يطالب البعض بالقضاء على التمييز، ويتشدق الآخر، وينظِّر في البرامج التلفزيونية، ويتباكى على العنصرية التي تفشت في العالم، .. ، والسياسيون يوقعون دون تردد على الاتفاقيات الدولية التي تناهض كافة أشكال التمييز، ويؤكدون أمام الشاشات احترامهم لحقوق الانسان، .. حقوقيون وناشطون وأساتذة جامعات يلوكون اللفظة دون وعي حقيقي بأبعادها المختلفة.
ولكن الذي يدقق جيدا سيكتشف أن المجتمع العربي كله غارق في التمييز، وإن هذه الآفة المجتمعية ممتدة في تاريخنا وحتى أزمنة قديمة جدا.
الثقافة العربية مبنية أساسا على العنصرية، فهناك تفرقة تاريخية بين الرجل والأنثى، من العصر الجاهلي الذي كانوا يوئدون فيه البنات، ويبيعون الجواري، والعبيد، .. في المجتمع العربي هناك دائما غني وفقير، حضري وبدوي، قبيلي وصعلوك، مسلم ومسيحي، سني وشيعي، عربي وأجنبي، .. أسود وأبيض .. حاكم ومحكوم.
ورغم ان الإسلام جاء ليقضي على الطبقات، ويساوي بين الناس، ويضع قاعدة العدل وهي أنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ظل التمييز فيروسا تتوارثه الأجيال حتى اليوم .
وبمرور الزمن تطورت العنصرية وتوحشت لتصبح أكثر بشاعة، مستمدة قوتها من العادات والتقاليد الفاسدة ، فلم تعد مجرد سلبية أو سلوك سييء، ولكن أصبحت عرفا مجتمعيا له قوة القانون، فرأينا أشكالا مؤلمة منها، فهناك عضل الفتاة، وتعليق الزوجة، وعزل المطلقة، والعنف الأسري، والإيذاء النفسي والجسدي، وحرمان المرأة من الميراث، وحق اختيار الزوج، والدراسة، والتخصص، والمستقبل، وأصبحت العدالة الاجتماعية ديكورا ، ومساحيق تجميل، بند من بنود حملة انتخابية، وهم لا يمكن تحقيقه أبدا .
ورغم مرور 46 عاما على بدء العمل بالاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، لازال العالم الكاذب يمارس أفظع طرق التمييز بين البشر ، في فلسطين تمارس أبشع طرق التمييز ضد الفلسطينيين، والجدار العازل أحد الأمثلة على ذلك ، .. نفس الأمر يحدث في بورما والصين ضد المسلمين، وفي الغرب ضد العرب ، وفي سوريا ضد أنصار النظام، وفي العراق ضد الإيزيديين.
ليس ذلك فقط ، ولكن الانسان المعاصر لم يكتف بالتركة الثقيلة التي أخذها من الأجداد، فقرر أن يضع لمساته، فاخترع أشكالا عصرية صارخة من التمييز.
قاعات كبار الزوار بالمطارات تمييز ، سرعات الإنترنت المختلفة تمييز ، مستشفيات الخمس نجوم تمييز ، درجات القطارات المتنوعة تمييز ..، الجامعات الخاصة تمييز، .. والأرقام المميزة في الجوالات تمييز، وأرقام السيارات المميزة تمييز ، ..
العدالة الاجتماعية تعني المساواة الكاملة، وهي تعني حصول كل فرد في المجتمع على حقوقه غير منقوصة، بكرامة، تلقائيا، دون النظر إلى اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الوضع الاجتماعي .
لا مانع من أن نحلم ونشطح، ونطلق شعارا أو إثنين، .. ولكن قبل أن نتورط ونتعهد بالقضاء على التمييز ، يجب أن نعرف الحقيقة المؤلمة .. وهو أننا منحازون متعصبون حتى النخاع .
لذلك كله، يجب التوقف عن المزايدة بالمساواة، ومناهضة التمييز، وتحقيق العدالة الاجتماعية .. وهذا الكلام الكبير الذي نخدع به الناس، ونقر بالواقع المر، وهو أن بيننا وبين العدالة ملايين من السنوات الضوئية.