"اللقافة" هي التدخل في شؤون الآخرين، أي التدخل في أشياء لا تعنيك، وتعامل الحس الشعبي مع هذه الإشكالية الاجتماعية بمقولات وأمثال، وعبرعنها بتعبيرات كاريكاتورية مضحكة .
مما قيل في هذه الشخصية التعبير الشعبي "من تدخل فيما لا يعنيه لقى ما لا يرضيه"، ويقول آخر "يا داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك إلا ريحتها"، وفي الحالات المتقدمة يقول التعبير الشعبي "سكتناله .. دخل بحماره " .. وفي الحالات المستعصية قال العامي "إنت مال أمك؟".
تذكرت هذا النوع من هذه اللقافة عندما رأيت شخصيات عربية تدخل في الشأن المصري، وتعلق على حكم القضاء المصري بإعدام الرئيس السابق محمد مرسي، وعدد من قيادات جماعته.
الدوافع الظاهرة لهذا التدخل ـ كما ورد على ألسنة هؤلاء الكيوت ـ "الرغبة في النصيحة"، و"عدم الرضا بالظلم"، و"الخوف على الاستقرار في مصر" .. أما الدوافع الباطنة فيعلمها الله، وإن كانت هناك عدة عوامل تجعلنا نضع علامات الاستفهام حول هذا التدخل.
الأول أن العديد من أحكام الإعدام تصدر في مصر سنويا، وهناك ـ بطبيعة الحال ـ أحكام تصدر ضد جنسيات مختلفة اخترقت القانون المصري، وبالتأكيد من المحكومين من جنسية هؤلاء الذين يتدخلون في شؤون مصر، وكان من الطبيعي عندما يتحرك هؤلاء، أن يتحركوا لإنقاذ أحد من بني جلدتهم، ولكنهم وياللغرابة تدخلوا دفاعا عن مصري .. !!.
العامل الثاني ـ وهو أقوى ـ أن بلاد هؤلاء المتنطعين دول محافظة لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، لذلك عندما يخرج فرد عن هذا الإجماع المجتمعي الذي استقر في الذهن طويلا، ويعرض نفسه للمساءلة . فإن ذلك يلفت النظر، ويؤكد إن في الأمر "إن".
العامل الثالث ـ وهو أشد قوة ـ أن "مرسي" الذي يدافع عنه هؤلاء ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة عمرها أكثر من 80 عاما، وقد خرجت من عباءتها معظم التنظيمات الإرهابية، ولها في عدد من الدول أعضاء ومؤيدون، لذلك فإن انتماء المعارضين لإعدام مرسي للجماعة يبقى احتمالا واردا.
هذه العوامل ترجع عندنا سوء النية، فالأمر ليس أخوَّة ولا يحزنون، ولا رهافة حس، وهو أيضا ليس خوفا على "استقرار مصر" كما يدعون، ولكن هؤلاء ربما يرتبطون بشكل ما بالجماعة الإرهابية، أو ربما دفعهم لهذا الرأي العابر للقارات إنتهازية، أو حرص على مواءمات سياسية في هذا البلد أو ذاك، أو حنق وحقد مستعص على مصر.
نحترم الأوضاع السياسية في الدول العربية الشقيقة، ونتفهم إلى أقصى حد ما يدور فيها من إجراءات، وما يصدر فيها من أحكام، ولا نتدخل في شؤونها، لأننا نعلم جيدا أن لكل مجتمع طبيعته وتقاليده، وظروفه التي لا يمكن تعميمها، كما أن تقاليدنا نحن لا يمكن أن نعممها على الآخرين، .. ، وإذا حدث وتدخل أحد منا في شؤون دولة أخرى، سيقابل باستنكارنا جميعا، ولكن إذا أصريت على التدخل في شؤوننا سنلجأ لقاعدة "حوش كلابك . أحوش كلابي".
والله لو الأمر حشرية، أو صفاقة، أو تنطع .. أو لقافة سياسية ، لكُنا تجاوزنا العرف الشعبي وتحملنا "كرمال عيون" الأشقاء العرب الذين تربطنا بهم علاقات أقوى من تجاوزات فرد أو إثنين، ولكن عندما يتعلق الأمر بدعم جماعة إرهابية فإننا سنوقف ونقول .. لا ..
الخلاصة .. المواطن العربي الذي يتدخل في شؤون مصر إما ملقوف بطبعه، أو عضو كامن في جماعة الإخوان الإرهابية، أو يريد أن يحرق مصر بجاز .