تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      

في مقال لي أسميته (الفكرة المجنونة) طرحت فكرة "توحيد العالم"، وأكدت أنها السبيل الوحيد لسلام البشرية ورخائها، وأكدت أن (العولمة) كظاهرة تعتبر خطوة في اتجاه ذلك، لا يهم إن كانت هذه خطوة أو بلاطة، المهم إنها خطوة في الاتجاه السليم، وسوف تعقبها لا شك خطوات، وربما بعد مئة سنة أو خمسمائة سنة نجد أمامنا عالماً واحداً متحداً، تذوب فيه البلدان والعرقيات والأنظمة في كيان واحد،  ودولة واحدة اسمها "العالم"، تؤمن بتعدد الأديان كما تؤمن بالحرية.
وقد تناول المفكرون على مر العصور أهمية الانفتاح على الشعوب والثقافات والحضارات واللغات،  وأهمية معرفة الآخر، والاستفادة منه، كما أشاروا إلى خطر الإنعزالية،  وعدم مواكبة التغيرات العالمية، والتخلف عن الركب.
ولمعرفة الآخر هناك عدد من الوسائل، منها ترجمة آثاره الفكرية والإنسانية، وتنظيم الزيارات العلمية والاقتصادية، والتعرف على تجربته ودراستها، والتعاون الاقتصادي والعلمي،  والعمل على نقل التكنولوجيا، والسجال الحضاري معه حول مختلف قضايانا بما يتفق مع تقاليدنا وديننا، وغيرها من الوسائل التي تكفل لنا الاحتكاك بالحضارات الأخرى، والاستفادة منها.
وهذه التبادلية الثقافية والحضارية شيء أساسي وبديهي للنمو والتقدم، فلا يصح أن تأخذنا العنجهية،  ونبدأ من أول الطريق حتى نحقق السبقية الوهمية، ويأخذنا وهم أننا الأفضل والأحسن والأطهر،  كما يحدث في كثير من الأحيان.
 ولكن الطبيعي أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، ولكن للأسف هناك فئة لدينا تعارض هذا الاتجاه، وتعمد إلى إرهاب الناس من (الآخر)،  باعتباره (عفريتاً أو شيطاناً) يجب الاستعاذة منه وتجنبه، ويذكرون في هذا الصدد عشرات الحجج الواهية، تارة الحفاظ على تقاليدنا الراسخة، وهويتنا الإسلامية، وتارة أخرى الحفاظ على خيراتنا التي يطمع المستعمرون في الاستيلاء عليها، وغيرها من الآراء التي أسست في المجتمع مبدأ الخوف من الآخر ، أو على الأقل الاحتراز منه، والذي وصل في أحد الأوقات إلى الدعوة لتجنب المسيحيين وعدم مخالطتهم، كما حدث عندما فسر بعضهم كلاماً بهذا المعنى للدكتور عمر عبدالكافي، واستغل بعضهم ذلك في محاولة ضرب الوحدة الوطنية.
وبالغ أحدهم عندما أفتى بأن السفر إلى بلادنا الكفار لا يجوز إلا للعلاج أو خدمة المسلمين، ولا أعتقد أن الإسلام المستنير الذي انتشر حتى وصل إلى أبعد الآفاق يدعو إلى تجنب أصحاب الديانات الأخرى،  ويدعو إلى عدم مخالطتهم،  والتعامل معهم ، والسفر إلى بلدانهم كما يدّعي هؤلاء، ولعل أحد الأدلة على ذلك أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أواخر حياته رهن درعه لدى يهودي بالمدينة .. الرسول الكريم الذي لو أشار بيده لجاءته خزائن الأرض يرهن درعه لدى يهودي! لماذا؟، لكي يضرب لنا مثلاً صلى الله عليه وسلم لسماحة الإسلام،  وانفتاحه على الثقافات والشعوب، بل إنه صلى الله عليه وسلم تزوج منهم عندما تزوج السيدة صفية بنت حيي وكانت يهودية.
ويسوق بعضهم أحاديث نبوية تدعو إلى الانعزال عن الكفار،  وعدم مخالطتهم، وهي كلها أحاديث لم تصل إلى درجة الصحة،  كما أفتى الدكتور يوسف القرضاوي، وتساءل إذا كان الإسلام يدعو إلى الانعزال عن الكفار،  فكيف إذن انتشر الإسلام، إن هذا الزعم لو صح  لظل الإسلام في الجزيرة العربية لم يغادرها أبداً.
وإذا كان هذا الشيخ الجليل الذي يدعو إلى الانعزال عن الغرب، فأولى به أن لا يستخدم المصباح،  لأنه من صنع الغرب،  ويعود ليستخدم الفحم والنار، وأولى به أن لا يستخدم السيارة،  والمبردات،  ومواقد النار ،  وغيرها من الأدوات الحديثة التي يزدحم بها منزله، وذلك لأن صنّاعها كفار.
إن ذلك يذكرني بالاعتراضات التي برزت عندما ظهر التليفزيون في حياتنا، وادعى بعضهم أنه عمل من أعمال الشيطان، وذكرني تحديداً بالمظاهرات التي اندلعت أيام الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز في السعودية اعتراضاً على قيامه بتدشين محطة التليفزيون، والتي يقال أنها كانت سبباً غير مباشر لاغتياله.
هذه فتوى أصدرها أحد علمائنا الأجلاء قال فيها:
"وأما التليفزيون فهو آلة خطيرة، وأضرارها عظيمة كالسينما أو أشد، وقد علمنا عنه من الرسائل المؤلفة في شأنه، ومن كلام العارفين به في البلاد العربية وغيرها ما يدل على خطورته، وكثرة أضراره بالعقيدة والأخلاق وأحوال المجتمع، وما ذلك إلا لما يبث من تمثيل الأخلاق السافلة، والمرائي الفاتنة، والصور الخليعة، وشبه العاريات، والخطب الهدامة، والمقالات الكفرية، والترغيب في مشابهة الكفار في أخلاقهم، وأزيائهم، وتعظيم كبرائهم، وزعمائهم، والزهد في أخلاق المسلمين وأزيائهم، والاحتقار لعلماء المسلمين، وأبطال الإسلام، وتمثيله بالصورة المنفرة منهم، والمقتضية لاحتقارهم، والاعتراض عن سيرتهم، وبيان طرق الاحتيال والسلب والنهب والسرقة، وحياكة المؤامرات والعدوان على الناس.
ولا شك أن ما كان بهذه المثابة، وترتبت عليه هذه المفاسد يجب منعه ، والحذر منه، وسد الأبواب المفضية إليه،  فإذا أنكره الإخوان المتطوعون، وحذروا منه، فلا لوم عليهم في ذلك، لأن ذلك من النصح لله ولعباده.
ومن ظن أن هذه الآلة تسلم من هذه الشرور، ولا يبث فيها إلا الصالح العام إذا روقبت فقد أبعد النجعة، وغلط غلطاً كبيراً، لأن الرقيب يغفل فيه، ولأنه قل أن توجد رقابة تؤدي ما أسند إليها، ولا سيما في هذا العصر الذي مال فيه أكثر الناس إلى اللهو والباطل، وإلى ما يصد عن الهدى، والواقع شاهد بذلك كما في الإذاعة، والتليفزيون في بعض الجهات ، فكلاهما لم يراقب الرقابة الكافية المانعة من أضرارهما ، ونسأل الله أن يوفق قادة المسلمين لما فيه صلاح الأمة ونجاتها، وسعادتها في الدنيا والآخرة، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يعينهم على إحكام الرقابة على هذه الوسائل حتى لا يبث منها إلا ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم إنه جواد كريم".
وفي إحدى المطبوعات العربية ورد هذا السؤال عن حكم التصوير، طالعوا معنا السؤال والإجابة:
السؤال : ما قولكم في حكم التصوير الذي عمت به البلوى وانهمك فيه الناس؟
الجواب : "الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد: فقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح والمسانيد والسنن دالة على تحريم تصوير كل ذي روح آدميا كان أو غيره، وهتك الستور التي فيها الصور،  والأمر بطمس الصور،  ولعن المصورين،  وبيان أنهم أشد عذاباً يوم القيامة، وأنا أذكر لكم جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب، وأذكر بعض كلام العلماء عليهما، وأبيّن ما هو الصواب في هذه المسألة إن شاء الله.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فيخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" لفظ مسلم. ولهما أيضاً عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون" ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذين ينعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم" لفظ البخاري.
وروى البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن آكل الربا وموكله، والواشمة والمستوشمة والمصور.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ" (متفق عليه). وخرج مسلم عن سعيد بن أبي الحس قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه فأفتني فيها، فقال: أدن مني، فدنا منه ثم قال: أدن مني، فدنا منه حتى وضع يده على رأسه فقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً تعبه في جهنم" وقال: إن كنت فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له، وخرج البخاري قوله إن كنت لابد فاعلا" الخ في آخر الحديث الذي قبله، بنحو ما ذكره مسلم انتهى. ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الكتاب الذي نقلت منه هذه الفتوى، وهو كتاب حكم الإسلام في التصوير: ص 37، 38 للشيخ ابن باز).
في عام 2001 أصدر الملا محمد عمر أمير حركة طالبان في أفغانستان حينئذ قراراً بهدم وتحطيم التماثيل الأثرية الموجودة في أفغانستان كافة،  والتي تعتبر روائع أثرية لا تقدر بثمن، ويرجع تاريخ بعضها إلى عصور سحيقة تصل إلى 2000 عام أي قبل الإسلام، وذلك بدعوى أن الشريعة الإسلامية لا تقر ذلك، وأن وجود هذه (الأصنام)- على حد تعبيرهم – يدعو بعض الناس إلى تمجيدها وعبادتها، وكان من ضمن هذه الأصنام تمثال هائل منحوت في الصخر لبوذا يصل طوله إلى 55 متراً، وما إن علم العالم بذلك حتى خرجت عدة تصريحات تستنكر هذه الخطوة التي تدمر تراثاً إنسانياَ هاماً، وبادرت اليونسكو بالتدخل لإيقاف هذه الجريمة، حتى إن بعض الدول الإسلامية استنكرت ذلك، وهذا لم يدفع طالبان إلى تعديل موقفهم، بل أعلنوا بدء تحطيم هذه (الأصنام) باستخدام الديناميت.
في أحد المؤتمرات الخاصة بافتتاح معرض للصناعات الوطنية الإيرانية، لاحظت أن جميع أعضاء الوفد لا يرتدون ربطة العنق رغم أن المناسبة رسمية، قيل لي إن الإيرانيين يحرمون ارتداء ربطة العنق،  لأنهم يرون في ارتدائها تشبهاً بالكفار، دهشت عندما سمعت هذا الرأي،  وتمنيت أن لا يكون صحيحاً، ولكن يبدو أنه صحيح، وقد لاحظت أن كمال خرازي وزير خارجية إيران أيضا لا يرتدي ربطة العنق.
أورد هذه الفتاوى والمواقف لا لكي أقوضها أو أعارضها حاشا لله، ولكن لكي أبرز مدى حاجتنا إلى التدبر ، والتفكر،  والاجتهاد في كثير من الأمور التي تحيط بنا، إن على علماء المسلمين أن يطرحوا هذه الفتاوى للرأي والنقاش، لا أقصد بذلك تقديم فتاوى جديدة تناسب الواقع، وتبرر أخطاءنا، ولكن ما أطلبه هو الاجتهاد،  وإبانة رأي الدين الصحيح في الكثير من الأشياء المتعلقة بالحياة الحديثة، وإبانة حدود الصواب،  وحدود الخطأ، حتى لا نقف في هذا الموقف المتناقض الغريب.
ديننا يرفض شيئاً، ولكننا نقوم به، بينما العالم يتفرج علينا ، ويتهمنا بالتخلف، إننا ننتظر من علمائنا الأجلاء الكثير من الفتاوى خاصة وقد أصبح التلفاز والنترنت والفيس بوك وغيرها ضرورة للعلم والثقافة والتواصل الإنساني مع الثقافات والشعوب، وأصبح التصوير أيضاً ضرورة في الكثير من مجريات الحياة.
قال أحد الغربيين: "بعض الإسلاميين يريدون أن يظهروا الإسلام كدين منغلق على نفسه لا يصلح لكل العصور".
إن الإسلام الجميل هو أكثر الديانات وعياً وحضارة،  ومواكبة لتطورات العصر، هو دائماً يصلح لأي زمان ومكان، يصلح لزمن الناقة والقبيلة، كما أنه يصلح لزمن الكونكورد والأمم المتحدة، إن الإسلام العظيم لم ينتشر بالتقوقع والانعزال، ولكنه انتشر بالغزوات والفتوحات الكبرى، وإذا كانت الدعوة المسلحة قد انتهت فإن الدعوة السليمة مستمرة، ويجب أن تستمر.
 يقول الحديث الشريف من أكثر من ألف وأربعمائة عام: "من عرف لغة قوم أمن شرهم"،  وقال تعالى "إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وقد وعى خلفاء المسلمين أهمية معرفة الآخر،  وترجمة آثاره، ويعتبر الخليفة أبو جعفر المنصور أكثر الخلفاء الذين ازدهرت في عصرهم ترجمة الكتب الأجنبية إلى العربية.
الآخر ليس كله شراً، وفي الوقت نفسه ليس كله خيراً، ولنا أن نأخذ منه ما يتفق مع مبادئنا، ولم يقل لك أحد خذ الصفات القبيحة. في أحد المؤتمرات الاقتصادية التي حضرتها تحدث هيلموت كول المستشار الألماني السابق وقال: "ليس كل ما يأتي من أوروبا صائباً، ويجب أن نتعامل معه بشيء من التشاؤم الثقافي".
معرفة الآخر هي في الوقت ذاته معرفة بنفسك، لأن كل شيء يحدد بالقياس، قياسه بالنسبة لشيء آخر، فأنا أعرف موقعي من معرفة مواقع الآخرين، وفي عصر العولمة تتخذ هذه المعرفة بعداً آخر ، حيث تبرز أهمية تعليم الأجيال الجديدة كيفية محاورة الآخر،  والاستفادة منه بما يتفق مع مبادئنا الثابتة الأصلية.
يقول خير الدين التونسي في كتابة (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك): "الغرض من الوسائل التي أوصلت الممالك الأوربية إلى ما هي عليه من المنفعة والسلطة الدنيوية، أن نتخير منها ما يكون بحالنا لائقاً، ولنصوص شريعتنا مساعداً وموافقاً، عسى أن نسترجع منه ما أخذ من أيدينا، ونخرج باستعماله من ورطات التفريط الموجود فينا".
ويحذر خير الدين هذه الفئة التي تحدثنا عنها والتي تتوجس من الآخر وتدعو للانعزال عنه فيقول:
"أحذر ذوي الغفلات من عوام المسلمين عن تماديهم في الإعراض عما يحمد من سيرة غيرهم، الموافقة لشرعنا، بمجرد ما انتقش في عقولهم من أن جميع ما عليه غير المسلم من السير والتراتيب ينبغي أن يهجر، وتآليفهم في ذلك يجب أن تنبذ ولا تكرر، حتى إنهم يشددون الإنكار على من يستحسن شيئاً منها، وهذا على الإطلاق خطأ محض".
ويسخر أمين الريحاني عند المقارنة بين الشرق والغرب، وكيف أن الغرب يملك القوة الفاعلة، بينما نحن لا نملك إلا الفلسفات التي لا طائل منها، يقول:
"الفكر أساس القوة، هذه هي قناعاتي، وحين راعني افتقار بلادي إلى ما عند الغرب من أسباب القوة قلت:
"أن الشرق عندي فلسفات، فمن يبيعني بها طائرات".
إن اعتزال الآخر بدعوى أنه كافر دعوة حق يراد بها باطل، وهي بداية للدعوة إلى الانعزال عن المجتمع نفسه، بدعوى التكفير، كما حدث من بعض الجماعات الدينية المنحرفة مثل جماعة (التكفير والهجرة) التي ظهرت في مصر في عهد السادات، ونادت بتكفير المجتمع،  والانعزال عنه، واغتالت العالم الجليل الشيخ الذهبي.
الانعزال عن المجتمع إجراء لا يؤمن به إلا الجاهل الضعيف، حتى لو كان هذا المجتمع كافراً، لماذا لا أنخرط فيه،  وأضرب لأفراده مثلاً للمسلم المستنير الذي يعي جيداً حق دينه وربه، لماذا لا أدعو هذا المجتمع الضال بالحكمة والموعظة الحسنة.
يجب أن نواكب العصر ، ونتسلح بكل مقوماته، يجب أن نسبق الزمن ، لأننا إذا لم نسبقه سوف تسحقنا العجلات، يقول الشاعر أحمد الصافي النجفي:
يجري الزمانُ فمن لم يجرِ مستبقاً
أمامه سحقتهُ أرجل الزمنِ
في أواخر رئاسته وجه الرئيس كلينتون عبر "النيويورك تايمز" رسالة مفتوحة إلى الشارع العربي هذا نصها:
"سيداتي وسادتي ، غالباً ما كتبت إلى زعمائكم خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن مع قرب نهاية رئاستي،  فقد قررت توجيه آخر رسالة لي إليكم، إلى الجماهير العربية التي دفعت ثمنا غالياً للنزاع.
ولأكون في غاية الصراحة معكم.
لقد بذلت قصاري جهدي لإيجاد مخرج عادل وواقعي للنزاع العربي الإسرائيلي لكم وللإسرائيليين،  ولكن إذا كنتم تريدون مواصلة حل النزاع بقوة السلاح ونبذ المقترحات التي تمنحكم 95% مما تريدون، فعندئذ ليس لدي المزيد أستطيع فعله.
ولكن أستطيع أن أقول لكم ما يلي:
إن الأمر الذي يقلقني كثيراً حول الحالة النفسية في الشارع العربي اليوم هو العداوة التي ألمسها تجاه التحديث،  والعولمة،  وثورة الاتصالات والديمقراطية، إن ما ستفعلون مع الإسرائيليين الآن هو شأنكم،  ولكن ما تفعلونه بمجتمعاتكم سيؤثر على استقرارها، وبينما تركز البلدان الأخرى على تنمية وتطوير الصناعات المتقدمة والمتنافسة،  فإنكم مازلتم تركزون على حماية صناعاتكم غير المتنافسة على الإطلاق، وبينما تتاجر البلدان الأخرى بشراسة مع العالم ، فإن نسبة التبادل التجاري ضئيلة بين بعضكم البعض في الدول العربية.
وبينما تحرر البلدان الأخرى صحافتها،  فإنكم مازلتم تراقبون صحافتكم، فبينما يستمد زعماء العالم الآخرون شرعيتهم بدفع عجلة التعليم،  فإن معظم زعمائكم مازالوا يقيمون شرعيتهم بدعم النزاعات الدينية، وبينما تبحث البلدان الأخرى عن مستثمرين أجانب من أجل إيجاد فرص وظيفية لشبابها فإنكم تطردون المستثمرين الأجانب بواسطة بيروقراطيات عدوانية، ومواصلة النزاع الذي يبعد كل الناس عن منطقتكم، وفي العصر الذي تصنع فيه البلدان الأخرى رقائق الكمبيوتر،  فإنكم تصنعون رقائق البطاطس.
وعندما أسأل بعض زعماء العرب عن سبب تقدم كوريا الجنوبية الآن التي كانت تملك نسبة دخل الفرد ذاتها في مثل مصر وسوريا في السبعينات،  فإن الرد الذي أتلقاه هو أن على الدول العربية أن تقود الحروب،  ولكن كوريا الجنوبية قادت الحروب مع كوريا الشمالية على مدى عدة عقود زمنية،  والذريعة التي كنت أسمعها هو أن الدول العربية تعاني من مشكلات تزايد وتكاثر السكان، ولكن الصين تعاني أيضاً إلا أنها تملك نسبة نمو سنوي تبلغ 10%.
ويهتم المثقفون العرب أكثر بحماية مزاياهم،  ومصالحهم بدلاً من أداء مهماتهم الثقافية المناطة بهم،  وتوطيد نقاش أمين ونزيه.
إنني أدرك تماما أن مسألة إسرائيل،  ومن يحكم الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس يمسان روح الشارع العربي،  ويعتبران القضية الأساسية لديه،  ولا أفكر في مطالبتكم بالتخلي عن أماكنكم المقدسة، ولكنني أحثكم على طرح أكثر من سؤال واحد:
إن من يحكم المسجد الأقصى يعد مسألة حاسمة للغاية لكرامة كل عربي وفلسطيني وللعصر الحديث،  ولكن ما نوع التعليم الذي تقدمونه لأبنائكم؟،  ما نوع الاقتصاد الذي تبنونه؟ وما نوع القانون الذي تسنونه؟،  فهذا هو الذي سيحدد كرامتكم ووضعكم في العصر الحديث،  وقد تهتمون بالرد على كل الأسئلة القديمة،  ولكن يجب عليكم الاعتراف بأنها ليست الأسئلة الوحيدة.  يجب أن يكون هناك توازن، إن المجتمع الذي ينسى جذوره لن ينعم بالاستقرار على الإطلاق.
ولكن المجتمع المهتم بجذوره،  ويسأل فقط عن صاحب الجور،  فإنه لن يثمر أبداً، لا يبالي المثقفون العرب أن الأنظمة تحميهم،  بينما يتركونكم تعيشون مع الأسئلة القديمة فقط ونماذج الدور القديم.
وآمل أن أرى في القريب العاجل انتفاضة ليست لفلسطين مستقلة فقط ، بل أيضاً لتعليم عربي،  ولصحافة عربية وحرة،  وديمقراطية عربية.
المخلص : بيل كلينتون"
فهل يمكن أن نتجاهل هذه الرسالة، ونتهم كاتبها بالحقد والضغينة كالعادة تطبيقاً لعقدة المؤامرة المتأصلة فينا، إن هذه الرسالة التي كتبها رئيس سابق لأقوى دولة في العالم يجب أن نضعها في الاعتبار، وأن ننصت إليها ونخضعها للدراسة والبحث، ولا يمكن أن ننكر أن الكثير مما جاء في هذه الرسالة صحيح، يجب أن نستفيد من رأي الآخر ونقده وتجاربه.
ومعرفة الآخر أيضاً خطوة هامة لاتقاء شره،  وكشف أفكاره ومخططاته نحوك، في عام 2002 نشرت صحيفة (الواشنطن بوست) خبرا عن تقرير تلي أمام مجموعة استشارية في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أعد هذا التقرير موران مواويك، وأحدث هذه التقرير ضجة عندما تسرب مضمونه.
تطرق التقرير إلى موضوعات عدة خاصة بالعالم العربي، وتحدث بكثير من التجني وسوء الفهم عن العالم العربي، وعن دول عربية بعينها كالسعودية والعراق ومصر، وكشف التقرير عن اقتراحات خطيرة باحتلال السعودية والعراق ومصر، وبعد تفاصيل عدة ينهي التقرير فصوله بالعبارة التالية: "العراق هو المحور التكتيكي، والسعودية هي المحور الاستراتيجي، ومصر هي الجائزة".
وسواء أكانت هذه الآراء حقيقية أم لا فإن دراستها مهمة، وعلى الرغم من أن التقرير حافل بالتجني والكره،  والحقد على العالم العربي والسعودية تحديدا، ورغم بشاعة أهدافه،  إلا أن هناك بعض الآراء التي يمكن الموافقة عليها منها:
1- العالم العربي يعيش أزمة نظامية طوال الـ 200 سنة الأخيرة.
2- فاتته الثورة الصناعية وحاليا تفوته الثورة الرقمية.
3- الأزمات الداخلية التشكل في العالم العربي تكبل قدراته وتشلها.
4- ليس هناك فسحة من الحرية العامة لمنافسة الأفكار والمصالح والسياسات.
5- التآمر والاضطرابات والقتل العمد والانقلابات هي الوسائل الوحيدة المتاحة للتغيير السياسي.
أعرف نفسك، وحتى تعرف نفسك يجب أن تعرف الآخر، لذلك خيارات كثيرة، تعلم اللغات والسفر والتعرف على ثقافات الشعوب،  وتجاربها الناجحة والفاشلة، وتقليد الصفات الحميدة، حتى لا تصبح "عصفوراً في قفص" لا يتجاوز غناؤه الحجرة التي حبس فيها.

تاريخ الإضافة: 2014-04-21 تعليق: 0 عدد المشاهدات :917
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات