في شارع (Stroget) استوقفني مشهد غريب .. خمسة من الفتيات والشباب يفترشون الأرض أمام خيام صغيرة، يلتحفون الشراشف، ومنامات مثل المنامات التي كنا نستخدمها أيام التجنيد، شاب يقرأ كتاباً ، وفتاة تأكل المكرونة من وعاء موجود أمامها، وآخرون يتحدثون، أمام الخيمة لوحة صفراء اللون عليها كتبت العبارة التالية Over 6000 stude rende mangler bolig 1 Kobnhavn ومعناها (هناك أكثر من 600 طالب وطالبة يعيشون في مساكن ضيقة غير مناسبة .. يا حكومة .. انتبهوا ..)، وعلى الخيمة هناك لوحة صغيرة مكتبو عليها GIVOSet STedat BO . إذن هؤلاء الطلبة يبيتون في العراء بهذه الصورة تضامنا مع زملائهم الطلبة الذين يعيشون ظروفاً صعبة في شقق ضيقة غير مناسبة، تذكرت شقة كاتارينا الصغيرة الأنيقة وتساءلت في نفسي: "كم من المسلمين في أنحاء العالم لا يجدون كسرة الخبز، ولا القماش الذي يستر أجسادهم، كم من المسلمين يفترشون العراء، ويسكنون المقابر بلا أدنى شعور بالرحمة والتعاطف"، هؤلاء الطلبة بادروا بهذا الاحتجاج السلمي الطريف، ليلفتوا نظر الحكومة الدنماركية للمشكلة التي يعيشها زملاؤهم، أما نحن فماذا فعلنا؟ صافحت الطلبة الجالسين على الأرض، وتعرفت عليهم واحداً وواحداً، وعرفت أهدافهم، وعبرت لهم عن تقديري لهذه المبادرة الإنسانية الجميلة، ووعدتهم بالكتابة عنها ليعرف القارئ العربي أن الشباب الدنماركي يملك رأيه، وموقفه، وقادر على أن يعلن عنه بشتى الصور. دعتني المجموعة للجلوس فجلست معهم في قلب الشارع نتبادل أطراف الحديث، ورفعت بنفسي اللافتة التي تذكر الحكومة بمشكلة الطلبة الدنماركيين، وأنا أحلم بأن يأتي اليوم الذي أرفع فيه مثل هذه اللافتة في كل مدينة عربية دون مطاردة من الشرطة، أو مباحث أمن الدولة، لأذكر حكومتنا بمأساة الفقراء والمشردين وذوي العاهات الذين يفترشون العراء في الكثير من مدننا العربية ..