القاهرة: الأمير كمال فرج.
نظرًا للتأثيرات العديدة للعدوانية في مكان العمل، تستكشف المنظمات عددًا من مبادرات الوقاية. إحدى المبادرات التي تحظى بشعبية متزايدة، تتضمن تدريب الأشخاص الذين يشهدون أعمال العدوان على التدخل.
ذكرت إيفانا فرانجيس، وزانا ليوبيخ، وإم ساندي هيرشكوفيس، وبريانا باركر كازا في تقرير نشرته مجلة Harvard Business Review أن "العدوان في مكان العمل - الصراخ، أو الإدلاء بملاحظات تحقير، أو استخدام التهديدات، أو نشر الأكاذيب أو الشائعات - يعتبر تحديًا منتشرًا للمؤسسات".
وذكرت تقارير أن العدوان في مكان العمل يفرض عبئًا كبيرًا بتكلفة سنوية مذهلة تصل إلى 1.97 تريليون دولار. وتشمل هذه الخسائر المالية التكاليف المباشرة المرتبطة بنفقات الرعاية الطبية والتكاليف غير المباشرة المرتبطة بخسارة الإنتاجية بسبب الغياب بسبب المرض، ومعدل دوران الموظفين، وانخفاض نوعية الحياة. علاوة على ذلك، فإن الموظفين الذين يعانون من العدوان في مكان العمل أو يشهدونه فقط يبلغون عن إحباط صحتهم وانخفاض أدائهم.
ونظرًا لتأثير العدوان، تستكشف المنظمات عددًا من مبادرات الوقاية. إحدى المبادرات التي تحظى بشعبية متزايدة، تتضمن تدريب الأشخاص الذين يشهدون أعمال العدوان على التدخل. في الواقع، تقوم العديد من المؤسسات الحكومية والتعليمية بتجربة فرض تدخل المارة. وحتى عندما لا يكون التدريب إلزاميا، يواجه المارة ضغوطا للتدخل، كما ينعكس في شعارات مثل "إذا رأيت شيئا، قل شيئا" وظهور حملات تشجع المارة على التحول إلى "مؤيدين".
يمكن للمارة أن يلعبوا دورًا محوريًا في تحديد نتائج العدوان في مكان العمل. إن قدرتهم على التدخل توفر لهم القدرة على التأثير على تجارب كل من الجناة والأهداف. ومع ذلك، فإن التدخل أبعد ما يكون عن البساطة.
عندما يتعلق الأمر بالتدخل، يُعرض على المارة مجموعة من الخيارات التي يمكن أن تتراوح من الاستجابات المتعاطفة، مثل تقديم الدعم للهدف، إلى استراتيجيات أكثر حزما، بما في ذلك مواجهة الجاني. يمكن أن يكون لكل من هذه الإجراءات تبعية لكل من الهدف الأصلي والمتفرج، وليس دائمًا بطريقة إيجابية. على سبيل المثال، يتعرض العديد من الأفراد الذين يتحدثون علنًا ضد مرتكبي العدوان لرد فعل عنيف. وذلك لأنه عندما يتدخل أحد المارة، فإنه يتحدى تصور الجاني لنفسه كشخص وزميل جيد، مما يؤدي إلى رد فعل دفاعي.
ولذلك، فإن الطريقة التي يتدخل بها المارة مهمة. لا يكفي أن نطلب من الناس أن يتدخلوا فحسب؛ علينا أن نخبرهم بكيفية القيام بذلك بطريقة تقلل من تأثيرات رد الفعل العكسي غير المقصودة.
تقدم ورقتنا الأخيرة إرشادات مهمة للمارة حول كيفية جعل تدخلاتهم أكثر فعالية. هنا، سنراجع بعض الخرافات والحقائق حول تدخل المارة ونناقش كيف يمكن لنهج أكثر تفكيرًا في التدخل أن يقلل من دفاعية المخطئ، مما يؤدي إلى نتائج أكثر إنتاجية لجميع المشاركين:
الأسطورة: يجب أن تتم تدخلات المارة على الفور.
عندما تكون المشاعر شديدة، قد يكون من الصعب تقييم الموقف والاستجابة له بموضوعية، لكل من المارة ومرتكب العدوان. في العديد من المواقف، قد يكون من الحكمة التعامل مع المشكلة بعد فترة تهدئة. هذا النهج هو الأفضل إذا كان الموقف غير آمن، أو إذا كان المارة غير متأكدين من كيفية الاستجابة في الوقت الحالي، أو عندما يكون هدفهم هو مساعدة مرتكب الجريمة على التعرف على سلوكه غير المناسب.
ومن ناحية أخرى، إذا كان هناك تهديد فوري للهدف، فقد تكون هناك حاجة إلى اتخاذ إجراء سريع. في مثل هذه الحالات، قد يحتاج المارة إلى التدخل الفوري إما عن طريق إبعاد الهدف عن طريق الأذى، أو تحويل انتباه مرتكب الجريمة عن أفعاله الضارة.
الأسطورة: يجب أن تكون تدخلات المارة تصادمية.
قد لا يشعر الكثير من الأفراد بالارتياح تجاه المواجهة المباشرة، وهذا أمر مفهوم تمامًا. وبدلاً من ذلك، هناك العديد من الأساليب غير المواجهة التي يمكن أن تساعد الهدف أو تمنع سوء المعاملة في المستقبل. إن دعم الهدف من خلال تقديم أذن استماع وتعاطف ومساعدة يمكن أن يقطع شوطًا طويلاً في توفير الراحة والعزاء. بالإضافة إلى ذلك، يعد الإبلاغ عن الموقف إلى السلطات المختصة أو موظفي الموارد البشرية طريقة بناءة لضمان معالجة المشكلة بشكل صحيح، دون الحاجة إلى المواجهة المباشرة.
الأسطورة: يجب أن تكون تدخلات المارة عقابية دائمًا.
ومن المهم التأكيد على أنه من الممكن التعامل مع مرتكب الجريمة بطريقة بناءة. تتمثل إحدى الطرق في منح المخطئ فرصة "لحفظ ماء الوجه" من خلال معالجة المشكلة بشكل خاص وتعاطفي. وهذا يخلق بيئة أكثر دعمًا، ويشجع الجناة على النمو والتعلم من أخطائهم بدلاً من وضعهم في موقف محرج وجعلهم يشعرون بالهجوم. وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الأساليب البناءة لا تكون منطقية إلا إذا لم يتسبب مرتكب الجريمة بعد في إلحاق الضرر بالهدف، وما زالت هناك طريقة أمامه للتعويض.
من المهم أن نعترف بأن الأفراد الذين يتمتعون بمزيد من السلطة والتأثير يمكنهم إحداث التغيير من خلال فرض العواقب أو وضع معايير جديدة. إن غياب وسائل الردع، مثل التهديد بفرض العقوبات، يمكن أن يخلق فراغا حيث يمكن للأفراد أن يتراجعوا إلى سلوكياتهم السابقة الضارة.
ومع ذلك، فإن الاعتماد على القوة فقط يمكن أن يكون محفوفًا بالمخاطر، لأنه قد لا يؤدي إلى تغيير سلوكي على المدى الطويل. لتحقيق التحول المستدام، من الأهمية بمكان أن تعمل المعايير التنظيمية الراسخة على تعزيز التفاعلات المدنية والإشارة إلى عدم التسامح مع السلوكيات العدوانية. يوفر التطور الثقافي الأوسع أساسًا أكثر مرونة للتغيير الإيجابي على المدى الطويل.
يمكن أن تكون التدخلات غير متوقعة ولا تؤدي دائمًا إلى النجاح. إن إدراك الأساليب المتنوعة للتدخلات، وأهمية فهم الفرد الذي يقع في قلب القضية، هو أمر أساسي لتنفيذ الاستراتيجيات التي لديها احتمالية أكبر للنجاح.
يؤكد بحثنا على هذا التحول المحوري من التركيز على المتفرج إلى التركيز على الجاني. إن فهم كيفية تلقي مرتكب الجريمة للتدخل، والتصرف بطرق تزيد من إمكانية حصوله عليه بشكل بناء، سيساعد في ضمان نجاح التدخلات. إن تبني نهج استباقي ومستنير في التعامل مع تدخل المارة يحمل المفتاح ليس فقط لمعالجة سوء المعاملة في مكان العمل، ولكن أيضًا لتهيئة بيئات مواتية للنمو والتعاون والنجاح المستدام.