تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



هديل غانم: الإبداع طفل مدلل يحتاج إلى الكثير من الوقت والتركيز


القاهرة: الأمير كمال فرج.

من حدائق دمشق الفواحة، حيث يعرّش الياسمين على جدران الذاكرة، إلى ضفاف النيل، حيث تتفتح زهرة اللوتس رمزًا للبعث والنقاء، تحمل إلينا الأديبة هديل غانم روحًا جمعت بين عطرين أصيلين. سورية الجذور، مصرية الانتماء والإقامة، تقف هديل كزهرة نادرة نمت في تربة خصبة من ثقافتين عريقتين، لتروي لنا حكاياتٍ تنبض بجمال الشرق وسحره.

في القاهرة، حيث تلاقت الحضارات، استقر قلمها ليُزهر إبداعًا فريدًا، وكان هذا  التناغم ينبوعًا ثريًا تستقي منه رؤيتها للعالم، وتلون به صفحات كتبها التي تجولت بنا بين دهاليز السياسة وأضواء السينما وعوالم الخيال.

درست هديل غانم الإعلام في جامعتي دمشق وأميتي وهو ما ساعد في صقل أدواتها الصحفية،  وبدأت رحلتها المهنية في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة محملة بمزيج من الأدب والصحافة، وعملت مراسلة صحفية في "دار الخليج" و"جريدة البيان".

وعلى الرغم من صخب العمل الصحفي اليومي،  كان لديها منذ البداية شغف بالكتابة الروائية، وفي لحظة محددة قررت توديع الصحافة والتفرغ لعشقها الأول.

أصدرت ثلاثة كتب هي: "ثقافة القتل"، "هوليوود.. صناعة الأثر"، وروايتها "باندورا.. متعة الهروب"، لتخط بها فصولًا بديعة في سفرها الأدبي المثير.

في هذا اللقاء، تستعرض الأديبة هديل غانم لـ "الصحافة" محطات رحلتها بين عالمي الخبر والرواية، وتكشف عن الرسائل الكامنة وراء مؤلفاتها، خاصة كتاب "ثقافة القتل" والتحديات التي واجهتها في بحثه. كما تطرقت إلى شغفها بعوالم السينما والسياسة، وتجربتها الروائية الفريدة، وعلاقتها بشخصيات "باندورا" واستلهامها من الواقع. ولا يغيب عن حوارنا رأيها في جدلية "زمن الرواية"، والتحديات التي تواجه المرأة الأديبة في عالمنا العربي.

كما نتطرق إلى تأثير خلفيتها الثقافية المتنوعة، بجنسيتها السورية والمصرية وإقامتها في القاهرة، على رؤيتها للعالم، إضافة لكونها ابنة للكاتب والصحفي الكبير نواف يونس، وكيف أثرت هذه الخلفية الثقافية المهمة في مسيرتها الأدبية.

 

 

الصحافة والرواية

* من خلال مسيرتك المهنية المتنوعة بين الصحافة والكتابة الروائية. كيف ترين هذا التداخل بين العالمين، وأي منهما يشكل شغفك الأكبر؟

ـ الصحافة والكتابة الروائية عالمان منفصلان بأدوات مختلفة، ربما يكون القاسم المشترك الوحيد بينهما هو فن استخدام الكلمة. الكتابة الصحافية مهنة تتطلب الدمج بين القدرة على ترتيب الكلمات بأسلوب مهني، وبين المهارة في جعل هذه الكلمات صالحة لإيصال الرسالة للمتلقي. الصحافي مطالب بأن يكون أسلوبه واضحاً وبسيطاً يعكس المصداقية والموضوعية في الخبر الذي يقدمه. على الجانب الآخر أرى أن القيود قد أرخيت بالنسبة للكاتب فيما يتعلق بالرسالة التي يقدمها، فلديه مساحة رحبة من الإبداع واستعراض آرائه ومشاعره تجاه الفكرة التي يطرحها.

أما عملي في الصحافة فقد كان يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لي، خاصة وأنا أعلم بحجم المسؤولية المترتبة على عاتقي في هذا الصدد. أما الكتابة الروائية فهي تجربة تأخرت فيها كثيراً، رغم أنها كانت شغفي منذ البداية. لذا قررت منذ أربع سنوات أن أودع العمل الصحافي وأكرس قلمي للكتابة الروائية.

مراسلة صحفية

* قضيتِ ستة عشر عامًا في دار الخليج وعامين في جريدة البيان كمراسلة صحفية. كيف أثرت هذه التجربة الطويلة في تكوينك ككاتبة؟، وما هي أبرز المحطات أو القصص التي تركت بصمة خاصة في ذاكرتك؟

ـ بدأت رحلتي مع دار الخليج في سن مبكرة جداً، وتحديداً في الثامنة من عمري عندما ساهمت بكتابة العديد من القصص القصيرة للصفحة المخصصة للأطفال أسبوعياً والتي كانت تشرف عليها الصحافية معالي الغمراوي زوجة فنان الكاريكاتير سعيد الفرماوي.

وأثناء دراستي الجامعية عملت مراسلة صحافية لجريدة البيان الإماراتية، بالإضافة إلى عملي في السنوات الأخيرة مع طاقم مجلة الشروق التابع لدار الخليج. لا أتذكر أن قلمي توقف عن الكتابة منذ ذلك الحين، وهذا ما ساهم في جعل الأفكار والكلمات تتدفق بسلاسة عندما يبدأ قلمي بالكتابة. هذا من الجانب العملي، ولكن في رأيي الخاص أن الأساس في تكوين أي كاتب يعود في المرتبة الأولى للبيئة التي ترعرع بها، وأحياناً تكون موهبة الكتابة إرثاً تتناقله الأجيال، أو فناً كباقي الفنون التي يمن الله بها على البعض.

أكثر ما استوقفني مما قرأت كان رواية "مائة عام من العزلة" لجابريل جارسيا ماركيز، وذلك لأنها ببساطة مثال على الرواية المتكاملة، وكيف يمكن أن تصطحب القارئ بين سبعة أجيال متعاقبة دون أن يشعر بحواجز الزمن. اعتبرها من الروايات القليلة التي تبدأ بملاحقتك بعد أن تنتهي من قراءتها.

الصحافة والاعلام

* عملك كمراسلة صحفية يقتضي متابعة الأحداث وتحليلها. كيف ساهمت دراستك للإعلام في جامعة دمشق وجامعة أميتي في صقل أدواتك الصحفية؟

ـ دراسة الإعلام في جامعة دمشق كان الخطوة الأولى التي وضعتني على الطريق، حيث درست الإعلام وتحديداً الصحافة بشكلها التقليدي، والذي كان يحاكي لغة العصر آنذاك. لكن بعد أن تغير العالم كثيراً، وتبدلت أدوات الصحافة، حيث استبدل الورق بشاشة الحاسوب، والقلم بالكيبورد، وأصبح الصحافي قادراً اليوم على معرفة تأثير ما يكتبه على المتلقي في التو والساعة؛ تيقنت بأن علي مجاراة التيار حتى لا أقف في خلفية المشهد. هذا ما دفعني لدراسة الإعلام مجدداً في جامعة أميتي والتي تتبع منهجاً دراسياً حديثاً للإعلام وفنون التواصل.

الدقة والموضوعية

* خلال مسيرتك المهنية، عايشتِ تحولات كبيرة في المشهد الإعلامي. كيف تقيمين وضع الصحافة العربية اليوم في ظل التطورات الرقمية وتحديات المصداقية؟

ـ يعتقد الكثيرون أن التحول في المشهد الإعلامي يعني تحولاً في عادات المتلقي، والحقيقة أن المتلقي بالفعل بات أكثر وعياً من السابق، وكثيراً ما يتحرى صحة ما يقال له على منصات الإعلام، ولكن القراءة بكافة أشكالها، كقراءة الروايات أو الصحف أو البحوث أو حتى قراءة التعليمات على منتج استهلاكي، هي تعني في جوهرها "المعرفة".

وحتى مع هيمنة عصر التكنولوجيا ما زلنا نقرأ المنشورات والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعية. لذا فإن المجهود أصبح كبيراً على صاحب الرسالة الذي بات مطالباً بمجاراة هذا الواقع الجديد، أي أن عليه في البداية أن يدرس جيداً عادات المتلقي كي يتمكن من دخول عالمه الخاص وإحداث التأثير المرجو منه.

لذا فإن تحري الدقة، وانتهاج الموضوعية وعدم الانحياز والتعرف على المتلقي عن قرب هي أدوات الصحافة الحديثة. أما الانتقال من الإنتاج الورقي للإنتاج الإلكتروني فهو الخطوة التي تحتاج إلى المزيد من الدعم من الجهات المسؤولة، حتى لا تتأخر الصحافة العربية عن الصحافة العالمية.

 

 

 

سلاح المعرفة

*  صدر لكِ ثلاثة كتب تتناول مواضيع مختلفة: "ثقافة القتل" عن الاغتيالات السياسية، "هوليوود.. صناعة الأثر"، ورواية "باندورا.. متعة الهروب". ما الذي دفعكِ للخوض في هذه المجالات؟ وما الرابط الذي يجمع بين هذه الأعمال في نظرك؟

ـ كتابي "ثقافة القتل" عن الاغتيالات السياسية، و"هوليوود.. صناعة الأثر"، هما وجهان لعملة واحدة. وعلى الرغم من اختلاف مضمونيهما، إلا أن كلاهما مرآة للعالم الذي نعيش فيه. "ثقافة القتل" يستعرض الكواليس الخفية لمفهوم الاغتيال، وكيف أن الأمر يتعدى كونه خصومة سياسية، وإنما تكريس لأهداف من العيار الثقيل.

كذلك هو كتاب "هوليوود.. صناعة الأثر" الذي يكشف الوجه الحقيقي لأكبر صناعة للسينما في العالم، والذي يحمل في طيه أهدافاً سياسية واجتماعية واقتصادية بعيدة المدى.

أما رواية "باندورا.. متعة الهروب" فلا تبتعد كثيراً عن فكرة كشف الحقائق والجوانب الخفية في حياتنا، وإنما هذه المرة بنكهة اجتماعية. دافعي الأول من كل ما أكتب هو "المعرفة" فهي السلاح الأقوى في مواجهة التحديات التي نمر بها كبشر في هذا العصر.

ثقافة القتل

*  كتاب "ثقافة القتل" يتناول موضوعًا حساسًا ومهمًا. ما هي أبرز الرسائل التي أردتِ إيصالها من خلال هذا الكتاب؟ وما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ في البحث والكتابة عنه؟

ـ كتاب "ثقافة القتل" يروي باسلوب توثيقي كيف تمت عمليات الاغتيال لشخصيات سياسية واجتماعية وفكرية مرموقة، ما الأهداف الخفية من وراء هذه الاغتيالات ومن المستفيد منها. أما الرسالة الضمنية لهذا الكتاب فهي دفع القارئ لفهم الأحداث بشكل أوضح، كونه يتأثر على نحو مباشر بالأحداث والمتغيرات السياسية من حوله. فعندما تقوم ثورة بسبب اغتيال شخصية سياسية، هذا يعني أن الشعب متورط كبير في تبعات الاغتيال. وهذا ما حدث بعد اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانتس فرديناند والذي كان نقطة انطلاق للحرب العالمية الأولى، وما تبعها من آثار سلبية على الاقتصاد الروسي، مما أدى بدوره لاستياء الشعب واندلاع الثورة الروسية في العام 1917.

 

 

 

الرصاصة الذهبية

* "هوليوود.. صناعة الأثر" يستكشف عالم صناعة السينما وتأثيرها. ما الذي جذبكِ لهذا الموضوع تحديدًا؟ وهل ترين أن هوليوود لا تزال تحتفظ بهذا التأثير في ظل تنوع المنصات الإعلامية؟

ـ كانت هوليوود السباقة لتفعيل فكرة "الرصاصة الذهبية"، وهي نظرية إعلامية تقول بأننا قد برمجنا مسبقاً من خلال الإعلام، وأننا لا نختار بإرادة كاملة، وإنما نتيجة لسنوات من التعرض للرسالة الإعلامية التي هيأتنا لهذه الاختيارات. أي أن حاجتنا إلى شراء منتج ما، هي حاجة وهمية، تم إقناعنا على المدى الطويل بأنها ضرورية.

ما زرعته هوليود في العقول ليس بسيطاً، فهي على مدار عقود ترسم نمطاً للحياة المثالية التي علينا أن نسعى من أجل تحقيقها. هوليوود ليست مجرد صناعة سينمائية، إنها إحدى الأدوات الفاعلة لمؤسسات اقتصادية كبيرة تدير العالم، وكونها لم تعد ساحرة كالسابق، فهذا لا يعني بأن أثرها قد تلاشى، ولكن تم تحويل مساره لمنصات أخرى أكثر جذباً ومعاصرة للحاضر، تماماً كمنصات عرض الأفلام والمسلسلات، ومواقع التواصل الاجتماعي.

ولأني كنت من عشاق السينما الأمريكية، وأعلم جيداً ما الأثر الذي كونته في شخصيتي ووجهة نظري في الحياة، فقد أردت أن أنقل الصورة كاملة وبمنتهى الشفافية للأجيال الجديدة والتي ألتمس فيها وعياً وإدراكاً لمفردات هذا العصر.

باندورا.. متعة الهروب

 * رواية "باندورا.. متعة الهروب" تمثل نقلة إلى عالم الخيال الروائي. ما الذي ألهمكِ لكتابة هذه الرواية؟ وما هي العناصر التي سعيتِ لتقديمها للقارئ من خلالها؟

ـ باندورا أو المرأة الجميلة التي فتحت صندوق باندورا، وتسببت في إطلاق كل هذه الشرور في العالم، هي تجسيد لكل إنسان يقف اليوم في مواجهة مع ذاته الحقيقية. إننا اليوم نعيش في مصفوفة شبيهة بتلك التي تناولها فيلم "ماتركس"، نحن لا نعلم هويتنا الحقيقة، ماذا نحب؟، وماذا نكره؟، ولكن نعيش ببساطة ما يقال لنا أنه الواقع.

يشعر الكثير منا هذه الأيام بأننا انتقلنا من بعد لبعد آخر، وهذا حقيقي فالحياة لم تعد تشبه ما عرفناه في السابق، وعلينا جميعاً أن نقف أمام المرآة لنتعرف على هويتنا الحقيقية التي توارت مع زيف العالم من حولنا.

الرواية تتنقل بين عوالم واقعية وأخرى وهمية، وتحكي كيف يمكن أن تسرق سنوات من حياة الإنسان وهو يحلم في واقع افتراضي. وفي نهاية الرواية يكتشف القارئ نفسه زيف الأحداث والشخصيات التي قرأ عنها في الرواية. رسالتي هي أن يدرك كل من قرأ  الرواية أن ليس كل ما يراه أو يسمعه حقيقياً.

سوريّة مصريّة

* تحملين جنسيتين، السورية والمصرية، وتقيمين في القاهرة. كيف أثرت هذه الخلفية المتنوعة على رؤيتك للعالم وعلى كتاباتك؟ وهل تجدين انعكاسًا لهذه الهوية المزدوجة في أعمالك؟

ـ الكاتب جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، وقد تبدو الثقافتان المصرية والسورية متشابهتين في ظاهرهما، إلا أنهما متباينتان في العمق. إن التعرض لثقافات مختلفة هو دون جدال تجربة خاصة، تدفعك في كثير من الأحيان للتساؤل فيما لو كان ما تعتقده هو الصواب، أم ما يعتقده غيرك، الأمر الذي يجعلك مجبراً على رؤية العالم بنظرة أكثر شمولية، وهذا تحديداً له دور كبير في اختيارات الكاتب وأسلوبه.

عندما كتبت رواية "باندورا" كان الحوار فيها باللهجة المصرية، وذلك لأني أردت حينها أن تنشر في السوق المصرية. ولكني عدلت عن الفكرة فيما بعد وغيرت الحوار فيها للغة العربية الفصحى، إيماناً مني بأنها الأقوى والأبلغ في التعبير. وهنا فقدت قليلاً من الروح المصرية في الرواية. اعتقد أن هذه الهوية المزدوجة ستكون حاضرة في كل ما أكتب في المستقبل.  
 
* ما هي أهم النصائح التي توجهينها للجيل الجديد من الصحفيين والكتاب؟

ـ أهم نصيحة أقدمها للشباب الطموح من الكتاب والصحفيين هي فهم الواقع الجديد الذي نعيشه تحت مظلة التكنولوجيا، فنحن ما زلنا في البداية، والتغيير هائل ومتسارع، لذا عليهم مواكبة كل ما هو جديد بشكل يومي، حتى لا يفوتهم الركب.

القارئ اليوم لا يبحث عن موهبتك ككاتب، وقدرتك على التلاعب باللغة والمفردات بقدر ما هو بحاجة إلى الفكرة الجديدة التي تطرحها عليه. القارئ بحاجة لأن يفهم ويتأثر ويتجاوب مع رسالتك، فضعه في مقدمة اهتماماتك.

أرى من حولي الكثير من الشبان والشابات ممن يعشقون القراءة، فلا يجدون بين كتبنا العربية ما يحاكي عقولهم لذا يلجؤون للكتب الغربية. ولو تعمقنا قليلاً في عالم الصحافة والأدب الغربي اليوم، لرأينا التغيرات الكبيرة في الرسالة والأسلوب، فهم أدركوا أصول اللعبة ويمارسونها بحرفية مطلقة.

ولنأخذ رواية "النباتية" للكاتبة الكورية الجنوبية هان كانج الحاصلة على جائزة نوبل للأدب في العام الماضي كمثال، الرواية سيريالية تنطلق من واقع اجتماعي مروراً بالشخصيات الغير نمطية وحتى النهاية غير المتوقعة. قد يرى الكثير ممن قرأوا الرواية بأنها بضع وريقات مبعثرة، ولكن ذلك لأنهم يرفضون الاعتراف بأننا انتقلنا إلى أفق جديد في الكتابة.

العولمة والريف

* ما هي مشاريعك المستقبلية؟ وهل هناك قضايا أو مواضيع معينة تتطلعين إلى تناولها في أعمالك القادمة؟

ـ في يدي رواية جديدة، قد أفرغ من كتابتها مع نهاية هذا العام، وهي رواية اجتماعية تدور أحداثها بين بساطة الريف وعولمة المدينة، بشخصيات واقعية جداً ومزج بين الماضي والحاضر.

هنالك مواضيع كثيرة أود تناولها في روايات قادمة، من بينها "النرجسية" وهي آفة المجتمع التي باتت تنتشر إلى حد بعيد في ظل نزعة الفردية التي أطلت برأسها عليها بسبب المحتوى المنتشر على صفحات الإنترنت، والعادات الجديدة التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة على الأسرة والمجتمع العربي، بعد أن أصبح لكل منا عالمه الخاص الذي ينفرد به مع هاتفه المحمول. اعتقد أن النرجسية هي مرض يهدد قوام الأسرة، ولا بد من أخذ الحيطة تجاهه، وخاصة في طريقة تنشئة الأطفال على مبدأ المحبة والتعاون والمشاركة.

 

 

خلفية ثقافية

 *  أنت ابنة الكاتب والصحفي الكبير نواف يونس، كيف كان تأثير ذلك على أعمالك الأدبية ، وماذا أضافت لك هذه الخلفية الثقافية المهمة؟

ـ نشأت في منزل أشبه بالقاعات التي تعقد فيها الندوات الأدبية. فقد كان أصدقاء والدي من أبرز الكتاب والأدباء في العالم العربي هم ضيوف بيتنا بشكل يومي، وكنت أجلس وسط أسماء كبيرة مثل محمد الماغوط، نبيل سليمان، أحمد الجمال، وغيرهم الكثيرون وأسمعهم يتحدثون عن مختلف القضايا الأدبية والسياسية والفكرية. هذا بخلاف مكتبة والدي الثرية والتي كانت مصدر الإلهام الأول لي في مجال الكتابة.

ومن جانب آخر اعتدت أن أقرأ المواد التي يعدها والدي للنشر، فكانت المسودات تملأ البيت وكان يفضل الاحتفاظ بها. اعتقد أن هذه الخلفية كان لها الأثر الكبير في تكوين عقلي الباطن، فوجدت نفسي أكتب.
 
الواقع والخيال

* ما هي العلاقة التي تربطك بشخصيات رواياتك؟ وهل تستلهمين بعضها من الواقع أو من شخصيات حقيقية؟

ـ لن أدعي بأني استلهم الشخصيات من الواقع، ولكنها جميعها شخصيات واقعية، ربما قابلتها يوماً ما ولا أتذكر. أما ليلى بطلة الرواية بالتحديد فقد ابتكرتها، هي لا تشبهني إطلاقاً ولكنها تعيش في أماكن ووسط شخصيات أعرفها جيداً. من يقرأ الرواية سيعلم أن ليلى لا تشبه شخصاً بعينه، ولكنها تشبهنا جميعاً. أفضل فكرة أن تكون للشخصية هويتها المبتكرة، فهذا ما يحفز فضول القارئ فيسعى لفهمها أكثر.
 
زمن الرواية

* عندما أصدر الدكتور جابر عصفور كتابه الشهير "زمن الرواية" أطلق بذلك عاصفة من الجدل حول الرواية ، حتى أن البعض قال أنها ديوان العرب المعاصر، فما رأيك في هذه الجدلية؟

ـ اتهم كتاب "زمن الرواية" بتهميش الشعر كنوع أدبي، حيث أراد بأن يخبرنا بأنه وجبة غير دسمة على مائدة مليئة بالمغريات، ولكنه في الحقيقة أراد رصد الدور المتصاعد للرواية على الساحة الأدبية. ربما مر الشعر كأدب بالعديد من التحولات ورافق تيارات أدبية مختلفة حتى بات لا يشبه شعر المعلقات. ولكن هذه التغيرات لا تعني اندثاره كأدب، ولكن تعني بأنه كغيره من الآداب والفنون بحاجة إلى بعض التطوير كي يكون قادراً على التعبير عن هموم المجتمع وتجليات العصر كما تفعل الرواية اليوم.

وليس الشعر وحده على قائمة الجدل، اعتقد أن المسرح يحتاج إلى عميلة زراعة قلب جديد. لقد ألقى الدكتور جابر عصفور بحجره في مستنقع راكد.

المرأة الأديبة

* المرأة في العالم العربي غالبا ما تكون موزعة بين مسؤليات متعددة، وهو ما قد يعيق عطاءها في الكتابة، فما هي التحديات التي تواجه المرأة الأديبة، وهل أخذت حقها؟

ـ ما زالت المرأة في مجتمعاتنا العربية تصارع للبقاء وسط مسؤوليات كبيرة ألقيت على عاتقها. فهي الأم والزوجة والابنة والأخت والصديقة والمرأة العاملة، وعليها ممارسة كل هذه الأدوار بحرفية مطلقة.

يمكن للرجل أن يحظى بساعات من الهدوء والسكينة كي يستأنف نشاطه فيما بعد، ولكن هذه الرفاهية غير مخصصة للمرأة وبخاصة المرأة العاملة. وكي أكون موضوعية فلا يمكن الدمج بين العطاء الأدبي والأمومة بالتحديد، فكلاهما طفل مدلل يحتاج إلى الكثير من الوقت والتركيز.

ولكني في المقابل أرى الكثير من الأديبات حول العالم وفقن في تحقيق هذه المعادلة الصعبة، ربما بمساعدة من الطرف الآخر، أو حتى بتنظيم وقتها وأولوياتها. المرأة الأديبة لم تأخذ حقها في المجتمعات العربية لأنها ما تزال خاضعة لأحكام مجتمعية عتيقة وبالية. ولكني أرى مؤخراً إصراراً واضحاً على كسر هذا التابوه، ولدينا أسماء كثيرة لامعة تحدت كل المعوقات وتصدرت المشهد الأدبي.
 
* ما هي الكلمة أو الرسالة التي توجهينها لجمهورك من القراء والمتابعين؟

ـ هنالك حكمة صينية رائعة تقول: "أن تضيء شمعة صغيرة، خير من أن تنفق عمرك تلعن الظلام". قد تكون هذه الشمعة أملاً صغيراً نتشبث به في الأوقات الصعبة، فإذ به يتحول إلى شمس ساطعة. إن الحياة ليست كما تبدو من ثقب باب ضيق، فهنالك في العالم ما هو أكبر بكثير من عالمنا الضيق، لذا علينا دائماً أن نبحث عن تلك الشمعة الصغيرة عندما نشعر بأننا فقدنا الأمل.


تاريخ الإضافة: 2025-05-16 تعليق: 0 عدد المشاهدات :258
3      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات