرنة" و "الخوخة".
في غضون ذلك، من المتوقع أن يضم المتحف المصري الكبير، الذي يحتوي على أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، قصصاً منسقة حول مسؤولين غير ملكيين مثل "باكي" و "س"، الذين تجسد مسيراتهم المهنية الهيكل التشغيلي لمصر القديمة خارج بلاط الفراعنة.