تتميز الشوارع والميادين هنا بالتماثيل العملاقة التي تجسد شخصيات معينة كان لها دورها في التاريخ، أو شخصيات أسطورية ضمها التاريخ الأدبي والثقافي للبلاد، لقد كان فنان هذه البلاد القديم يجسد أفكاره وأحلامه ومعتقداته وشخصياته البارزة بواسطة النحت، فيظهر ذلك في شكل تماثيل عملاقة بالحجم الطبيعي في غالب الأحيان تنطق بقدرة الفنان على الإبداع والفن.
ولعل السؤال الذي يخالجك عندما ترى هذه التماثيل العملاقة المنحوتة بمهارة وإتقان عن الوقت الذي استغرقه المثال في إعداد هذه المنحوتة الرائعة الهائلة الحجم، ربما شهوراً وربما سنوات، وهذا يدل أن الأمر يتعدى كونه فناً، وإنما اعتقاد ديني قديم بأن هذه التماثيل العملاقة تعود لها الروح في مرحلة معينة، إنهم ينحتون تماثيلاً للقادة والزعماء، ويعدون لهم حللهم الجديدة الأسطورية التي سيعودون لها فيما بعد، كما أن هذه التماثيل تعد توثيقاً وتسجيلاً للتاريخ عن الفرسان والقادة والمعارك والفتوحات.
ومعظم التماثيل من العصر اليوناني القديم حيث تستشف ذلك من مسمياتها وأشكالها وموضوعاتها، عدا تماثيل كثيرة معاصرة شيدت على نفس المنهج اليوناني القديم، وزينت بها مداخل بعض البنايات وأسقفها وبعض الميادين. لقد كانت هذه التماثيل على مر التاريخ القديم وسيلة للتوثيق، والتخليد، وإلهاب مشاعر الشعب، وإذكاء روح الوطنية به، ولاشك أنها الآن بعد مرور هذه القرون على اختفاء شخصياتها من مسرح الحياة لم تزل تمد المواطن العادي بمعاني عدة من الفخر والقوة والاعتزاز.
تماثيل كثيرة متنوعة تقابلك في الميادين الرئيسية، أمام البنايات وفوق البنايات أيضاً، كلها تجسد عظمة التاريخ الذي مر ودارت أحداثه على هذا الثرى، ولكن الملاحظة الرئيسية التي تلفت الانتباه أن عدد ا كبيراً من هذه التماثيل لفرسان يمتطون صهوة الجياد، وهذا له معناه حيث يوضح لنا الفروسية ومكانتها في التاريخ اليوناني القديم.
ولعل أشهر التماثيل على الإطلاق هذا التمثال الموجود في قلب ميدان القصر الملكي إميلين بورج، وهو عبارة عن قاعدة رخامية كبيرة يعلوها فارس يمتطي صهوة جواده، ويرفع لجام الفرس في يده، ويعتبر هذا التمثال من أشهر معالم العاصمة، حيث تتصدر صورة البطاقات السياحية التي تباع في المكتبات والمحلات العامة، ويحرص السياح على التقاط الصور التذكارية عند قاعدته.
وفي ميدان قريب يوجد تمثال آخر يمثل أيضاً فارساً يمتطي صهوة جواده، على رأسه خوذة الحرب، وتحت الفرس يوجد رجل جريح، ويتميز هذا التمثال بوجود أربعة فرسان جالسين عند زواياه الأربعة، فارس عند كل زاوية، كل منهم يحمل سلاحه، وكأنهم يرمزون إلى القوة والمنعة والحماية التي يتمتع بها الفارس. يقع هذا التمثال في قلب ميدان كبير، ويطل عليه فندق شهير يقال أن مايكل جاكسون عندما زار الدنمارك أقام فيه.
عدا ذلك توجد تماثيل أخرى في الكثير من الشوارع والميادين، فهذا تمثال يجسد رجلاً جالساً يكتب بريشته، ذكرني هذا التمثال بتمثال الكاتب المصري القديم الجالس القرفصاء ، والذي تتخذه الهيئة المصرية العامة للكتاب شعاراً لها، وهذا تمثال آخر لرجل يداعب طفلة صغيرة، وهذا تمثال مشيد على صخرة يجسد فتاة جالسة تتطلع إلى السماء، وبجوارها فتى يقف وينظر إلى السماء أيضاً، تمثال آخر مشيد على صاري طويل يجسد رجلين متجاورين ينفخ كل منهما في بوق طويل مقوس، وهذه تماثيل عملاقة لأشخاص ترتفع أمام مقر الحكومة الدنماركية، والعديد من المجسمات التي تنتشر في الحدائق والميادين والتي تمثل الفن الحديث بمدارسه المختلفة التجريدية والسيريالية وغيرها، .. تماثيل .. تماثيل .. من حجر.