الدكتور رضا عبدالرحيم .
لم ينشأ فى أى بُقعة من بقاع العالم طقس من طقوس إعداد الشاى يُمكن مُضاهاته بطقوس "السادو".إلا أنه تُوجد بالطبع فى العالم أشكال أخرى لإعداد الشاى ،تتجاوز بكثير مجرد فكرة استهلاك الشاى بوصفه مشروبا ساخنا ذا تأثير مُنبه.
أُدخل الشاى إلى اليابان فى عصر كاماكورا ، بواسطة رهبان بوذيين كشراب طبى .غير ان مراسم الشاى التى نشأت حوله كانت شيئا فريدا بالنسبة لليابان.
ويُعد "بودهيدهارما " مؤسس مذهب "الزن"البوذى ،كما تخبرنا الأسطورة : بعد أن أعتراه غضب عارم من نفسه ،أنتزع أو قص جفونه وقذفها بدفعة قوية على الأرض ،ومنها نبتت بين عشية وضحاها أول شجرتا شاى.ولم يكن من الصعب التعرف إليهما من شكل أوراقهما الذى يشبه الجفون !
وفى عصر موروماتشى،كان السادة المحاربون والتجار الأثرياء عندما يجتمعون لمناقشات سياسية أو تجارية،كثيرا ما ينتهزون الفرصة لتقديم الشاى.
ولمراسم الشاى سمتان بارزتان نشأتا تحت رعاية تويوتومى هيديوشى ( 1536-1598 ) وتعتبران انعكاسا لحياته وشخصيته الخاصة.فقد كان إخضاعه للبلاد يشكل خضوع الحكومة المركزية القديمة وفنها معا بواسطة قوة إقليمية وزراعية.
وكان سين- نو- ريكيو(1522-1591) ، هو الذى إرتفع بشرب الشاى إلى مستوى فن من الفنون.حيث قام بتصميم غرفة الشاى( تاى-آن) ،وهى تبدو لأول وهلة بسيطة تماما بل وصغيرة جدا، ولكنها فى الواقع خططت بأكبر قدر من التروى المتسم بالعناية والدقة،حتى فى أصغر التفاصيل،وكانت مؤسسة بأبواب منزلقة مغطاة بورق يابانى نصف شفاف ناصع البياض،وكانت الأعمدة فى غالبها من الخشب الذى يحتفظ بقشرته الطبيعية،وقد صنع السقف من الخيرزان أو البوص ،بينما كانت البنية العارية للجدران موضع تقدير بالغ ،من أجل خلق تأثير كوخ ناسك فى غرفة الشاى،فقد ألغيت كل الزخارف التى لا فائدة لها وكذا الزينات الخارجية.
وهكذا ،فإن القصور الرائعة التى تتألق بالذهب ،وزخرفة غرفة الشاى التى توحى بجو بيت ريفى متواضع ذى سقف من القش،هى فى نفس الوقت زخرفة متباينة العناصر،ومع ذلك فإنها كانت جانبين لنفس العملة.حيث كان القادة العسكريون والتجار الأثرياء يظهرون المهابة والبهاء من الخارج،ولكنهم فى أعماق قلوبهم يتمنون العيش فى مناخ الهدوء والتأمل.
ولإعطاء إحساس الذوق الهادىء(وابى) والرزانة (شيبومى) –ولهما دورا مهما فى الإثنتى عشرة قاعدة أساسية ،التى يشتمل عليها طريق الشاى،ويُعتبر هذان المصطلحان حتى يومنا هذا تصورين محوريين فى فلسفة الجمال اليابانية- وضعت حواجز واحجار للعبور،وأحواض لغسل الأيدى، وفوانيس حجرية على طول الطريق الضيق المؤدى إلى الغرفة..حيث يعد الإنسان روحه لدخول غرفة الشاى بالسير بخطواته على طول هذا الطريق ،ومثلت غرفة الشاى ذاتها حيزا سوف تمتلىء فيه الروح.
كما جاءت التقاليد الروحانية المصاحبة لعملية إعداد الشاى لتوضح جانبا هاما من جوانب الشخصية اليابانية،بإيمانه بأن كل من يخوض قتالا،فإنه يخوضهُ فى المقام الأول ضد نفسهُ هو- أنه تدريبا روحانيا وليس مجرد شرب الشاى- ومن ناحية أخرى فإن الممارسة العملية لقواعد مُحاربى الساموراى ،وكلك واقع تجاربهم قد حلفا أثرا مترسبا ملموسا للغاية فى طقوس الشاى،وهكا فقد كان- تبعا لمدرسة الشاى- من شأن الصوت الناتج عن سقوط مقبض المغرفة المصنوعة من الخيرزان على حصيرة "تاتامى"،أو صوت الفرقعة الجاف المنبعث من شد قماشة التنظيف الحريرية،أن يذكرا بنغمة الصوت الصادرة عند مفارقة السهم لوتر القوس.كما أن أصل بعض الحركات الإيمائية المحددة المستخدمة عند تناول أداة تحريك الشاى ،التى تشبه الملعقة،ووضعها يعود إلى تتابعات حركات فن المبارازة بالسيف
وعلى النقيض من أغلب طرق إعداد الشاى المنتشرة فى أيامنا هذه، فإن طقوس "السادو" لا تشمل وضع أوراق نبات الشاى فى ماء مغلى وتصفيتها،وإنما يقذف مُعلم الشاى مسحوقا مطحونا ناعما كنعومة التراب مُستخلصا من أجود أصناف الشاى الأخضر،مُستعينا فى ذلك بمضرب من الخيزران"تشاسن" فى صحن خزفى ،يماثل حجمهُ حجم يدين مضمومتين.
فيتحول الشاى بعد ذلك لما يشبه سائل عن طريق النقع فقط .فلا يجوز صب الماء مغليا على أوراق الشاى.ولا يجوز بأى حال من الأحوال أن تزيد درجة حرارة الماء على ثمانين درجة بحد أقصى.
ولا غنى عند إقامة طقوس "السادو" عن أن يكون أحد المُعلمين حاضرا بنفسه،كى يُصدر توجيهاته لدرجة أن استيعاب المُمارسة العملية لمثل تلك الطقوس بطريقة مُستقلة
يُمكن أن يكون أمرا خطيرا بمعنى الكلمة.
ويمكن بسهولة أن يستغرق إجراء مجلس شاى أربع ساعات ،وبالإضافة إلى الشاى يتم عندئذ تقديم وجبات مُنتقاة،كما يُعيد الشخص المُضيف من حين لآخر ترتيب قطع الفحم فى الفُرن،وذلك وفقا لقواعد محددة ويشعل النار فى أعواد بخور نفيسة القيمة،ويجب بذل كثير من الجهد من أجل تعلم هذين الأمرين مثل الجهد المبذول لتعلم إعداد الشاى ذاته.
وبحافز من شيوع مراسم الشاى ،بدأ إنتاج أدوات الشاى من الفخار على نطاق واسع-حيث تمثل استعراض الأوانى المستخدمة احدى النقاط الرئيسية لطقوس الشاى- وخاصة فى منطقة مينو ،والنماذج التى تمثلها هى ستو الأسود (سيتو جورو)،وستو الأصفر(شينو)،وأوانى "أوريبى" وكانت تصميماتها وأشكالها مصنوعة بحنكة بصورة رائعة للغاية ومنوعة،وكان التقدم الفنى الذى تمثلهُ لافتا للنظر،وفى كيوتو وبتوجيه من سين- نو-ريكيو،أبتكر تشوجيرو فنا جديدا لصناعة الفخار ،فقد أبتكر طاسة شاى يابانية أصلية(الراكو تشاوان)التى يعتبر شكلها مختلفا تماما عن الطاسات الصينية التقليدية(تنموكو تشاوان) والطاسات الكورية(كوراى تشاوان).
إلى جانب الأباريق الصغيرة التى تُسمى "كيوسو" الغير مطلية بطلاء زجاجى،بل تتكون من فخار رقيق للغاية وشبيه بطين التراكوتا.وأباريق "الهوبن" الأصغر من السابقة والخالية من أى يد.
أما عن أنواع الشاى اليابانى فهى:
شاى "السينشا" المُميز الذى يرجع إلى محافظة شيزووكا،وشاى "الجيوكورو" الذى يرجع منشؤه إلى مدينة يوجى،وشاى"الكاريجانه" الذى يرجع منشؤه إلى جزيرة كيوشو،وشاى "هوجيشا" المحمص،وشاى "جينمايشا" وهو شاى مُضاف إليه نوع من الأرز المحمص. وشاى "الكابوسيشا"الى يزرع فى مزرعة توجد فى جزيرة كيوشو ،وشاى "كامايريشا" ،وشاى "البانشا"،وشاى "كابوسه كوكيشا"،وشاى "كوكيشا"،ولكل نوع مذاق ولون يختلف تماما عن الآخر.ليس بسبب مادته فقط،بل ناتجا عن المادة الخام المصنوع منها أوانى الشاى،وجودة الماء المستخدم.فلا يجوز أن يكون الماء المستخدم فى إعداد الشاى عسرا، أى لا يكون ماء به رواسب كلسية أو غنيا بالمعادن أو الفلزات القلوية الترابية.
لذا يتكبد اليابانيون مشاق القيام برحلات لمسافات بعيدة لكى يُحضروا من ينبوع ماء جبلى معين الماء.