الآن حان وقت العودة ، صديقي محمد مصري يعمل في مطار كوبنهاجن، بمعنى أدق في إحدى شركات الصيانة التي تعمل في المطار، أصر على توصيلي للمطار، ولما كان يعمل في المطار، فإنه كان يحمل تصريحاً خاصاً بدخول المناطق المخصصة للمسافرين فقط، ولكن هذا التصريح يبيح له دخول المطار في وقت عمله فقط، كان وقت عمله في المساء، رغم ذلك كان بوسعه الدخول فقط إذا أشار للضابطة الحسناء التي يمر عليها كل يوم ببطاقته، ولكن رغم حرصه على دخول المنطقة المخصصة للمسافرين لتوديعي إلا أنه آثر الاستئذان من الضابطة، ابتسمت الضابطة الحسناء وأخبرته بلباقة أنه مصرح له بالدخول في المساء فقط وليس الآن، وقبل أن يتركها محمد شكرته الضابطة على التزامه بالقواعد، حيث كان بإمكانه الدخول دون أن يدري أحد، ولكن الانضباط منعه من ذلك.
إن المصريين منضبطون بطبعهم، ولكن "الهرجلة" تعلم الفوضى، كما يعلم المال السائب السرقة، الانضباط موجود داخل كل شخص، ولكن يجب أن يوجد القانون الذي يتبعه الناس، والمضمار الذي تتحرك فيه الخيل.
الشاي الدنماركي لذيذ الطعم، وطعمه سيكون ألذ إذا تناولته في إحدى الكافيتريات الأنيقة المنتشرة في المطار، .. بينما كنت أتناول الشاي لفتت نظري مجموعة من الأشخاص لا يتجاوز عددها ستة أفراد يتجولون في المطار، عندما سألت قيل لي : "إنه وزير الداخلية الدنماركي يتفقد المطار"، الوزير شخصياً بصحبة ستة أفراد يتجول في المطار كأي مواطن عادي بلا جلبة ولا حرس ولا ضجيج، حاجة تفرح ..!
تأخير الطائرات بدعة عربية هكذا أعتقد، ففي الوقت الذي تطورت فيه شركات الطيران العالمية، وأكدت مبدأ احترام الوقت، والالتزام المطلق بالمواعيد فإن شركتنا الوطنية "مصر للطيران" – رغم إيماني المطلق وتعصبي الأعمى لها – لم تزل كما هي تؤمن بالمثل القائل "في العجلة الندامة"، وأن " العجلة من الشيطان"، عندما نزلت الطائرة ترانزيت في مطار استكهولم وبقيت فيه 45 دقيقة كاملة خيل لي أن الطائرة كعربة الميكروباس في شوارع القاهرة إذا أشار لها شخص في الطريق توقفت لتأخذه معها.
ربما يكون ذلك سر تأخرها في رحلة السفر، وتأخرها في رحلة العودة، ولكن تأخرها هذه المرة كان فادحاً، فقد تأخرت الطائرة ثلاث ساعات كاملة، والسبب غير معلوم، حاول مسئول الشركة بالمطار الاعتزار وتبرير الموقف ولكن دون جدوى، ثلاث ساعات من عمر الإنسان تضيعها شركة للطيران في رحلة واحدة، ما أرخص الوقت عند الفراعنة الجدد.
ابتسمت موظفة المطار الشقراء وهي تطالع التذكرة في مطار كوبنهاجن، سألتني عن المكان الذي أفضله، طلبت منها أن يكون مقعدي بجوار الشباك، وأعقبت ذلك بعبارة (To see pirds) أي "لكي أشاهد الطيور، فضحكت، وواصلت عملها على شاشة الكمبيوتر، بعد أن قامت بوزن الحقائب أخبرتني أن هناك خمسة كيلو جرامات زائدة يجب أن أدفع رسوماً عنها، نظرت إليها بعتاب وقلت "هذه خمسة كيلو جرامات عبارة عن كتب ونشرات عن بلادك فما رأيك؟"، ابتسمت وقد ارتسمت على وجهها السعادة قائلة "لا بأس نأمل أن تكون قد سعدت بإقامتك في بلدنا"، وكانت ابتسامتها آخر شيء أشاهده في هذه البلاد
.......... كانت تذكرة السفر "جدة – القاهرة – كوبنهاجن – القاهرة – جدة" أي أن القاهرة كانت منطلقاً ومرتكزاً رئيسياً للرحلة، تحيط بالهدف كالدائرة، وذلك بالطبع لم يمكنني فقط من المقارنة، ولكن مكنني أيضاً من صياغة الحلم، أحلم لبلدي بالعديد من الإيجابيات الموجودة هناك، وأقدّر وأثمّن الإيجابيات الجميلة الكثيرة الموجودة بمصر، والتي لا وجود لها هناك.
أما المقارنة – رغم كل شيء- فلابد أنها لصالح مصر، في مصر هذا الثراء الذي لا تجده في أي بقعه من العالم، صدقوني ليس هذا كلاماً حماسياً دافعة المواطنة، ولكنها الحقيقة، ولكن الوطن يحتاج الكثير من العمل لنزيل عن معدنه الذهبي الأصيل أكوام التراب ..
........ كانت الجميلة واقفة عند باب الشمس بجسدها الباسق وقناديلها السبعة، تناديني باسمي، تغريني بالورد والتفاح والعسل المصفى، وأنا واقف في المفازة، أقاوم الصهد والنار، في صدري حنين للعبق القروي ومئذنة الحسين ..!