القاهرة: الأمير كمال فرج.
في عالم تتسارع فيه وتيرة التغيرات الاقتصادية، يحرص القادة والرواد الأثرياء على تعليم أبنائهم مبادئ الإدارة المالية الرشيدة منذ الصغر. من الاستثمار المبكر إلى التعلم من الأخطاء، ومن التخطيط للمستقبل إلى إدارة الميراث بحكمة، هؤلاء الآباء تجاربهم القيمة لمساعدة الجيل الجديد على بناء ثروة مستدامة.
ذكرت لوسي هاندلي في تقرير نشرته شبكة CNBC أن "هذا التقرير، يستعرض نصائح مالية من قادة أعمال ناجحين حول كيفية تربية أبناء واعين ماليًا وقادرين على اتخاذ قرارات استثمارية حكيمة".
فنون إدارة الثروة
عندما باع رائد الأعمال إيريك مالكا شركته The Art of Shaving لشركة Procter & Gamble مقابل 60 مليون دولار عام 2009، أدرك أنه بحاجة إلى تعلم فنون إدارة الثروة. قال مالكا في مقابلة مع CNBC: "عندما يحقق رائد أعمال مثلي نجاحًا ماليًا كبيرًا، فإنه يواجه تحدي إدارة الأصول دون تدريب كافٍ."
لذلك، التحق مالكا بدورات في إدارة الثروة، وقرأ كتبًا عن الاستثمار، وبنى محفظة متنوعة تشمل الأسهم والسندات والعقارات، مع تخصيص 10% فقط للاستثمارات عالية المخاطرة. وأسس لاحقًا صندوق Strategic Brand Investments للاستثمار في العلامات التجارية.
التعلم من الفشل: درس قاسٍ لكنه ثمين
يواجه مالكا تحديًا شائعًا مع ابنيه المراهقين (14 و16 عامًا): اعتقادهما أن الاستثمار عبر وسائل التواصل الاجتماعي طريقة سهلة لتحقيق أرباح سريعة. بل إن ابنه الأكبر ظن أنه يمكنه تحقيق عائد شهري بنسبة 20%!
لذا، سمح له مالكا باستثمار جزء صغير من مدخراته، وخسر الابن 40% من استثماره في عقود العملات الآجلة. رغم ذلك، يرى مالكا أن الفشل درسٌ قيم: يقول "أكره أن أجعل ابني يفشل، لكن الدروس المستفادة من الخسارة أثمن من تلك التي نتعلمها عند النجاح."
ويؤيد جريجوري فان، الرئيس التنفيذي لمنصة Endowus في سنغافورة، هذه الفكرة، قائلًا: "التواضع والقدرة على تحمل الخسائر مهارات ضرورية لاكتساب عقلية المستثمر الناجح."
كيف يُعلّم الأثرياء أبناءهم الاستثمار؟
1. البدء مبكرًا وتنويع المحفظة
دايسي أولارتي دي كانافوس، الرئيسة المشاركة لشركة Flag Luxury Group العقارية، وزوجها خصصا مبلغًا صغيرًا لكل من أطفالهم الثلاثة في المدرسة الإعدادية لاستثماره في أسهم شركات مثل آبل وأمازون. مع مرور الوقت، نما الاستثمار بشكل كبير، مما علم الأطفال قيمة الصبر والاستراتيجية طويلة المدى.
2. تحفيز التفكير النقدي
تشجع أولارتي دي كانافوس أطفالها على شرح أسباب اختيارهم لأسهم معينة، مما يجعل الاستثمار "جزءًا مثيرًا من تعليمهم".
3. موازنة الإنفاق والادخار
يستخدم جريجوري فان أسئلة بسيطة لتعليم أبنائه (8 و6 و3 أعوام) مفاهيم التضحية والمكسب: يقول "إذا استثمرنا 100 دولار اليوم، كيف ستشعر إذا أصبحت 30 دولارًا غدًا؟ هل تفضل شراء لعبة الآن أم مضاعفة المبلغ بعد 10 سنوات؟"، والمفاجأة أن أطفاله يفضلون "المتعة المؤجلة"!
إدارة المصروف: مهارة يجب تعلمها منذ الصغر
يركز مالكا حاليًا على تعليم أبنائه الموازنة المالية من خلال منحهم مصروفًا شهريًا ثابتًا. في البداية، كانوا ينفقونه في 10 أيام، لكن بعد 9 أشهر، أصبحوا يديرونه بكفاءة.
أولارتي دي كانافوس توصي بمنح الأطفال مصروفًا منذ الصف الأول الابتدائي: "المصروف ليس مكافأة، بل وسيلة لتعلم تحمل عواقب الخيارات المالية."
أما روشني ماهتاني تشونغ، مؤسسة شركة The Parentinc، ففتحت حساب ادخار لابنتها البالغة 8 أعوام، حيث تودع فيها الأموال التي تحصل عليها في الأعياد، بهدف تنشئتها على "الثقة المالية".
متى نكشف للأبناء عن حجم ثروتهم المستقبلية؟
يختلف الأثرياء في توقيت الحديث عن الميراث. وفقًا لـمايكل سونينفيلدت، مؤسس شبكة Tiger 21: "نحو 70% من الأعضاء يؤجلون هذا الحديث حتى يبلغ أبناؤهم سن الثلاثين ويُتموا بناء مسيرتهم المهنية، و30% يفضلون البدء في تعليم أبنائهم إدارة الثروة في سن المراهقة أو العشرينات".
ويؤكد سونينفيلدت أن كلا النهجين صحيح، لكن الأهم هو: "تشجيع حوارات مفتوحة حول المال قائمة على القيم، وليس الأرقام."
الخاتمة:
لا يوجد نهج واحد لتعليم الأبناء إدارة المال، لكن الدروس المشتركة بين هؤلاء القادة هي: الاستثمار المبكر، تقبُّل الفشل، الصبر، والشفافية. كما أن الجانب الأخلاقي في التعامل مع الثروة يظل أساسيًا لضمان استمراريتها عبر الأجيال.